نجوان عيسى نجوان عيسى

المواطن والإدارة العامة.. التباس العلاقة

تزداد سوية العلاقة بين المواطنين وجهاز الدولة تراجعاً في جميع المفاصل، على الرغم من كل ما يقال عن جهود رسمية لتحسين هذه العلاقة، بحيث يمكن القول إن التعاون بات معدوماً بين المواطنين ورجال السلطة العامة فيما يتعلق بتطبيق القانون وحفظ الاستقرار الاجتماعي، ويمكن بجولة بسيطة على الإدارات العامة، والأقسام التي تشهد احتكاكاً يومياً بين موظفي الإدارة العامة والمراجعين على وجه الخصوص، ملاحظة حجم الخلل في العلاقة بين المواطن والإدارة. وأول مظاهر هذا الخلل، المعاملة السيئة للمواطن من جانب عدد كبير من الموظفين من جهة، وعدم الاحترام الذي يكنه أغلب المراجعين لموظفي الإدارة، وهو الأمر الذي لا يتوانى أغلبهم عن إظهاره في أية فرصة سانحة.

 

يمكن أن نستنتج من هذا الخلل في العلاقة، أن ثمة طرفين منفصلين متقابلين فيها، هما المواطنون من جهة، والإدارة وموظفوها من جهة أخرى. ويتصرف الطرفان في أغلب الحالات كما لو أنهما خصمان في علاقة يفرضها القانون على كليهما، فلا يشعر المواطن أن هذه الإدارة تمثله، أو أنها مؤتمنة على مصالحه، ومن ناحية أخرى فإن أغلب الموظفين لا يدركون أنهم موجودون في مواقعهم لتلبية مصالح المواطنين، وأن مهمتهم هذه هي مبرر وجودهم أصلاً. ويمكن أن نعزز قراءتنا هذه بملاحظة أن الموظفين أنفسهم، عندما ينقلبون إلى مراجعين لمتابعة معاملاتهم لدى إدارة أخرى، يتصرفون وفق المنطق العام نفسه الذي يظهر فيه تراجع هيبة الإدارة بكل وضوح. إن أية معالجة تنطلق من الفصل بين الإدارة والمواطنين لهذا الخلل، هي معالجة قاصرة وخاطئة، لأن الإدارة العامة هي أداة السلطة التنفيذية في تلبية مصالح المواطنين، وتنفيذ توجهات السلطة التشريعية، وهي أصلاً مبنية بالمعنى النظري على التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية، ممثلةُ المواطنين والمنتخبةُ من قبلهم، ومن ناحية أخرى فإن هذه الإدارة مؤلفة من المواطنين أنفسهم، بحيث يمكن القول إن الفصل النظري بين الإدارة والمواطنين، هو فصل مجازي لا معنى له على أرض الواقع، لأن ثقافة المواطنين وفهمهم لدور الإدارة العامة وموقعها الفعلي، هو الذي يؤدي إلى قيام الإدارة بالدور المطلوب منها.

يرتبط مفهوم الإدارة العامة بوصفها حامية لمصالح المواطنين وممثلة لهم في تنفيذ التشريعات، بمفهوم دولة المواطنة الذي نقل جهاز الدولة على المستوى النظري من أداة بيد السلطة، إلى أداة بيد الشعب صاحب السلطة الفعلية في دولة المواطنة، وبالتالي تكون سلامة العلاقة بين المواطنين والإدارة دليلاً على استقرار مفهوم المواطنة في وعي أفراد المجتمع، وممارستهم لها بشكل فعلي. ويكون الخلل في هذه العلاقة دليلاً على الخلل في المواطنة وممارستها، وعليه فإن إعادة النظر في مفهومنا عن المواطنة، وكيفية ممارستنا لها هو البوابة الفعلية للبدء في السير على الطريق الصحيح لتصحيح العلاقة بين المواطنين وجهاز الدولة.

 

آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016 12:34