خلل في الكهرباء.. أم خلل في الحكومة؟
لا توجد في المدى المنظور حلول لجميع القضايا الاقتصادية والصناعية والمعيشية، ولا توجد لدى الحكومة السورية أية خطة إستراتيجية تؤدي إلى حل أية مشكلة وإراحة المواطن من الأزمات ومن العذابات اليومية.
وما يجري في هذا الصيف اللاهب في قطاع الكهرباء يراه البعض أنه الأسوأ في تاريخ كهرباء سورية، وتسقط كل التصريحات التي تحدث عنها وزير الكهرباء الحالي والسابق عن حل المشكلة خلال أيام أو أشهر من خلال مشاركة القطاع الخاص، ومن خلال مشروعات الربط الكهربائي مع الدول المجاورة، ومن خلال الرياح، ومن خلال الشمس، ومن خلال المحطات الكهروضوئية!.
في الواقع لا شيء سوى الوعود والتصريحات أمام التقنين في عز الصيف اللاهب، والذي يمتد يومياً لساعات يتحمل المواطن هذا العذاب اليومي هذا بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها القطاع الصناعي وقد حدثني مدير شركة إستراتيجية هامة بأن كل رفة كهرباء تكب الشركة خسارة /50/ مليون ل.س الاستثمار وأصحاب المحلات من ذوي الدخول المحدودة.
ما هي أسباب الأزمة؟
لم تلحظ الحكومات المتعاقبة المستجدات الكهربائية والتي كان من المفروض أن تتماشى مع النمو السكاني والصناعي والزراعي، لم تشد عدداً كافياً من محطات التوليد ولم تؤسس شركات حديثة للنقل والتوزيع، وكان كل ما رددته الحكومة هو أن هذا يتطلب انفاقاً استثمارياً بالقطع الأجنبي، وتأمين الطاقة الكافية بالاعتماد على النفط كمصدر للتشغيل يصطدم بطاقة مصفاة حمص ومصفاة بانياس وهذه المصافي لا تستطيع تأمين أكثر من /3/ مليون طن من الفيول سنوياً، وهذه الكمية تكفي لإنتاج حوالي /12000/ مليون طن كيلو واط ساعي في السنة أما الباقي فكان يؤمن عبر الاستيراد!.
مصفاة حمص عمرها أكثر من /60/ عاماً ولم تطور ولم يجر تحديثها. ويقول وزير النفط: يتطلب إعادة تأهيلها تكاليف كبيرة إضافة إلى أنها تشكل مشكلة بيئية.
ولم تفكر الجهات الحكومية بإقامة مصاف جديدة سوى منذ عامين فقط وبالتصريحات، علماً أن تكلفة المصفاة بالكامل قبل /5/ أعوام تكلف /130/ مليون دولار. ولم تفكر الجهات الحكومية كذلك بتأمين الطاقة من مصادر بديلة كالحجر الزيتي والغاز الطبيعي والسدود المائية واللواقط الضوئية والرياح المتوفرة في الطبيعة... وكان الأسهل استيراد الفيول واستيراد النفط المكرر. وهنا تكمن المشكلة الأساسية وهي لم تأت عفوياً أو نتيجة أخطاء في التنمية وإنما كانت بفعل فاعل والآن تحصد النتائج!.
العجز في التوليد والعجز في التوزيع وعقد اجتماع وعلى أثره تم فصل المؤسسة إلى مؤسستين: مؤسسة توزيع ومؤسسة توليد، وكانت النتائج زيادة عدد المدراء وإنفاق وهدر.
انصبت الجهود في السنوات الماضية على التوليد وتناست الجهات الوصائية التوزيع وازدادت الحاقة عن الحاجة بسبب العجز في محطات التحويل وشبكات التوزيع. أقيمت محطات تحويل وشبكات وتم إهمال التوليد وبدأت سلسلة مترافقة مع هذا الخلل العام عدم الصيانة الدورية لمحطات التوليد وكان العذر الدائم «الحصار القائم على سورية» على الرغم من أن المحطات والتي هي بحاجة إلى قطع تبديل ليس من البلدان التي كانت تقاطع سورية وهي محطات قديمة العهد وإنتاجها قليل وأكثرها خارج الخدمة.
تم توريد معدات إلى محطة بانياس منذ سنوات عديدة ولا تزال حبيسة المرفأ والمستودعات وشكلت لجان مشتركة وأعطيت تبريرات واهية، تم تناسي الطلب على الطاقة وأنصب الاهتمام على الترشيد لتقليل الاستهلاك ولاشك أن الترشيد ثقافة وضرورة ولكن بعد تأمين التوليد وقد بلغ العجز /40%/ في التوليد والأخطر الانعكاسات الاقتصادية.
لم يتحدث النائب الاقتصادي عن عشرات المستثمرين الذين تقدموا لإقامة منشآت صناعية إنتاجية على مستوى كبير ولم تقم هذه المنشآت بسبب عدم تأمين الطاقة الكهربائية وتركت مشاريعهم وغادروا سورية.
وفي كل صيف تطلب رئاسة الوزراء من وزير الكهرباء دراسة أسباب الانقطاعات وخطط الوزارة لمعالجة الموضوع، وتقدم لرئيس الوزراء المذكرة التي رفعت منذ سنوات. ففي قطاع الكهرباء خلل إداري وشللية... حيث تم ابعاد الخبرات الإدارية والكوادر الفتية وتم الاعتماد على كوادر بلا خبرة ولكن تدين بالولاء المطلق للإدارات.
وكان الخلل بالتوليد وعين وزير من التوليد وكان عاجزاً وفاشلاً وعين وزير أكاديمي ولكن ينقصه القرار في ظل وجود هيكلي إداري فاسد وخلل في الهرم الإداري بأكمله.
الخلل ليس مستجداً ولكنه يتفاقم عاماً بعد عام، عام 2007 عقد في دمشق المؤتمر الرابع للطاقة المتجددة برعاية رئيس الوزراء وقد طرح هذا المؤتمر وعلى لسان رئيس الوزراء الطاقات التي لا تنضب في سورية. وبشرنا المؤتمر آنذاك بأنه يتعاون مع الوكالة اليابانية والمعهد العالي للتكنولوجيا لتأمين الطاقة، أما وزير الطاقة آنذاك فقد طالب بوضع حلول جذرية لمشكلة الطاقة في سورية وأن العمل جار لزرع محطات توليد طاقة الرياح ونقل التكنولوجيا من الاتحاد الأوروبي إلى سورية.
انتهى المؤتمر وبعد ثلاثة أعوام مازالت التصريحات تتوالى ومازالت الوعود تطلق وما زالت المؤتمرات تعقد دون جدوى.
دون كهرباء
المواطن العادي صاحب الدخل المحدود اعتاد وعائلته وأطفاله أن يستكين في بيته أربع ساعات يومياً دون كهرباء في هذا الصيف اللاهب منتظراً إنجازات الخطة الخمسية العاشرة والخطة رقم /11/، أصحاب المنشآت الصناعية رفعوا عشرات المذكرات الفردية وعن طريق غرفهم الصناعية إلى الجهات الوصائية يشتكون من الخسائر الكبيرة التي لحقت وتلحق بمنشأتهم الصناعية من خلال انقطاع التيار ومن خلال الانخفاض في شدة التيار ويؤكدون بأن انقطاع التيار يضطر هؤلاء للإقلاع من جديد والإقلاع يستغرق ساعات وهذا يعني خسارات كبيرة بالإضافة إلى انخفاض الجودة في السلع المنتجة.
مدير الشركة الأسمدة السابق قال إن انقطاع التيار عن الشركة والتحويل إلى المولدات يعني خسارة /50/ مليون ل.س بسبب انخفاض الحرارة ولو درجة واحدة عن الخزانات صاحب شركة هبوط بوليستر يقول كل انقطاع يكلفنا خسارة /100/ ألف ل.س
ويتساءل أصحاب المنشآت: هكذا تشجع الحكومة الاستثمارات، وبالمحصلة الحكومة تريدنا تجاراً لا مستثمرين!!
الغرابة هنا أن وزير الكهرباء السابق والحالي يطلب من المواطن الترشيد دون أن يعلن العجز عن حل المشكلة. ووزير الصناعة أعلن أكثر من مرة عن أهمية القطاع العام وإصلاحه وقدم أكثر من مشروع ولم ينفذ ولم يعلن فشل وزارته في تنفيذ ما قدمه من مشاريع. أما وزير الإدارة المحلية فأعلن أكثر من مرة بأن الفساد يتفشى في البلديات ولم يتخذ قراراً.
النائب الاقتصادي أعلن قبل الخطة الخمسية العاشرة بأن الرفاه قادم وسوف تتضاعف الدخول وتحل المشكلات الاجتماعية ولم يعتذر النائب لما تحقق من نتائج كارثية على الفئات الفقيرة وذوي الدخول المحدودة.
الأفضل للحكومة العتيدة التزام الصمت أمام ما يكتوي به المواطن!!!