الحجب والمنع أحد أسباب الانحراف
منذ النشأة الأولى ونحن نستيقظ على بعض المصطلحات والعبارات التي نعلم أنها مخيفة في بلادنا ويجب أن يبقى المجتمع بعيداً عنها وحريصاً كل الحرص على منع استخدامها علناً كالسياسة والدين والجنس، وإن حاول أحد يُحارَب بشدة من بعض المجتمع الذي يتهمه بسوء الأخلاق والوقاحة وحتى الشذوذ.
والسؤال الحقيقي: هل الجنس كله عبارة عن أمراض فتاكة، ومحرمات مدمرة، وأخطاء اجتماعية توصف بالكارثة؟ ماذا عن الثقافة الجنسية في بلدنا وأين التوجيه؟ إلى متى سنبقى ندفع ثمن جهلنا بشقّيه الاقتصادي والاجتماعي؟ من المسؤول عن بقاء هذا الجدار العالي والصلب لمشكلة الحياء الجنسي؟ وكيف نتوصل إلى الفصل بين العلوم الجنسية والانحرافات الأخلاقية؟
بدأ الإعلام عندنا بداية خجولة بفتح ملف الجنس بحياء شديد، وبأسلوب جيد مقارنة بالفترة السابقة التي واجهنا فيها الكبت والحصار والتضييق.
إن أكثر من 90% من الآباء السوريين اليوم يغيب عن فكرهم مفهوم الثقافة الجنسية، وهذا أمر خطير جداً، فهم جاهلون تماماً بالمشاكل التناسلية أو السيلان أو أسباب مرض الإيدز الذي ينشأ غالباً عن العلاقات غير المشروعة، مروراً بأرجوحة الحلال والحرام وأحكام البلوغ والحيض، بالتعريج على التشوهات الاجتماعية التي تحدث كالعنف الجنسي، قصص الاغتصاب، عوالم الدعارة، الشذوذ الجنسي، الزنى والتحرش الجنسي واللواط أو السحاق إلى آخر تلك القائمة المطولة.
هناك خلل فظيع يؤدي إلى هدر المال والطاقات، دعونا نسأل أنفسنا: ما حجم الأموال التي ينفقها شبابنا في الملاهي والنوادي الليلية والحفلات بغية تحقيق التقارب الجنسي وبيوت الدعارة؟ بالطبع هي مبالغ ضخمة. فما الحل؟ يقول قائل كيف نستطيع كبح الشهوات، الجواب يكمن في بناء ثقافة جنسية مدروسة واضحة ومنطقية وليس مناقشة الموضوع بخجل فعلى سبيل المثال: ناقشت وزارة الصحة هذا المجال حيث تناولت الإعلام والتثقيف الجنسي وأسباب عدم الوعي الجنسي عند الشباب، لكنها لم تجرؤ على ذكر القضية بوضوح، فقامت بتعديل اسم الكتاب إلى «الإعلام والتثقيف الصحي».
بدأت قضية الجنس في سورية تأخذ أشكالا مختلفة في الفترة الأخيرة، بعد تكاثر أعداد مثليي الجنس وظهورهم على المواقع الالكترونية، وخصوصاً أن بعض المراهقين لا توجد لديهم الثقافة الحقيقية والوعي الكافي بحقيقة المثليين، وهذه الظاهرة البشعة والمريبة بدأت تنتشر في بعض أحياء دمشق فهل نقف صامتين أمام انتشارها؟ وأين العلاج النفسي على اعتبار أن المثلية مرض نفسي ويحتاج إلى مراقبة وعلاج طبي وينشأ نتيجة أسباب نفسية خالصة ترجع إلى مشاكل فيزيولوجية وهرمونية تصيب الإنسان. نقول لإعلامنا بشفافية: إن غياب الثقافة الجنسية في الدراما السورية بالإضافة إلى حجبها المعرفي الواضح عن الأفراد مع ملاحظة فقدان الجرأة الإبداعية كتأسيس تربوي اجتماعي يبدو جلياً، فلا يستطيع الزوج أن يقبل زوجته ولا حتى الولد أن يعانق أمه، وأمر غريب وجود شخصين مختلفين بالجنس منفردين وراء الباب، حتى أصبحت الدراما السورية تسير بعكس السير والاتجاه المعرفي الصحيح، وبدأت تقوم بتكريس القيم السلبية من الناحية العقلانية مما يساعد على غياب هذه الثقافة عن بيئتنا التي تعودت على الكبت والأسر كل شيء حرام وهذا ما يؤدي إلى الإصابة بالمشاكل النفسية وانتشار التحرش الجنسي، والاغتصاب والشذوذ الجنسي والدعارة وهذا كله يحصل في إطار جهلنا وقلة المعلومات والمعرفة المنطقية الكاملة التي يجب أن يعرفها الشباب عن الجنس، فأغلب الأعمال التي تتكلم عن الثقافة الجنسية كانت ولا تزال تخاطب الغريزة، ما أوقعها في فخ الحجب المعرفي الصحيح لثقافة الجنس عن المجتمع بالصورة الصحيحة.
كثير من الفتيات المراهقات لا يعرفن كيف يتعاملن مع أجسادهن في فترة البلوغ وحتى في صغرهن لا يستطعن السؤال أو التحدث مع أي شخص عن سن المراهقة وأمورها والبلوغ، فهذه الأسئلة محظورة اجتماعياً. ولم يتعلم الأهل كيف يتعاملوا معها أو يقوموا بالرد عليها.
كثير من الشباب في فترة البلوغ يلجؤون إلى وسائل مختلفة كأفلام الفيديو، لمعرفة الجنس وجسد المرأة. ويمكن تصحيح ذلك بتعليم الطفل مفهوم الثقافة والتربية الجنسية، حيث يجب أن يقوم بدراسة الحواس ودراسة وظائف الأعضاء وصولاً إلى دراسة الجهاز التناسلي بهدف التربية وتعليم الطفل كيف يحترم جسده وهذا، بعد الأهل، واجب وزارة التربية التي يجب أن تقوم بتعليم الأطفال أصول التربية في كل شيء، حتى أصول الثقافة الجنسية، وهكذا سنقي المجتمع من مشاكل عديدة يعيشها سراً وعلانية، فالمشكلة أن المربين هم من غرسوا ثقافة العيب، حرام، أنت صغير، لا تلعب مع البنات، بالإضافة إلى ضرب البنات من قبل الآباء وفرض الرقابة بصرامة عليهن، وغرس ثقافة الكبت المتبعة التي باتت منتشرة في كل بيت تقريباً لعلنا نستطيع أن نقضي على ثقافة الحجب وعدم الاستماع.