أرقام خيالية لفساد الضابطة الجمركية

يبدو أن الفساد في سورية قد تحول إلى مرض سرطاني يأخذ في طريقه كل عمليات التنمية والبناء ومقومات المواجهة، وإذا وجد من يبرر هذا الفساد بحجة أنه ظاهرة عالمية سائدة، فلا شك أن غايته هي محاولة تكريس الفساد وإيجاد منفذ قانوني لاستمراره بفساده ونهبه للقطاع العام، عن طريق استغلال المنصب العام أو الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام والوطن.

وإذا كان البعض قد توصل إلى تقسيم الفساد إلى ثلاثة أقسام رئيسية: (فردي، ومؤسساتي، ومنتظم)، فإن ما اكتشف من فساد في الضابطة الجمركية يشمل الأقسام الثلاثة كلها، وقد امتد هذا الفساد إلى كل العمليات التي تقوم بها الضابطة، حتى وصل الأمر بآمر الضابطة إلى احتكار كل شيء فيها، وهذا بالضبط ما يمكن اعتباره الفساد الأخطر  أي الفساد الاحتكاري.

إن القرار رقم /531/ الصادر عن رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي العطري، المتضمن صرف مدير الجمارك، العميد حسن أحمد من الخدمة، وتصفية حقوقه وفق الأحكام والقوانين النافذة، وبناءً على أحكام المادة /85/ من قانون الموظفين الأساسي رقم /135/ لعام 1945، وعلى أحكام قانون الضابطة الجمركية رقم /37/ لعام 2007، والمرسوم التشريعي رقم /11/ لعام 1986 وتعديلاته؛ هذا القرار يؤكد ما كان يتناوله الإعلام سابقاً، عن الفساد المستشري في الجمارك، وضرورة اقتلاعه من جذوره، بعد أن أصبح الفاسدون في جهاز الجمارك بؤرة وقوة فساد هامة في جهاز الدولة نتيجةً للتشعبات الكثيرة لعناصره فيه، وبالتالي تحول حاميها إلى حراميها تحت حماية «الكرسي». وقد رافق قرار إنهاء خدمة آمر الضابطة الجمركية، قرارٌ آخر بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة له ولزوجته وأولاده، وكل من له صلة قرابة بالمدعو، كما رافقه قرار آخر صادر عن وزير المالية، بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لبعض العاملين في الجمارك من أمناء وخفر ومراقبين.

إن هذه القرارات أكدت الآلية غير القانونية التي كان يتم فيها اختيار هؤلاء العاملين معظم الأحيان، إما بتدخل الواسطة، أو بشراء ذمم بعض الإدارات، فخلال شهر شباط من هذا العام تم اكتشاف أكثر من حالة فساد في الجمارك..

والسؤال هو: لماذا لم تكشف وتعلن وزارة المالية أو رئاسة مجلس الوزراء حجم الأموال التي كانت بحوزة آمر الضابطة؟ وإذا كنا متفقين أن الخاسر الأول والأخير من الفساد هو موازنة الدولة، لأنه يؤدي إلى ضعف موارد الخزينة، والذي يؤدي أيضاً بدوره إلى تقليص دور الدولة ومساهمتها في النفع العام، فإن أحد المصادر ذكر لنا أن الأموال التي شفطها آمر الضابطة الجمركية تقدر بالمليارات وليس بالملايين.

أخيراً لابد لنا من القول إن هذا المرض السرطاني مازال يصيب العديد من الدوائر في الدولة، وإن أفضل طريق لمكافحة وإيجاد الحلول هو ما قاله أحد الاقتصاديين، عندما أشار بأن الحل يكون بقرار سياسي بمحاربة الفساد بشكل جدي، يشارك فيه الجميع، وعندها يستطيع مخفر شرطة صغير أن يحل المشكلة كلها، لأن الفاسدين الكبار معروفون وعددهم ليس كبيراً!!

فهل نتعظ من تجربة المليارات هذه أم سيبقى الحبل على الجرار؟!!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 22:22