وسيم الدهان وسيم الدهان

واحد مقابل ثمانية.. حصيلة أولى لاقتصاد السوق «الكوارثي»!

«كل باص سيدخل المدينة ليزاول مهامه بخدمة السكان سيحل محل ثمانية سرافيس»، أول ما يشير إليه هذا الكلام الذي أفاد به مدير النقل الداخلي بدمشق هو أن السكان سيتابعون معاناتهم مع وسائل النقل، فإما سيتجهون للمستقبل واقفين على رؤوس أصابعهم في مكان معدني شديد الضيق، أو سيتجهون إليه متكئين على أكتاف السائق العصبي من فرط الزحام، فالسرفيس كما يعرف الجميع يتسع لعشرة ركاب في أحسن حالاته، أما في أسوأها- أي عند الظهيرة- فيتسع لأربعة عشرة راكباً على الأقل، وهذا يعني أن على الباص الذي سيعوض الركاب عن ثمانية سرافيس أن يستوعب على الأقل نحو 100 راكب، وهذا يعني بوضوح أن واقع النقل بالتكديس (من مكدوس) سيبقى مستمراً في دمشق إلى أجل غير مسمى.

أما ثاني ما يشير إليه هذا الكلام فهو الأخطر، إذ أن التخلي عن 8 سرافيس مقابل باص واحد يعني التخلي عن 24 عائلة (كل سرفيس يعيل ثلاث عائلات) مقابل عائلتين (عائلة المستثمر وعائلة السائق الموظف)، أما التخلي عن السرافيس كلها، والتي يقدر عددها بأكثر 20 ألفاً في دمشق وريفها، فسيعني التخلي عن أكثر من 60 ألف عائلة مقابل 2001 عائلة (2000 للموظفين و1 للمستثمر)، وهذا يعني بالمحصلة ازدياد أعداد العاطلين عن العمل من جهة، وتفاقم المشكلات الأسرية لدى أكثر من 180 ألف سوري (أصغر عائلة تتكون من 3 أفراد) من جهة ثانية.

وإذا كان المعنيون يسعون في كلامهم إلى تلطيف أثر ذلك على الناس عبر إشارتهم دائماً إلى حق السائقين في العمل على الخطوط البديلة، فإن هذا لا يعفيهم أبداً من الاعتراف بأن معظم السائقين سيبقون بلا عمل، أما إذا كانوا يعولون على سعة صدر المستثمر لتوظيف هذا الحجم الهائل من البطالة المفاجئة فهذا كارثة، لأن أول ما سيفعله المستثمر هو انتقاء «الأرخص» أجراً بينهم ليستغل قوة عمله، وثاني ما سيفعله هو تسعير المنافسة غير الشريفة بين السائقين أنفسهم الذين سيتقاتلون لنيل جائزة العمل على باصاته، إذ سيتنافس أكثر من 60 ألف عاطل عن العمل في قطاع النقل على ما لا تتجاوز ألفي وظيفة، وهذا يعني بالمحصلة انخفاض الأجر الشهري في هذا القطاع بنسبة كبيرة قد تتعدى 50% من الدخل الذي يحصله سائق السرفيس قبل انقطاع رزقه (بدل 30 ألف ستصبح 15 ألف ليرة).

إن ما يشهده قطاع النقل الجماعي اليوم ما هو إلاّ تجسيد بسيط لأحد التصورات الشنيعة لاقتصاد السوق غير الاجتماعي، وهو تكريس عملي لواقع لم تعرفه حتى أعتى أنظمة الرأسمالية؛ وخلاصة القول: إن الفريق الاقتصادي يمهد لقوننة نهج «كوارثي» يسمح للأقوى بأن يأكل حصة الأضعف بحجة وبغير حجة!

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 21:50