كيف أصبحت شيوعياً؟

ضيفتنا لهذا العدد الرفيقة روزا يوسف تحقاخة، المعروفة بـ«سعدية».

الرفيقة المحترمة أم سمير. نحييك، ونرحب بك معبرين عن سرورنا بلقائك، ونسألك أن تحدثينا كيف أصبحت شيوعية؟

- أشكركم.. إن سؤالكم هذا بعث في العقل والوجدان شريط ذكريات حافلة، فقد ولدت عام 1938 في الجولان الأشم بمدينة القنيطرة، والإنسان كما هو معروف، ابن بيئته. كنت آخر العنقود ضمن أسرة كادحة يعيلها أب رائع وشجاع وعاطفي جداً. كان منفتح الفكر يسارع لمد يد العون لكل من يحتاجها ويكفي مثالاً: على ذلك، كيف كان يحمل خادم الجامع الذي أقعده المرض على ظهره إلى عيادة الطبيب لمعالجته، وأمي باختصار كانت أخت الرجال، وقفت إلى جانب أبنائها تشحنهم بالعزيمة وتدعوهم للصمود في النضال ضد كل أشكال الظلم في السجن وفي خارجه، وحال واقع الأسرة المعاشي وعدم توفر المدارس بعد الابتدائية في القنيطرة دون متابعة دراستي، لكنني ظللت أتابع القراءة والمطالعة حتى تكونت قناعتي بالماركسية كأنبل ما يمكن أن يضحي من أجله الإنسان. وعندما تعرض الحزب لحملة بوليسية مسعورة عام 1959، كنا نسكن في حي الأكراد بدمشق، ووقتها زج بآلاف الشيوعيين في السجون، واستشهد تحت التعذيب الجسدي الوحشي عدد من الرفاق الأبطال، وفي مقدمتهم الرفاق فرج الله الحلو وسعيد الدروبي وبيير شادروفيان. وقبل اعتقال أخي مراد بأيام سألته: أليس الحزب بحاجة إلى من يحل مكان هؤلاء الرفاق؟. فأجابني مشجعاً دون تردد، طبعاً. فقلت: أنا جاهزة، وهكذا بدأت مسيرتي في الحزب الشيوعي السوري التي فجرت فيّ مشاعر الجرأة والصلابة، وأكسبتني شعوراً بالاعتزاز بالانتماء إلى كفاح الكادحين وانطلقت إلى تنفيذ المهمات. في حينها كانت قد تشكلت مجموعة من الرفاق في دمشق، فايز جلاحج، موفق كوشك، ممتاز البحرة، عبد الفتاح جعفر، فريز قوشحة، يونس الصالح، فردوس البحرة، عدنان شعيب، ومن القنيطرة فكرت رجب، ممدوح صوفاء، أشرف ميرزا... ومن تنظيم ركن الدين أخي نجدت تحقاخة.

وكنت أقوم بتأمين البيوت السرية لهؤلاء الرفاق في الأحياء الشعبية، وتأمين الصلات فيما بينهم بالرسائل، وإيصال هذه الرسائل إلى الرفيقة سهام قولي المرسلة إلى القيادة في لبنان، إلى أن قامت حملة اعتقالات شملت معظم هؤلاء الرفاق وكنت واحدة بينهم، وقتها قيل للخائن رفيق رضا من قبل المباحث، «قلتَ إن الشيوعيين في دمشق قد انتهوا ولن تقوم لهم قائمة، فأجابهم (هذا فقس جديد)».. وبعد أن خرجت من السجن لم تلن عزيمتي، ولم أنزو في البيت، بل عاودت النضال مع أمهات وزوجات وشقيقات المعتقلين، ومع كوكبة من الرفيقات الباسلات: سعاد الصالح، مسؤولتي في الفرقة الأولى، وأختها المناضلة أسماء الصالح وعائلتهن، والنساء الجليلات من أهالي المعتقلين: أم مصطفى أمين والدة الرفيق مراد القوتلي، وأم يوسف نمر، وزوجة الكاتب وصفي البني.. وكان أحد أبطال سجن المزة، وأولفا جبور ونازك جلاحج وشقيقة الرفيق سميح الجمالي وفدوى قوطرش. وفي  ذاكرتي فيض من أمثلة البذل والتضحية كعائلة الرفيق عمر السباعي وشقيقاته. ولن أنسى الموقف الرائع لوالدة مصطفى أمين، وهي تجابه مسؤول الأمن الذي نعت الرفاق المسجونين بالخيانة قائلة: «إن أبناءنا شرفاء وليسوا خونة، فحاكموهم إذا شئتم.. وابني لو كان خائناً لقتلته أنا بيدي». هكذا استمر نضالنا من أجل الإفراج عن المعتقلين أو محاكمتهم تارة، ومن أجل وقف حملات التعذيب لدى اشتدادها تارة أخرى، والسماح للأهل بزيارة المعتقلين عند منعها، ومن أجل ذلك قمنا بالعديد من المظاهرات والاشتباكات مع الشرطة.

لم يكن اليأس أو التشاؤم يجد إلى قلبي سبيلاً، وكلما لاحظت بوادر يأس عند هذه المرأة أو تلك كنت أبث فيها الحماس وأعمل على إنهاضها من كبوتها، وبعد أن عاد أخي نجدت من لبنان، وأقام بشكل سري في البيت، تأمنت لنا وسيلة جدية وهامة للصلة مع قيادة الحزب في لبنان لإرسال أخبار السجناء وما يجري في البلاد من أحداث، وتأمين المطبوعات الحزبية إلى السجن بعد أن كانت هذه الصلة تتم عن طريق الرفيقة سهام قولي قبل اعتقالنا. وبعد سنوات من العمل في منظمة دمشق وريفها، وخاصة بعد قدوم الرفيقة أم فياض والتي أشبهها بالنجدة لشدة ما كنا بحاجة لمثلها، وكانت مرحلة هامة بالنسبة لنشاطنا، ثم أرسلت للدراسة الحزبية في موسكو لستة أشهر وخلال /11/ عاماً التي قضيتها في مدينة حلب وريفها كعضو فرعية نسائية عملت وتعرفت على الكثير من الرفيقات الرائعات لا مجال لذكر الجميع في هذه العجالة، ومنهن أم سابا وابنتها ماري كلش، هذه العائلة التي كانت تحمل الأخلاق الشيوعية الحقيقية وكن من اسكندرونة، لواء أشقر، سلوى أشقر، هيلانة بشارة المعروفة بأم دلال عاملة الريجي، وجميلة حمامي، وأم بكري ولميعة شولوقة، وزوجة الرفيق عمر قشاش. وبعد أن عدت إلى دمشق أمضيت /11.5/ سنة على أبواب السجون بسبب اعتقال زوجي أبو سمير.

هذه باختصار شديد مسيرتي الحزبية المتواضعة، وهذه صفحات قليلة من تاريخ الحزب، كان لرفيقات وصديقات الحزب وأمهات وزوجات عدد من الرفاق دور أساسي في كتابتها بشجاعة وتفانٍ، وإني أتوجه اليوم إلى جميع الرفاق والرفيقات داخل التنظيمات وخارجها، وخصوصاً الشباب، للتعلم منه وأخذ العبر.. كما أتوجه إلى الجميع للعمل من أجل وحدة الشيوعيين السوريين لتمكين الحزب من تأدية دوره الموكل إليه في هذه الظروف الجديدة والمعقدة.. وشكراً. 

إعداد محمد علي طه

آخر تعديل على الثلاثاء, 26 تموز/يوليو 2016 12:47