عضو مجلس محافظة طرطوس رئيف بدور: لمصلحة من ما يجري بمؤسسة مياه طرطوس؟
أكثر المواضيع سخونة جرى بها نقاش واسع في مجلس محافظة طرطوس منذ سنوات طويلة هي قضية مياه الشرب وكيفية إيصالها إلى قرى جرد العنازةـ القدموس؟! فهذه المنطقة تعد من أفقر مناطق المحافظة لطبيعتها الجغرافية الوعرة وقلة الموارد وضيق المساحات الصالحة للزراعة وانحدارها الشديد، ويصعب عملياً مكننة الزراعة، علماً أن أهالي المنطقة جادون ونشيطون ولا يوفِّرون جهداً في استصلاح واستثمار أية بقعة مهما كانت صغيرة، وما السلاسل الجبلية الضيقة المزروعة بالتفاح والزيتون إلا دليل واضح على بسالتهم وصلابتهم! وعلماً أنها منطقة سياحية من الدرجة الممتازة وتتوسط محافظتي اللاذقية وحماة، ولكنها تعاني من عدم اهتمام وإهمال المسؤولين باستثمارها سياحياً، وفيها أكبر هطولات مطرية في القطر تتجاوز /1200/ مم سنوياً، والمفارقة أن هذه القرى تعاني صيفاً من العطش نتيجة عدم استثمار هذه الأمطار.
منذ مطلع عام 1980 أولت الدولة اهتماماً لإيصال مياه الشرب لهذه القرى والتي عددها يزيد عن /58/ قرية ومزرعة، حيث تمت المباشرة بتنفيذ المرحلة الأولى من وزارة الإسكان والمرافق ببناء أربع محطات ضخ مع تجهيزاتها، وخط رئيسي بطول /24/ كم من بانياس إلى القدموس وبكلفة تقديرية /168/ مليون ليرة سورية، ثم تم تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع وبكلفة تقديرية /200/ مليون ليرة، وبناء محطتي الضخ الخامسة والسادسة مع تجهيزاتها، بالإضافة إلى خطوط رئيسية وخزانات تروي حوالي /40/ قرية ومزرعة.
أي حتى عام 2007 تم إيصال مياه الشرب إلى /40/ قرية بكلفة تقديرية تتجاوز /370/ مليون ليرة سورية، ومنذ عام 2007 وحتى تاريخه تم إنفاق أكثر من /450/ مليون ليرة سورية ولكن لم يتم إرواء إلا قريتين فقط هما شمسين وبدوقة، خلافاً لما أعلنه مدير عام مؤسسة المياه من خلال التقارير المقدمة لمجلس المحافظة بأنه تم تخديم ست قرى، بينما في الحقيقة هما قريتان فقط، وهذا تضليل واضح للجهات الرسمية والوصائية بالمحافظة، مع أن المحافظة تخصص سنوياً من موازنتها المستقلة لإرواء القرى العطشى بواسطة الصهاريج، وهذا العام خصصت /18/ مليون ليرة سورية لهذا الغرض.
إن الإنفاق المالي الهائل خلال السنوات الأربع على مشاريع لإرواء قرى جرد العنازة والقدموس لم يحقق الغاية والذي هو إرواء القرى العطشى وكأن الإنفاق لأجل الإنفاق فقط، فنهج السرعة الكلية في الإعلان عن المناقصات دون وجود مبرر للسرعة الكلية واتباع نهج العقود بالتراضي يكبد المؤسسة خسائر كبيرة بسبب انعدام المنافسة، والمثال على ذلك تجهيزات جديدة الوادي حيث كان عدد العارضين اثنين فقط. وإن المناقصات وطلب استدراج عروض أسعار التجهيزات هو باب واسع للفساد وهدر المال العام، فالعارضون المتقدمون في المؤسسة هم خمسة أو ستة أشخاص بينهم صلة قربى وفي الواقع تختصر الأعمال في ثلاثة، وفي معظم المناقصات يكون عدد العارضين اثنين: أي أنه عارض واحد + عارض مساعد، ولفرض هذا المنطق في إدارة عمل المؤسسة اتبع المدير العام لمؤسسة المياه أسلوب الترهيب بفرض عقوبات متنوعة وبأشكال مختلفة، وقد تجاوزت منذ عام 2007 وحتى تاريخه 2500 عقوبة، غالبيتها الحسم والتسريح والحرمان من الحوافز، إن هذه المسألة لخطورتها الاجتماعية والوطنية نضعها برسم السيد وزير الإسكان والتعمير والسلطة التنفيذية والسياسية والوصائية في المحافظة للتقصي والتدقيق في ملابسات هذه العملية التخريبية التي تتم تحت عنوان محاسبة المقصرين والفاسدين.
ومن المسائل التخريبية التي يعتمدها مدير عام مؤسسة المياه ومعظم مدراء مؤسساتنا هي إبعاد المهندسين وأصحاب الخبرة الذين اتبعوا دورات داخل الوطن وخارجه، وذلك بإقصائهم عن مراكزهم وتسفيههم والتشهير بهم والاستعاضة عنهم بعناصر من خارج المؤسسة لا تملك الخبرة والكفاءة وبعيدة كلياً عن بيئة عمل المؤسسة، ولاسيما الفنية منها، وهذا أدى إلى إنفاق ملايين الليرات على دراسة وتدقيق المشاريع العائدة للمؤسسة في مكاتب خاصة، بالرغم من وجود مديرية دراسات وتصاميم ومديرية تدقيق وتنفيذ كانتا تقومان بإعداد وتدقيق جميع الدراسات العائدة للمؤسسة.
والملاحظ واللافت للنظر أن مدراء المؤسسات ولاسيما الخدمية منها «الخدمات الفنية ومؤسسة المياه والكهرباء» قد اتبعوا نهجاً نرجسياً بأنهم الأذكى والأقدر والقوة الخارقة، وجوهر تعاطيهم مع العاملين التصغير والتحقير والتغريم لخلق مبرر يتيح لهم استيراد عناصر من خارج ملاك المؤسسات بغية تحقيق مآربهم ونزواتهم الشخصية. وهذه المسألة أيضاً نضعها برسم وزير الإسكان والجهات الوصائية في المحافظة والتي حتى الآن تقف عاجزة مغلولة اليدين وغير مبالية، وكأن ما يحدث هو في كوكب آخر وليس في طرطوس.
أما فيما يتعلق بخط الجر الثاني الداعم الذي يصل بانياس والقدموس بطول تقريبي /22/ كم فقد تم شراء /14/ كم من بواري الفونت المرن نهاية عام 2005 بقيمة إجمالية /49/ مليون ليرة سورية وخلال عام 2006 تم إعداد الدراسة الأولية للخط من مديرية الدراسات في المؤسسة وفي عام 2007 تم إلغاء الدراسة السابقة والتبرير أن هذه البواري غير صالحة للتركيب، ومن ثم تم الإعلان عن توريد بواري فونت لكامل الخط بطول /22/ كم بالرغم وجود /14/ كم بواري في العراء على شاطئ البحر وبشروط تخزينية سيئة جداً، وفشلت المناقصة بسبب غلاء الأسعار. ومن بعدها تم الإعلان من جديد عن توريد بواري فونت مرن بطول /8/كم استكمالاً للكمية الموردة عام 2005 وبقيمة تقديرية /80/ مليون ليرة سورية، رفضت من قبل اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء بسبب غلاء الأسعار، ومن ثم تم إبرام عقد بالتراضي عن طريق الاتصال المباشر بالعارضين، أي مع المتعهد نفسه الذي رفض عرضه المالي من اللجنة الاقتصادية بقيمة /58.5/ مليون ليرة سورية علماً أن لجنة دراسة العقود في رئاسة مجلس الوزراء تحفظت على إبرام عقد بالتراضي للأسباب التالية:
إبرام عقد بالتراضي مخالف حيث كان يجب أن يتم الإعلان للمرة الثانية تطبيقاً لأحكام القانون /50/ لعام 2004.
ارتفاع أسعار مواد العقد قياساً بسعر الحديد في السنة ذاتها.
تحميل المؤسسة المسؤولية الفنية والمالية والعقدية والقانونية لإبرام العقد بالتراضي.
والسؤال المطروح لماذا هذه السرعة في الإنفاق المالي لهذا العقد بتاريخ 31/12/2009، بالرغم من وجود مخالفات بالمواصفات الفنية لبعض البنود الأساسية؟ (نفاثات هواء مثلاً) ومن ناحية أخرى تأكيداً على رأي اللجنة الاقتصادية أن أسعار مواد العقد مرتفعة جداً مقارنة بعقد التوريد عام 2005 حيث بلغت قيمته آنذاك /49/ مليون ليرة سورية لطول /14/ كم والعقد الحالي قيمته /58.5/ مليون ليرة سورية لطول /8/ كم مع الإكسسوار وسعر الحديد عام 2005 كان مرتفعاً وأكثر من سعره عام 2009. هذا من الناحية المالية والعقدية، أما من الناحية الفنية والتنفيذية فتم إبرام عقد حفر وتركيب قبل إعداد الدراسة الفنية للمصدر المائي وقبل الانتهاء من دراسة محطات الضخ وتنفيذها، والتي من خلالها سيتم ضخ المياه إلى القدموس، كثير من إشارات الاستفسار تطرح وأحياناً بتهكم: ما الهدف من إنفاق ملايين الليرات على تنفيذ الخط قبل تنفيذ محطات الضخ والمصدر المائي؟ وما هو المبرر لهذا الإنفاق المالي؟ هل القصد الإنفاق بحد ذاته أم إرواء القرى العطشى؟
لذا نتوجه إلى وزير الإسكان والتعمير والجهات الوصائية والرسمية في المحافظات للتدخل ووضع حد لهذا السلوك والأداء في هدر المال العام قبل فوات الأوان.
ومن جهة ثانية وهي درجة كبيرة في الخطورة أن طريق بانياس القدموس الذي نفذ من شركة الطرق قبل عشر سنوات يتضمن ردميات صخرية وتأسيسية متنوعة وعلى أعماق مختلفة، ويقوم المتعهد الذي أبرم عقد الحفر والتركيب معه بمخالفة واضحة للعيان، فهو ينفذ الحفر في الثلث الأول من طريق بانياس القدموس، وهو شريان حيوي واقتصادي وذو مواصفات عالية الجودة نفذ من شركة الطرق منذ عشر سنوات، أي أنه محفور ومردوم ببقايا مقالع وحجر مكسر، ومن خلال إطلاعنا على الكشف التقديري فإن المتعهد تعهد بحفر المتر الطولي بـ2220 ليرة سورية إذاً هو فعلياً يستعمل نواتج الحفر ويقوم بتكسير جزء منها وإعادة ردمها، وبالتالي إهداء المتعهد ربحاً مالياً كبيراً، ومن خلال إطلاعنا على دفتر الشروط تسجل أيضاً الملاحظات أن هناك تلاعباً من قبل المتعهد بترحيل بقايا الحفر إلى مسافة /5/ كم وإحضار ردميات مخالفة للشروط وتعديل في مواصفات الردميات بما يخدم المتعهد، التلاعب في عرض الحفر مما يوفر عليه ملايين الليرات، وكما جاء بمذكرة معاون المدير العام لمؤسسة المياه جرت محاولات جدية من المتعهد لإغراء المهندس المشرف والمراقب الفني بالمال ولكنهم رفضوا وأصروا على تطبيق الشروط الفنية فهددهم بالإبعاد والإقصاء وفعلاً تم إقصاؤهم وإبعادهم عن المشروع واستُبدِلوا بعناصر أخرى تستجيب لمطالب المتعهد والمدير العام. إن ما تقدم نضعه برسم وزير الإسكان والتعمير واللجان المعنية والوصائية في المحافظة.
والمستغرب في الأمر أيضاً كيف سمحت مؤسسة المواصلات الطرقية بتنفيذ مسار الحفر في جسم الطريق بناءً على محضر تنسيق مع مؤسسة المياه؟ ألا يؤدي هذا مستقبلاً إلى هبوط طبقة الزفت وخلخلة المواد التأسيسية؟ وسيترتب على ذلك صرف مبالغ كبيرة لإعادة تأهيل الطريق من جديد؟ لابد من وجود حلول أخرى لتنفيذ مسار الخط خارج جسم الطريق، وكيف سيتم إصلاح أي عطل في المستقبل؟ حتماً سيتم تخريب الطريق من جديد! نضع المسألة برسم المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية والجهات المعنية والوصائية بالمحافظة.
هذا غيض من فيض لما يجري في مؤسسة المياه ومؤسسات الدولة الأخرى، والذي تناولناه على مدى السنوات المنصرمة في مجلس المحافظة، ولكن ليس هناك من يسمع.