مطبات: لماذا تدخلت الحكومة؟

بسرعة غير منتظرة، تدخلت الحكومة لوقف الأجر الجديد للأطباء الذي أقرته نقابة الأطباء مدعومة من وزارة الصحة، فبسرعة يمكن أن تسجل في سجل (غينس) للأرقام القياسية أبطلت الحكومة مفعول القرار الذي يطال جيوب الناس وهذه المرة من صحتهم، وحددت أسعاراً جديدة اعتبرها البعض منطقية والبعض الآخر يعتقد أن من الممكن تخفيضها أيضاً.

الإجراء الحكومي السريع أضفى قليلاً من الارتياح لدى المواطنين، وذلك بعد الاستهجان الكبير للقرار خصوصاً في الظروف الاقتصادية الصعبة، وتلاحق الأوبئة والجوائح العالمية المرعبة، وخصوصاً في فصل الرشح والأمراض الشتوية.
لكن لماذا تدخلت الحكومة بهذه السرعة القياسية؟ هل تكره حكومتنا الأطباء؟ هل تخاف علينا من مشقة دفع المزيد من المال، أم أنها على يقين أننا لم نعد نجد من نستدين منه بعد أن عجزنا عن سداد ما استدناه، أم أنها وجدت ضالتها في قرار (على قد يدها)، وأن الأطباء لا سند لهم ولا ظهر؟.
الحكومة التي ضربت بسرعة قرار زيادة تعرفة الكشف الطبي لم تتدخل في أمور أقل وأسهل.. ففي حين تقول مؤسسة الخزن والتسويق إنها تتدخل لمصلحة المواطن في السوق وتعلن عن سعر كيلو غرام السكر بـ (27.5) ليرة سورية، وهو غير متوفر في صالاتها، يسرح السوق وتجاره في رفع سعر السكر حتى (40) ليرة سورية غير آبهين بالتموين أو الرقابة الحكومية المفترضة، وغير آبهين بعقولنا أيضاً في انخفاض السعر العالمي، ولا بتصريحات وزارة الزراعة عن مواسم الشوندر، ولا حتى بمصانعنا المحلية الخاصة والعامة التي تبيعنا السكر عن طريق الوسطاء.
الحكومة التي أبطلت قرار زيادة التعرفة، هي نفسها من رفعت الدعم عنا، ومن أعادت توزيعه كما تشتهي، وهي نفسها من توزع علينا (شيكات) دعمها بعد أن تجاوزنا نصف موسم الشتاء، ونفسها التي مررت قوانين الخصخصة في كل مجالات معيشتنا، من المدارس والمشافي، وصولاً إلى الكهرباء.. ونفسها التي تعرض مؤسساتنا العامة للاستثمار بعد أن وضعت قائمة الشركات التي لا حول لها من أربع عشرة شركة ذاهبة إلى النسيان، بمن وما فيها من عمال وذكريات.
ماذا لو كانت حكومتنا بالسرعة نفسها في منع الاحتكار، ومكافحة الغلاء، وزيادة أجور العاملين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفرص العمل، وتوظيف العاطلين عن العمل ومكافحة البطالة، ومحاربة الأمية، والضرب على يد الفاسدين، وتثبيت العاملين المؤقتين، ومنع (المتة) وهدر الكهرباء في مؤسساتها، وحل مشكلة تقنين الكهرباء التي صار لها مواعيد كلقاءات العشاق، والوقوف ضد البطاطا المسعورة، والبندورة النادرة في موسمها، وحماية المستهلك من صياح (الدكنجي) الذي يصرخ بك إن ناقشته بالسعر: اذهب واشتر من الجريدة، وصولاً إلى باعة الجملة في سوق (الهال) وسماسرة المواسم والاحتكار.. ماذا لو كانت بالسرعة نفسها؟.
ماذا يمكن أن يحل بكل من يستغلوننا لو كانت الحكومة بسرعتها في القرار الأخير... لن تجد فاسداً معلناً أو وراء الكواليس، سيكون هناك حسابات دقيقة لأولئك الذين يرموننا بشعارات الانفتاح الذي يؤمن لنا السعادة والرفاهية، بينما من خلف ظهورنا يملؤون السوق بالأسعار المخيفة، ستختفي احتفالات مواسم الأرصفة المتجددة على مدار السنة، لن تبقى ساحة العباسيين سبع سنين في الإنجاز، لن يدفع المتحلق الجنوبي بموظفي محافظة دمشق إلى السجن، لم يذهب بردى إلى ساقية (مبلطة)، لن يرمى سكان كفرسوسة إلى الحسينية إلى الإيواء بانتظار السكن البديل، لن ينتحر أحد، لن يذهب أحد إلى الجنون، لن يسرق أحد من أجل 300 ليرة، لن يعمل السوري بمهنتين، لن يبيع الموظف الصباحي اليانصيب في المساء، لن يذهب المدرس إلى بيت طالبه في المساء، لن (يشحط) الطبيب مريض المشفى إلى عيادته.. لن ولم ولا... حتماً السوريون سيذهبون جميعاً إلى السعادة.

آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016 18:50