قصة طويلة جداً.. سلام.. والليلة المخادعة
«سلام» شاب يافع في مقتبل العمر، متفائل ومبتسم دائماً، ويحب بلده..
في يوم من أيام رمضان 1431هـ، اشترى الشاب سلام قطعة أرض بقصد بناء دار سكن تأويه وعائلته، وذهب مع صاحب الأرض لدائرة السجل العقاري لإجراء معاملة الفراغ وتسجيل الأرض على اسمه مصطحبين بطاقتيهما الشخصيتين والأوراق الثبوتية. وبالفعل، من لحظة دخولهما إلى الدائرة العقارية استقبلهما الموظف المسؤول بكل لطف وبشاشة وجه: «تفضلا».. قالها لهما، وأردف: «بماذا أخدمكما»؟ فعرضا عليه الأمر بخصوص تسجيل الأرض. ودون أية تعقيدات، وبعد دفعهما للرسوم القانونية فقط (..) تم توقيعهما وانتهيا من إجراء الفراغ، وتم تسجيل الأرض على اسمه.. وذهب سلام على الفور إلى مجلس المدينة بقصد استخراج الترخيص اللازم للبناء، وبعد عرض الأمر على الموظف المسؤول الذي استقبله ببشاشة وجه وصدر رحب أيضاً، تم إرشاده للخطوات المطلوبة لاستخراج الترخيص، ولم يستغرق الأمر أكثر من أيام معدودة على أصابع اليد حتى انتهى سلام من استخراج رخصة البناء بعد أن دفع الرسوم القانونية فقط (..) دون أية تعقيدات، لكن ما لم يكن متوقعاً أنه نشب خلاف بسيط بين سلام وبين جاره في الأرض، فكان الفصل بينهما القضاء، فذهب سلام إلى القصر العدلي في المدينة والميزان شامخ وثابت فوق بوابة القصر العدلي ما يشير إلى أن هَاهُنا دار العدل.. دخل سلام غرفة القاضي, القرآن الكريم على طاولته والميزان وعلم الوطن من خلفه شامخان في صدر جدار المكتب. وطرح سلام على القاضي الذي استقبله بدوره بآذان صاغية وميزان ثابت، وتم سماعه وجاره، وتم حل النزاع وانتهت القضية بإحقاق الحق, وبعدها باشر سلام بالبناء، وما هي إلا فترة وجيزة حتى انتهى سلام من إشادة دار السكن، ثم ذهب إلى شركة الكهرباء للحصول على عداد كهرباء للمنزل، وكالعادة استقبله الموظف المسؤول ببشاشة وجه وصدر رحب، وحصل على عداد كهرباء بعد دفعه الرسوم القانونية فقط (..) دون أية تعقيدات, وذهب سلام إلى مؤسسة المياه في المدينة للحصول على عداد مياه للمنزل، وكالعادة استقبله الموظف المسؤول ببشاشة وجه وصدر رحب، وتم تلبية طلبه وحصل على عداد مياه بعد دفعه للرسوم القانونية فقط (..) دون أية تعقيدات، وذهب سلام إلى مركز البريد للحصول على خط هاتف للمنزل، وكالعادة استقبله الموظف المسؤول ببشاشة وجه وصدر رحب وحصل على خط هاتف للمنزل بعد دفعه الرسوم القانونية (فقط) دون أية تعقيدات.
آه كم هي خدمية ومثالية الدوائر الحكومية في بلد سلام.. لا وجود لأية عوائق أو تعقيدات بوجه المواطن، فالقضاء بخير، والعدل قائم، وكرامة المواطن مُصانة..
انتهى سلام من بناء المنزل إلا أنه لم يسكنه، لأنه في هذه اللحظة نهض على قرع قوي على جرس باب المنزل، وعلى الفور وقف سلام فرحاً مبتسماً لصباح يوم جديد، ومازالت بقايا الأحلام راسخة في مخيلته, ففتح باب المنزل ليستصبح بوجه شخص عابس مُثقل بالهموم، ودون أن يرمي السلام أخرج من حقيبته فاتورة كهرباء صُعق منها سلام لشدة دقتها في حساب الصرف، عندها فقط أحس سلام بأنه كان يسبح في أحلامه، وكل الذي ما يزال عالقاً في مخيلته من معاملة جيدة من موظفي الحكومة وعدل وكرامة وشيء من هذا القبيل هو أضغاث أحلام!! صرخ سلام بصوت مكموم: «ياليتني لم أستيقظ من نومي حتى أسكن المنزل».. ثم لملم نفسه، وتجرد من أحلامه، وعاد لحقيقة الواقع المًر الذي يعيشه، واقع الغلاء والفساد والرشوة والفقر والبطالة والبيروقراطية الممنهجة والمد والجزر في تطبيق المراسيم التشريعية والقوانين في البلد.