شيكات الدعم توزع بالقطارة على المراكز التلكؤ بات واضحاً ومقصوداً في دعم الحكومة لمواطنيها
إن آلية إعادة توزيع الدعم على مستحقيه بالبدل النقدي عبر شيكات تصرف على دفعتين، هي برأي الكثيرين ليست سيئة وغير مدروسة فقط، بل وطريقة تنفيذها أسوأ. فقد ظهرت بدايات وضع العراقيل أمام المواطنين لمنع الدعم عن الكثير منهم، في وضع الشروط المهينة التي يجب أن يتمتع بها المواطن كي يحصل على البدل النقدي لدعم المازوت، ومع ذلك فمازالت المهزلة مستمرة حتى اليوم، ولن تنتهي بانتهاء فصل البرد والشتاء، ومازال التدافع والمشاجرات أمام نوافذ مراكز توزيع شيكات البدل النقدي، يجري تماماً مثل الأيام الأولى التي بدأ فيها التوزيع.
جالت «قاسيون» على عدد من مراكز توزيع الشيكات، وكانت الصورة فيها واحدة ومتشابهة، تدافع وصراخ وسخط وشتائم، وتوسل في أغلب الأحيان. وننقل الصورة دقيقة وصحيحة من مركزي التوزيع في جرمانا، كنموذج عن هذه المراكز. المواطنون يلقون باللوم وأسباب التقصير على الموظفين الذين يوزعون الشيكات، ويتهمونهم مرة بالتلاعب بالدور وتقديم الواسطات والمحسوبيات على من سواهم، ومرة بقبض الرشاوى، ومرة بعدم الإحساس بمشاعر وظروف المرضى أو المسنين.
هكذا ظهرت الصورة عند دخولنا مركز النادي الرياضي في ملعب كرة السلة بجرمانا، هرع إلينا كثير من المواطنين يصرخون غاضبين، وقد حصلنا على التصريحات والشكاوى التالية:
ـ أحد المواطنين قال: «والله صار لي ثلاثة أسابيع، آتي إلى هنا كل يوم دوام، وانتظر حتى نهايته، علَّني أحصل على الشيكات، فالشتاء يكاد ينتهي، والمركز هنا يومياً لا يوزع سوى 25 أو 30 استمارة، وأغلبهم واسطات ومحسوبيات، يدخلون من أمام مجموع المنتظرين، ليخرجوا بعد قليل وقد حصلوا على الشيكات».
ـ مواطن آخر قال: «كل هذه اللعبة ذل في ذل للمواطن، ولا أعرف كيف يخترعون هذه القرارات! أو من يخترعها! وطالما أنهم رأوا أن هذا الحل هو المناسب، فلماذا افتتحوا مركزين فقط في بلدة يزيد عدد القاطنين فيها عن 300 ألف نسمة؟! وفي كل يوم يوزعون 30 أو 40 شيكاً فقط، وربما كانوا قبل هذا الأسبوع يوزعون حتى 100 شيك، أي أنه في المركزين 200 شيك في اليوم، وإذا قسمنا 300 ألف بني آدم على 200، يعني يلزمنا 1500 يوم حتى ننتهي من هذه المهزلة، يعني بعد أربع خمس سنوات.. وعيش يا..».
ـ مواطن ثالث قال: «يعني كل هالمهزلة وهالبهدلة والذل الذي تعرضنا له لم يكن له ضرورة، كان يكفي الحكومة تحديد سعر لتر المازوت كما وعدت بـ12 ل.س، وهذا يسري على الجميع ولا يضر بتكاليف الزراعة والصناعة كما حصل، ولكن أظنهم يأخذون ثمن وقود سياراتهم من المواطنين حين رفعوا سعر لتر المازوت من 7 إلى 9 إلى 20 ل.س، يعني بحدود 200%».
ـ مواطن آخر قال: «الحكومة تتخبط في قراراتها ولا تدري كيف تسد سرقات الفاسدين من الخزينة، وإن رفع سعر لتر المازوت إلى 20 ل.س هو جمع قسري للضرائب من المواطنين، ولولا أن الحكومة لاحظت سخط الناس وفقرهم وعوزهم لما بادرت إلى سد ثقب في سلتنا، بدعمنا بعشرة آلاف ليرة، كرفع عبء من مجموع ثمن المازوت الذي نستخدمه في الشتاء البارد، وكانت الحكومة في الموسم الماضي قد اخترعت لعبة القسائم التي أثبتت فشلها الذريع، وتبين أن كل سياسات الحكومة ليست سوى تجارب اختبار جعلت من المواطن السوري فأر مخبر، تطبق علينا الوصفة، وتخلق أزمة جديدة، تم تبحث من جديد عن علاج لهذه الأزمة».
في المركز الثاني لتوزيع الشيكات الكائن في المقر الجديد للمركز الثقافي العربي في جرمانا، كانت العاصفة أقوى، وغضب بعض المواطنين وشكاواهم أعلى، ووصلت إحدى الحالات إلى حد البكاء والنحيب، حيث أن إحدى السيدات كانت تعول وتصيح بصوت عالٍ، والبكاء يقطع كلماتها ويُهدّج أنفاسها قائلة: «والله ما فيني إجي بكرة، أنا مرضانة، وعندي قلب وضغط وتصلب شرايين، وبكرة مسافرة على حلب لأدخل مشفى، منشان الله مشيني».
مع أن المنظر للوهلة الأولى كان يطمئن إلى أن الأمور تجري بكل ترتيب، والمواطنون جالسون ينتظرون أدوارهم المحددة لهم منذ الصباح الباكر على قصاصات من الورق مرقمة، وتحدد لكل مواطن بشكل تقريبي متى يحين دوره، ومع ذلك فقد ارتفعت شكاوى المواطنين من بطء عملية استلام الاستمارات، وتسجيلها وتوثيقها، حيث تستغرق كل استمارة أكثر من ربع ساعة، أي أنه لا يتم تنفيذ أكثر من 30 أو 40 استمارة في اليوم كحد أقصى.
الصورة من الجانب الآخر
في المركز نفسه تقدمنا من رئيس المركز وقدمنا له أنفسنا، وسألناه إذا كانت هناك صعوبات في العمل، وعن سبب بطء التوزيع، ولكنه بدا غاضباً أكثر من المواطنين المنتظرين فرصة الحصول على دور، وأجاب على تساؤلاتنا بالقول: «أنا لن أفيدكم بشيء، ولن أصرح عن شيء، وإذا أردتم أجوبة لتساؤلاتكم فلتذهبوا إلى رئيس البلدية، أو إلى المحافظ، أما أنا ماني فاضي».
لم نفهم في البداية سبب غضب الموظف، وإحجامه عن التصريح بأي شيء، ولكننا في المركز الثاني، وبعد أن رأينا حقيقة ما دار هناك، سألنا رئيس المركز فقال لنا ما يلي: «إن السبب الحقيقي للتقصير ليس هنا، فنحن هنا موظفون موجودون لخدمة المواطن، ولكن التقصير الحقيقي هناك في الأعلى، في مركز القرار، فمنذ البداية لم يكن هذا الأسلوب مدروساً جيداً، وعند تنفيذه ظهر العجز الحقيقي في الحصول على النتائج المتوخاة منه، فالمسؤولون عن تنفيذ هذا الشكل من إعادة توزيع الدعم لا يعطوننا سوى 200 شيك في الأسبوع، على خمسة أيام دوام أي بحدود 40 استمارة في اليوم فقط، وحتى هذا العدد الضئيل فهو كافٍ لوقت الدوام، ومرهق بالنسبة لنا، لأننا سننزل المعلومات على ذاكرة الحاسوب، والمطلوب هنا الدقة والانتباه، فقد حدث في الأسبوع الماضي أن حصل بعض الخطأ نتيجة الازدحام والفوضى، وكنا سندفع مستقبلنا ثمناً له، التقصير من فوق بسبب قلة عدد الشيكات وقلة عدد المراكز المفتتحة لاستقبال المراجعين، ولكن المواطنين الخائفين من عدم حصولهم على مبلغ الدعم ليس لهم في الواجهة سوانا، ويظنون أننا نحن خصومهم، أو نحن سبب الأزمة، ويتهموننا بالتقصير والتسويف لأنهم لا يرون أمامهم غيرنا».
وتابع رئيس المركز: «إلى جانب الفوضى والزحام أيضاً قد يشارك بعض المواطنين بخلق أزمات تؤثر على سير العمل، فكثير من المتقدمين لم يلتزموا بالتعليمات والنظام، حيث أننا نفتح المركز منذ الساعة 8 صباحاً، ونسجل الدور للموجودين، إلا أن الازدحام الحقيقي يبدأ بعد العاشرة حيث تتوافد الحشود بشكل كثيف، الأمر الذي يسبب إرباكاً في العمل، والأوراق الثبوتية المطلوبة بحاجة إلى دقة عالية ودراسة مستوفاة، وغالباً ما تأتي ناقصة، فنضطر نحن لتصوير هويات المراجعين أو دفاتر العائلة على الآلة الناسخة هنا في المركز، وهذا يستغرق وقتاً ويؤخر الإنجاز في المعاملات. أما بالنسبة للسيدة التي كانت تبكي وتعدد أمراضها فقد اعتدنا هذا المنظر عند 90% من المراجعين، فكل المراجعين أصبحوا يعانون من أمراض مزمنة دفعة واحدة وبالجملة، طبعاً لا يخلو الأمر من حالات صحيحة وتستحق الرعاية، ولكن الغالبية العظمى يتظاهرون للفوز بالرأفة على أمل الحصول على دور ولو تجاوزاً».
واستطرد بعد أن أخذ نفساً عميقاً: «أخيراً، طبعاً نحن نقدر قلق المواطنين وخوفهم من فقدان هذا الحق، ونعرف تماماً حاجتهم الماسة إليه، فنحن أولاً وأخيراً مواطنون مثلهم ولنا مشاكلهم وهمومهم واحتياجاتهم نفسها، ولكننا نطلب من المراجعين أن يقدروا أيضاً أن المشكلة الحقيقية ليست عندنا نحن، بل عند المشرفين على العملية من الأعلى».
باب جديد للفساد والرشوة والابتزاز
لا ينتهي المواطن من مواقف التسول والانتظار الطويل، حتى يقع في براثن المصطادين في الماء العكر، ضعاف النفوس والمرتشين من موظفي المصارف العامة والخاصة، ونظراً لأهمية الوقت وحساسيته للمواطن، فإنه مضطر لأن يخضع لشروط الابتزاز التي يمليها الفاسدون، فأمام بعض المصارف الخاصة الموجودة في جرمانا رأينا سماسرة لصرف الشيكات وبالسرعة القصوى، حيث أن لهم معارفهم في الداخل يصرفون لهم الشيكات بعد حسم عمولة كانت منذ شهر ونصف 400 ل.س من أصل العشرة آلاف ل.س (يُصرَف الشيكان معاً)، ثم ارتفعت إلى 500 ل.س، أما اليوم وعند الوصول إلى الأوقات الحرجة، يقتطع السمسار 600 ل.س، (300 عن كل شيك)، يقتسمها مع شريكه في الداخل. حاولنا التحدث لمن يعرضون الخدمة مقابل العمولة، فرفضوا التحدث وأشاحوا بوجوههم عنا بعيداً.
أين الجهات الرقابية من هذه الظاهرة؟! أتراهم لا يعلمون بها؟! أم إن صمتهم عنها لغاية في نفس يعقوب؟! لماذا يتركون المواطن بين أنياب الفاسدين ينهشون منه حقه (المستحق)؟!
تغيرت الصورة والإطار نفسه
هكذا هو دأب حكومتنا العتيدة؟ تتظاهر بأنها تهتم لأمر المواطن وتحاول دعمه، ولكنها تخترع مختلف الطرق والأساليب غير الناجعة، وتطبقها بشكل قاصر وبطيء، فتنقلنا في برامجها الاقتصادية والتنموية من أزمة إلى أخرى، ومن حالة عجز إلى إحباط فانهيار. فمتى يكون لدينا حكومة تخطط لبرامج تنموية صادقة، تعود بالنفع والراحة والطمأنينة على عموم المواطنين؟! سؤال برسم كل القائمين على الشأن العام..