تداعيات قرار «الزراعة» كف يد فلاحي المالكية على أراضيهم.. فلاحو المالكية: أرضنا عرضنا، واللبيب من الإشارة يفهم!
أصدرت وزارة الزراعة بتاريخ 173 2010 القرار ذو الرقم 2707ص المعمم على مديريات الزراعة، والذي يتضمن من جملة ما يتضمن (يطلب إليكم شطب أسماء الفلاحين من محاضر أجور المثل وعقود الإيجار في المناطق العقارية التابعة لكم وذلك لعدم حصولهم على التراخيص القانونية وفق أحكام القانون رقم /41/ لعام 2004 وتعديلاته استناداً للتعليمات الوزارية).. وبناء عليه نشرت في مصلحة الزراعة بالمالكية جداول بأسماء الفلاحين الذين سيتم كفّ يدهم عن الأرض، ولاحقاً في عدد آخر من المصالح الزراعية في المحافظة.
معلومات متناقضة وردود أفعال مختلفة
أعقب نشر القرار ردود أفعال مختلفة في الوسط الرسمي والشعبي والسياسي, تراوحت بين مستغرب ومستهجن ورافض، وتزامن ذلك مع انتشار معلومات متناقضة حول خلفيات القرار وتفاصيله، فهناك من راح يقول إن هذا الموسم هو الأخير للفلاحين في استثمار الأرض، وهناك من أخذ يؤكد إن القرار سيجمد، وقال آخرون إن قوائم اسمية أخرى على الطريق وتشمل بمجموعها 61 ألف عائلة, وبالترافق مع ذلك ثمة أسئلة تطرح من قبيــل: لمن ستؤول الأرض في حال نزعها من الفلاحين؟ ولماذا لم يتم تثبيت ملكيتها أسوة بأوضاع مشابهة في محافظات أخرى، ولاسيما أن أغلب هؤلاء الفلاحين يستثمرون الأرض منذ نهاية الستينات؟ باختصار إن القرار أحدث بلبلة ولغطاً، ويعيش الفلاحون حالة من القلق والترقب.
وبعودة إلى التاريخ، فإن قصة أراضي أجور المثل في معظمها تعود إلى نهاية الستينيات، وقسم منها تعود ملكيتها أصلاً إلى الدولة، وفي قسم آخر هي أراضي الاستيلاء المستولى عليها من الملاكين، وتوزيع هذه الأراضي على الفلاحين كان تحصيل حاصل توازن القوى الطبقية ضمن المجتمع السوري وداخل جهاز الدولة آنذاك، وهي في آخر تحليل أحد أشكال الإصلاح الزراعي الذي تحقق نتيجة نضال القوى الوطنية والتقدمية من شيوعيين وبعثيين وغيرهم خلال عشرات السنين, والسؤال: ما الجديد حتى يتم إعادة النظر بهذه المكاسب؟ فبالأمس كانت المادة 56 من قانون العلاقات الزراعية وقرار رفع سقف الملكية، واليوم هذا القرار المشؤوم الذي يسوّق بأساليب مواربة، مرة بحجة عدم تجديد التراخيص، ومرة أخرى بحجة عدم دفع الرسوم لتكون النتيجة محاولة نزع الأرض من يد الفلاح, مع العلم إن الوقائع على الأرض تكذّب هذه المزاعم. وهذا ما لا يقبله عقل، ولا منطق، ولا حتى عرف اجتماعي، ولا حتى الدستور السوري نفسه.. أليست الأرض لمن يعمل بها؟..ألم يقل السيد رئيس الجمهورية (عندما يكون الفلاح بخير يكون الوطن بخير)؟
إن هذه القرارات تتكامل مع الهجوم الذي يشنه دعاة الليبرالية على شركات ومؤسسات قطاع الدولة عبر تأجيره أو بيعه، وصولاً إلى تجريد الدولة من كل عناصر القوة والتماسك، وتحويلها تماماً إلى خادم لأصحاب رؤوس الأموال، وبالتالي وضع الوطن والمواطن تحت رحمة مصالح أصحاب هذه الرساميل. ويبدو أن أنصار لبرلة الاقتصاد داخل جهاز الدولة قد حسموا أمرهم بالهجوم على كافة الجبهات، بما فيها نزع الأرض من الفلاحين وعرضها للاستثمار أمام الرأسمال المحلي والأجنبي، وفي هذا المقام نتساءل: هل من المعقول نزع الأرض من أبناء البلد ومنحها للمستثمرين الذين لم نجد منهم إلا مشاريع وهمية تتوخى الربح السريع على حساب كل شيء؟ وهل سيسمح لأنصار اللبرلة بالتمادي حتى ولو كانت قراراتهم تسيء إلى الوحدة الوطنية قدس الأقداس، وتنذر بالفتن والاهتزازات الاجتماعية، وحتى لو تزامن ذلك مع التهديدات الإسرائيلية الأمريكية ضد بلادنا؟؟!.
حقائق ووقائع
وللوقوف على حقائق الوضع أجرت قاسيون لقاءات سريعة مع بعض الفلاحين المشمولين بهذا القرار المشبوه في قرى النجف ( قلدومان) - سويدية فوقاني – سبع جفار- سويدية تحتاني والبتراء – والطبقة (طبكى) – وقلعة الحصن (كلهي) ووادي السوس (بستا سوس)..
- الفلاح أحمد: نحن (أجانب).. ندفع أجور المثل، ولا توجد أية ذمم مالية مترتبة علينا، بل إن الدولة مديونة لنا, وأنا شخصياً لم يوجه لي أي إنذار أو تنبيه، وفي كل عام يتم تجديد الرخصة من أجل البذار والسماد.
- رئيس جمعية: تم تجديد العقود من خلال الجمعية التعاونية للمنتسبين قبل ثلاث سنوات وفق ما بلغونا بذلك في حينه.
- الفلاح ا. ص: الضرائب المترتبة علينا لسنتين فقط، ولم يوجه لي أي إنذار وكان بإمكاننا شراء قطعة ارض بالأجور التي دفعناها للدولة خلال كل هذه السنوات.
- فلاح من قرية سبع جفار: عددنا 23 عائلة نستثمر هذه الأرض منذ عشرات السنين، ولسنا مدينين للدولة بأي قرش من الضرائب، وقبل سنة تم تبليغنا لتجديد الأوراق، وفعلاً تم ذلك بحضور الشهود في المالكية.
رئيس جمعية: هذا غبن بحق الفلاحين، هل يقبل أي شخص في الدولة أن يطرد من أرضه وبيته؟ وما ذنب الآلاف من أفراد الأسر؟.
الفلاح ح. ي: إن القرار قبل أن يكون ضد الفلاحين هو ضد مصلحة الوطن، وعلى ما يبدو بعض المسؤولين يريدون إرغامنا على أن نكفر بكل شيء، ونحس بالغربة في وطننا.
الفلاح ه. ع: منذ أن وعينا على الدنيا ونحن نسمع أن هذا الوطن هو وطن العمال والفلاحين، فما الذي جرى؟ على الجميع أن يعلم أن أرضنا هي عرضنا، واللبيب من الإشارة يفهم...
وقد أكد جميع الفلاحين الذين التقت بهم قاسيون على تشبثهم بأراضيهم وعدم التنازل عنها مهما كانت النتائج..
مشكلة بعدة أبعاد
المشكلة في الجوهر قضية فلاحية ذات طابع طبقي, ولكن تتعدد التأويلات ووجهات النظر بشأن هذا الموضوع، ولاسيما أن قسماً كبيراً ممن وردت أسماؤهم في جداول الشطب هم من المواطنين الأكراد المحرومين من الجنسية بموجب إحصاء 62 الجائر، وهناك المئات من الفلاحين الذين لم تتم الموافقة على تجديد تراخيصهم، وهم من الفلاحين الأكراد، وهذا ما يزيد الطين بلة، وعلى أساس ذلك يمكن أن يُدرج القرار ضمن إجراءات التمييز القومي، وذلك يضفي على المشكلة بعداً آخر، وإذا تم ذلك فإنها تفتح الباب واسعاً أمام إثارة النعرات القومية ولاسيما أن نقطة البدء بالتنفيذ كانت ريف منطقة المالكية، وتحديداً في مناطق تواجد المواطنين الأكراد.. والسؤال لماذا المالكية أولاً؟ هل يريد من يقف خلف القرار أن يشوّه جوهر الموضوع من حيث كونه ارتداداً عن المكاسب الاجتماعية التاريخية، وإعطاءه شكلاً عنصرياً لإضعاف النضال الفلاحي وإسكاته، أي محاولة تعكير الأجواء والاصطياد فيها، وتمرير قرار رجعي غير وطني بكل المقاييس؟ ومن الجدير بالذكر في هذا السياق مجدداً بأن هذا التوجه لا يصب إلا في خدمة أصحاب مشاريع الفوضى الخلاقة.
تحصين المناطق الحدودية.. كيف؟
لاشك أن تحصين المناطق الحدودية حق وواجب على أية دولة في العالم، ولكن مع الأسف فإن ذلك في بلادنا يتم بطريقة تنطلق وتسير عكس المطلوب، فبدلاً من أن تقام مشاريع التنمية التي تؤدي إلى تطوير النشاط الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وبالتالي تأمين الحاجات المادية للإنسان الأمر الذي لابد منه لتعزيز الانتماء الوطني، بدل كل ذلك تصدر قرارات وتوجهات رسمية أقل ما يقال عنها إنها تعمق الانقسامات الاجتماعية، وتزيد البطالة والفقر والهجرة. فمحافظة الحسكة التي تعتبر كلها منطقة حدودية، تستخدم فيها الإجراءات الاستثنائية، ويتم اللجوء فقط إلى الحلول الأمنية للكثير من القضايا بهذه الحجة، وهذه الإجراءات تشكل حالة من الاغتراب لدى المواطن وهو ما يشكل بدوره تربة خصبة لإثارة الفتن، واستغلالها من قبل من لا يريد للوطن خيراً.
ما المطلوب؟ ما العمل؟
إن قاسيون تدعو الفلاحين المشمولين بالقرار إلى التمسك بالأرض وعدم التنازل عنها، وتهيب بجميع الشرفاء في البلاد داخل جهاز الدولة وخارجه بالعمل من أجل إلغاء هذا القرار لا تجميده فحسب - كما يشاع-، والتعامل مع الموضوع كمشكلة وطنية عامة لا تخص هذا الجزء من النسيج الوطني أو ذاك، وترى أنه من حق الفلاحين التعبير بجميع أساليب الاحتجاج دفاعاً عن مصالحهم طالما أن ذلك يتم تحت سقف الوطن، وتنوه بالدور الإيجابي لبعض السلطات المحلية الحزبية والحكومية والمنظمات الجماهيرية التي وعدت الوفد الفلاحي المعني خيراً، وتدعو إلى التضامن مع الفلاحين ضد هذا القرار الجائر والمشبوه! وذلك واجب وطني وأخلاقي بامتياز.
■ مكتب قاسيون – محافظة الحسكة