حول مشروعي تعديل قانوني «العمل» و«التأمينات الاجتماعية».. حقوق العمال ومكتسباتهم خط أحمر يجب عدم تجاوزه
إن التفاف المواطنين حول الموقف الوطني الممانع، يجب ألا تكافئه الحكومة بالظلم وسلب الحقوق، ويجب ألا ينعكس سلباً على القضية الاجتماعية والمعيشية للمواطن السوري، وخاصة العمال والموظفين الذي يتعرضون اليوم لهجمة شعواء من القوى الليبرالية المستشرسة في الحكومة، التي تسعى بكل جهدها لضرب الوحدة الوطنية عبر إفقار المواطنين وتجويعهم، وعبر القضاء على مكتسباتهم وحقوقهم التي ناضلوا من أجلها وحققوها خلال عقود طويلة، والمرسوم رقم /49/ الخاص بقضايا تسريح العمال، وقانون العمل رقم /91/، وقانون التأمينات رقم /92/ للعام 1959، هي من الإنجازات التي حصل عليها العمال بالدم والإضرابات، وبتنسيق كامل بين الشيوعيين والبعثيين آنذاك، وفيها توازن يحفظ جميع الحقوق لطرفي عقد العمل بالتساوي، بين العمال وأرباب العمل. فلماذا تسعى الحكومة إلى نسف هذه المنجزات والحقوق؟!!
إنها تعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يدعمان أرباب العمل وحيتان المال على حساب جهد وعرق ومستقبل الطبقة العاملة. وبناء على هذه التعليمات تحاول الحكومة إقرار القوانين المنحازة إلى رب العمل، متجاوزة كل النداءات والمناشدات، وكل المواقف والآراء المعارضة، غير آخذة بمقترحات أو مطالب العمال ونقاباتهم، وضاربة بها عرض الحائط. فالحكومة اليوم تعمل على إلغاء لجان قضايا التسريح بحجة أنها لمصلحة العامل دائماً، وإعطاء تراخيص خاصة لمكاتب التشغيل بدلاً عن تشغيل العمال عن طريق مكاتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتخفيض نسبة الراتب التقاعدي من 2.5% من الراتب الأساسي عن كل سنة خدمة، إلى 1.7%. وكانت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل قد صرحت بكل استهتار وبلا مبالاة وانعدام مسؤولية أنها لو كانت رب عمل لما دفعت هذه المبالغ ضماناً للعمال، وهذا التصريح قد فتح الباب واسعاً أمام أرباب العمل للتهرب من تسجيل عمالهم بالتأمينات والضمان الصحي مستندين إلى تشجيع الوزيرة للتهرب من التزاماتهم تجاه عمالهم ومستخدميهم. وبعد سماع العمال لتصريحات النائب الاقتصادي بهذا الخصوص بدأت عمليات استقالات جماعية، خوفاً من مستقبل ظالم أسود يتهدد حياة العمال ومعيشتهم في كلتا الحالتين، أثناء الخدمة وعند التقاعد.
إن إلغاء المرسوم /49/ أو تعديله يعطى رب العمل الحق المطلق في تسريح العمال ويقطع رزقهم متى شاء دون محاسبة أو ضمان لحقوق عماله، وكذلك إعطاء تراخيص لمكاتب خاصة لتوريد وتشغيل العمال بعيداً عن دور الدولة ورقابتها يعطى هذه المكاتب مجالاً واسعاً للتحكم والاستغلال والتلاعب.
الدولة تستدين من عمالها
من جهة أخرى تشارك الحكومة وخزينتها في حرمان العمال والموظفين من حقوقهم والخدمات التي يستحقونها، من معاش تقاعدي وضمان صحي وضمان مساعدة عند التعرض لإصابات العمل، فقد اقترضت خزينة الدولة من صندوق التأمينات الاجتماعية مبلغ /166/ مليار ل.س، وهذه المبالغ مقتطعة عبر سنوات طويلة من رواتب العمال والموظفين، ولو كان هذا المبلغ يقدم خدماته التي ضمنت مؤسسة التأمينات الاجتماعية العمال، لحصل العمال على الكثير من حقوقهم وبشكل يسير وسهل.
إن نسب الاشتراكات التي يدفعها رب العمل في سورية كضمان وتأمين للعمال المسجلين هي الأقل بين جميع دول العالم، حيث يقتطع مع العامل اشتراك شهري بنسبة 7% من أجوره الثابتة، ويدفع رب العمل نسبة 14% من أجور العاملين الخاضعين لقانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 وتعديلاته، لقاء الراتب التقاعدي، يضاف إليها 3% إلى صندوق تأمين إصابات العمل، و1% لصندوق الأمراض المهنية. بينما في باقي الدول يكون التزام العامل أقل والتزام رب العمل أكبر. وفي هذا الجدول مقارنة في نسب الاشتراكات بين سورية وبعض البلدان:
وكان رئيس مجلس الوزراء قد صرح علناً بنية الحكومة عدم تثبيت العمال المؤقتين، عندما أطلق كلمة حق يراد بها الباطل، فقد وافق بشكل موارب على تثبيت العمال المؤقتين، ولكن بموجب شروط تعجيزية مطاطة، لا يمكن ضبطها أو إقرارها بقانون، وهي اشتراط الشاغر والاعتماد وما تبعها من تفسيرات، وبهذا تكون الحكومة قد حققت نيتها بعدم التثبيت، ولا يستفيد من القرار سوى حفنة بسيطة من العمال، بينما هناك أكثر من 60 ألف عامل ينتظرون الاستقرار والطمأنينة والأمان في عملهم منذ عشرات السنوات.
ابراهيم اللوزة: لا لقانون عمل ظالم
وفي لقاء مع النقابي إبراهيم اللوزة قال: «نحن نعترض بشكل حاد على مشروع قانون العمل الجديد، لأنه يسلب العمال حقوقهم التي ناضلوا وضحوا سنوات طويلة من أجلها، ومن أجل قوانين تحمي حقوقهم وكرامتهم وإنسانيتهم. وإن من أخطر مواد القانون الجديد المادة التي تنص على أن (العقد شريعة المتعاقدين)، وهذه المادة تعني بشكل واضح أن العامل سيصبح سلعة أمام رب العمل، والخطورة الكبرى التي يواجهها العمال حالياً هي مقترحات البنك الدولي المخربة للاقتصاد والمدمرة للمكاسب، التي صدرت في اجتماع عقد بحضور النائب الاقتصادي ووزيرة الشؤون الاجتماعية وممثلي البنك الدولي، من أجل تعديل مواد قانون التأمينات، وقد أدى الاجتماع للخروج بقرار تخفيض الاشتراكات على أصحاب العمل، وقد تم تأكيد هذا القرار أكثر من مرة من مسؤولين في الحكومة ووزيرة الشؤون الاجتماعية، والقرار المطروح يخفض نسبة التقاعد بدلاً من 2.5% من الراتب عن كل سنة خدمة (حيث كان يحصل المتقاعد على 75% بعد 30 سنة في الخدمة) إلى 1.7%، وهذا يعني أنه بعد خدمة 40 سنة سوف يحصل على 60%، فقط، وهذا ضرب لأبرز المكاسب التي تحققت للعامل عبر 50 عاماً».
إن التعديلات الجديدة لقوانين العمل والتأمينات الاجتماعية، التي أشرف عليها خبراء من مكتب العمل الدولي والبنك الدولي، تضر بحقوق أكثر من ثلاثة ملايين عامل مشمولين بالتأمينات، وعلى فرض أن كل عامل يعيل أسرة من 3 4 أشخاص، هذا يعني إلحاق الضرر بعشرة ملايين مواطن سوري على الأقل!! فمن هم البقية الذين لا يتضررون؟!! سؤال جاد وخطير برسم المسؤولين عن لقمة الشعب، وفي مقدمتهم أعضاء المؤسسة التشريعية، أعضاء مجلس الشعب، الذين ائتمنهم المواطنون على مصيرهم ومستقبلهم، وبيدهم القضاء على هذا المصير والمستقبل، أو الحفاظ عليهما!!
وهنا ندعو جميع العمال والموظفين إلى التراجع عن قرار الاستقالة، والوقوف صفاً واحداً ضد هذه الهجمة الليبرالية الشرسة، والدفاع العنيد والنضال من أجل الحفاظ على المكتسبات والحقوق التي منحهم إياها الدستور على مدى عقود طويلة. لذلك فعلى النقابات والعمال رفع صوتهم عالياً أمام هذه المهزلة، ويجب تفعيل دور النقابات وإيجاد آلية جدية للمطالبة بشكل جاد، يتناسب مع متطلبات وتحديات المرحلة في الدفاع عن حقوق العمال ومكتسباتهم، بما فيها الاحتجاج والإضرابات، التي هي حق مشروع للعمال في كل قوانين العمل الدولية، للمطالبة والدفاع عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.