تعديل المادتين (58) و (61) من المرسوم 55.. صراع الرساميل يفتك بالتربية!
تخلى الأستاذ الذي يشكو دائماً من التردي الذي وصل إليه التعليم عن لغته القاسية، وأجاب عن سؤالي دون أن يهز رأسه أو(يصفن) كعادته: أنا مع قرار وزير التربية، المعاهد الخاصة لا تمتلك أية مشروعية تربوية، المدارس الخاصة تمتلك هذه المشروعية، وإن كان ذلك ينضوي تحت صراع كبير بين الرأسمال الصغير والكبير، بين الرأسمال (المشرعن) وسواه، العملية برمتها صراع رساميل، بين رأسمال غبي (المعاهد الخاصة)، ويمكن أن نشبهه بشراء قطعة أرض بورقة كاتب عدل، نهايتها استملاك دون بديل أو تعويض، وبين رأسمال ذكي (المدارس الخاصة) يمكن تشبيهه بـ(الطابو)، وبينهما التربية وزارة و قاعدة.
قبل الصراع
ككل مؤسسات القطاع العام تسير الحالة التعليمية والتربوية باتجاه خصخصتها، خصخصة هذا القطاع وإن كانت هادئة، لكنها تمس الناس أكثر من بقية القطاعات الأخرى، كونها تتأتى من جانب الأبناء أولاً، وإضافة هامش كبير من العبء المالي الذي سيقع على الناس، فالعملية التربوية في سورية كانت وإلى وقت ليس بعيداً تعتبر من المحرمات التي لا يسمح المساس بها وتلويثها بالاستثمار والرأسمال الذي سيقودها بالضرورة إلى البازار عبر بحثه عن الربح.
أضف إلى ذلك العوامل المادية، وانخفاض دخل المعلم، والغلاء وتكاليف الحياة الباهظة، كل هذا دفع بالعاملين في التربية باتجاه البحث عن بدائل أثرت على العملية التربوية وأخذتها إلى الحسابات من باب سد الحاجات، من دروس خصوصية، هروب المعلم إلى المدرسة الخاصة، والمعاهد الخاصة (المخابر اللغوية) التي دخلت على خط المنافسة من باب العملية التعليمية.
كل هذا شكل الأرضية الصالحة للصراع، المدارس الخاصة التي تزداد عاماً تلو آخر، وسجل العام المنصرم الترخيص لأكثر من مائة مدرسة خاصة، دافعها أن الاستثمار في مجال التعليم يبدو أكثر أمناً وضمانة، فاحتدم الصراع على من يستحوذ على العملية التربوية الخاصة، وبالتالي مفردات هذه العملية.
المشروعية لمن؟
الأستاذ الذي فاجأني باستبساله في الدفاع عن قرار الوزير، وعزز دفاعه بقربه من المدرسة أولاً، وبرؤيته لتجارب المعاهد الخاصة.
من مشروعية المعاهد تربوياً، هل تطبق برامج تربوية خاصة، هي تطبق برامج تلقين غير قابلة للمتابعة والإشراف، هل تطبق وسائل وتقنيات وطرائق تربوية... لا طريقة حوارية واستنتاجية
إن دور المعهد الخاص هو تحويل المنهاج المقرر من الوزارة إلى معلبات، نوطة.. إنه يعمل على مسخ البرامج التربوية.
المعاهد ترتكب جريمة نجاح الطالب دون بناء نفسي واجتماعي، وهنا من حق المعترضين أن يسجلوا: هل تمارس المدرسة الحكومية دورها النفسي والإرشادي بشكل حقيقي؟
أما عن كون المدارس العامة أبنية مغلقة ومسورة، يقول الأستاذ: في كل دول العالم الأسوار لا تعني الحصار أو كما يشاع زرائب، هناك كل مدرسة لها إطار اجتماعي، ولأضرب مثلاً: طالبة في معهد خاص اكتشف الأب أن ابنته لا تدرس، والسبب أنه يضعها في مكان مكشوف، مدرسة بلا أسوار، المعاهد الخاصة مدارس دون أسوار.
في متابعة الحديث عن المشروعية يأتي الضرر الأخلاقي الذي تسببه المعاهد الخاصة، وهنا يتدخل مدرس عتيق: الأساليب المتبعة في بعض المعاهد ولاسيما في دمشق، تثير الاشمئزاز في العملية التربوية التي تسبق التعلم، ماذا تقدم المعاهد سوى أسئلة المسابقات والامتحانات والتوقعات، هذا يأتي وهذا لا يأتي، المفارقة أن أحد المدرسين في المعاهد الخاصة من خارج الملاك، وصل به الأمر أن يكون في لجنة مناقشة سلالم الامتحانات لمادة اللغة العربية (ه.ش) وهو صاحب أكبر معهد بدمشق وله ثلاثة فروع، ولديه أذرع وأرجل في مفاصل التربية، ويمارس تجارة التربية والسطو على الأستاذ الجيد، وترغيب الطلبة.. بعض المعاهد الخاصة يعملون على الحرب من خلال من خلال أولياء الأمور... المعاهد الخاصة لا تطبق برامج الحماية التربوية.. الوزير على صواب.
المسكوت عنه.. المطرود
أكثر من ست سنوات والوزارة صامتة، المعاهد الخاصة تنتشر وتتوسع، لا توجد قرية أو مدينة صغيرة إلا وفيها معهد أو أكثر، على طول الطرقات لا إعلانات تصادفك سوى إعلانات المعاهد، حتى أمام أبواب الجوامع وفي يوم الجمعة يوزع أصحابها ومن يعملون معهم دعاياتهم، وتقويماتهم السنوية، وإمساكية رمضان، أين كانت وزارة التربية من كل ما يجري؟.
أكثر من ست سنوات والمعاهد الخاصة تمارس أكبر من دورها في تعليم اللغة، المعاهد درست أجيالاً مواد درسية دون أن يسألها أحد، وعينت أساتذة على سمعة علمية عالية ودرجة كبيرة من المهنية، وسحبت من الجسد التعليمي خيرة معلميه.. أين كانت الوزارة؟
يجيب الأستاذ عن كل هذه الأسئلة: إنها طريقتنا في العلاج، إننا لا نتحرك وهنا تتفاقم المشكلة، هي حالات غير قانونية وليست مبنية على أسس واضحة، تصير ظاهرة، ثم نحاول بقرار قسري أن نوقفها، لكن هذا التقصير لا يجعل منها مشروعة، ولا يسقط المشروعية عن المدرسة الحكومية أو الخاصة، فهي تمارس عملية تربوية في إطار الحامل الاجتماعي، والحماية التربوية.
لكن الأستاذ يصل إلى (صفنته) ويسأل: من الضامن أن لا يتم التغاضي عن ممارسات البعض؟ المدرسة الحكومية لها أخطاؤها، فلماذا صار الطالب بحاجة إلى دورات خارج المدرسة مدفوعة الثمن، واليونسكو تقول إن 65 طالباً هو رقم مثالي لثلاثة صفوف، ولماذا هؤلاء طلاب صف واحد في أغلب مدارس الحكومة؟
المدارس الخاصة.. الطابو
إذاً هو الرأسمال الذكي، القوي، الذي لم يقبل أن يكون إلا في قلب العملية التعليمية، وأبوها الاستثماري، أين مشروعيتها، الأستاذ يقول إنه المدارس الخاصة تمارس برامج تربوية، وهي ضامن اجتماعي، وتمارس الحماية التي يطلبها منها المجتمع، ولكن هل بتسرب المدرسين، ألا تساهم في تسرب الطلاب والأساتذة؟
يصفن أستاذنا ويجيب: المدارس الخاصة تعتاش على الفوارق بين المدرسين، وهي شريك في صراع الرأسمال على نهب المدرسة الحكومية، يساهم في كل هذا غياب البطاقة الوطنية للكفاءات وتصنيفها وفرزها.
المعهد الخاص.. يعترض
المذكرة التي سطرها أصحاب المعاهد الخاصة ووقعها أكثر من مائة معهد، وجاءت على ثلاث صفحات تشرح فيها مشروعيتها التعليمية والتربوية، ومدى الضرر الذي ألحقه القرار الوزاري في بنيتها التعليمية والمالية:
(إن القرار فيه مخالفة واضحة وصريحة لأحكام المرسوم التشريعي رقم/55/ لعام 2004 الذي ينص في المادة 58 على أن يصدر الوزير التعليمات لتنظيم عمل المخابر اللغوية ودوراتها التعليمية للمواد الدراسية المقررة» وقد تم التعريف للمخبر اللغوي على أنه «المخبر اللغوي هو المؤسسة التعليمية الخاصة التي تقيم دورات لتعليم اللغات الأجنبية غير المحلية أو المواد التعليمية للشهادتين (التعليم الأساسي والثانوي حصراً) من خلال دورات لا تتجاوز مدة كل منها ستة أشهر شريطة أن تكون هذه الدورات خارج أوقات الدوام الرسمي للمدارس.
وأوضحت المذكرة أن القرار الذي يحصر عملها بتدريس اللغات الأجنبية فقط مجحف ومفاجئ، ويتجاهل المخاطر الكبيرة والخسائر الفادحة التي يمكن أن تقع، ومخالف لأحكام المرسوم التشريعي، والنصوص القانونية، حيث لا يجوز إلغاء مرسوم تشريعي بقرار وزاري، وثانياً أنه لا بديل لتعديل نص مرسوم تشريعي من مرسوم تشريعي آخر ينص على هذا التعديل، وفي حال صدور أي تعديل لقرار وزاري أو مرسوم تشريعي فإن هذا التعديل لا يصدر بأثر رجعي وبالتالي لا يؤثر على الأوضاع القانونية التي كانت سارية في ظل القانون أو المرسوم التشريعي السابق.
أصحاب المعاهد قالوا إذا لم تتراجع وزارة التربية عن قرارها فإن ذلك سيؤدي إلى فوصى قانونية وانعدام الثقة لدى المواطن الذي يقوم بترخيص أي منشأة سواء أكانت تربوية أو غير تربوية نتيجة الخوف من صدور قرار يلغي ترخيص منشأته بعد أن يكون قد دفع كل ما جمعه في حياته من مصاريف وتكاليف باهظة لإنشاء مؤسسته أو مشروع عمره.
ومن الأضرار التي فندتها المذكرة (إضاعة الكثير من فرص العمل لأصحاب المعاهد والعاملين فيها من مدرسين ومعلمين وإداريين وغيرهم بما يقارب تقريباً مئة ألف فرصة عمل يعملون في تلك المخابر على مساحة الوطن، خسارة ملايين الليرات السورية والتكاليف الكبيرة التي صرفت على إنشاء وترخيص المخابر اللغوية من قبل أصحابها والأبنية التي دفع ثمنها مبالغ باهظة لكي تتماشى مع شروط الترخيص الواردة في التعليمات التنفيذية في المرسوم، ترك الطلبة الذين لا يحق لهم الدراسة في المدارس الخاصة والعامة من كبار السن والأمهات والطلاب الذين استنفدوا سنوات الرسوب، إضافة لانعدام ثقة المواطن بالقرارات الوزارية والقوانين نتيجة خوفه من تعديل القرارات والقوانين التي قامت بالترخيص على أساسها).
سم وترياق
من المؤكد أن المعاهد الخاصة ليست في مجمل عملها التربوي دخيلة وغير مشروعة، ألا توجد حسنة واحدة لمؤسسات تعليمية منذ ست سنوات تساهم في العملية التربوية بل تحتكرها.
الأستاذ الآخر يقول: المعهد الخاص يأتي بمدرسين أكفاء من مدارس الحكومة، كما أنه يساهم في إلغاء الحالة الإنشائية للمقرر، وتقديم المعلومة جاهزة،وهنا لي دعوة لماذا لا تستخدم الوزارة شاغلي النوط لإعادة النظر في مناهجها؟.
أفرز الصراع المحتدم أستاذاً جديداً، الأستاذ الخاص وهو الذي يعمل ليس في بيت الطالب فقط، بل في مدرسته الخاصة، ومعهده الخاص، أضف إلى أدوار منوطة به من قبل المدرسة التي تقدم له الراتب الشهري المغري، أن يسحب المدرسة الحكومية إلى غرف المدرسة الخاصة والمعهد الخاص.
أستاذ يعيش دون درس خاص، مثله مثل أي باحث عن فرصة عمل أخرى ويدعو أن تظل دائماً خارج التعليم يقول: زميل لي يؤمن بين 75-100حصة درسية أسبوعياً، يوجد مدرسون يعملون حتى السادسة صباحاَ أثناء الامتحانات، هل تعلم أن جلسات ليلة الامتحان وهي في أغلبها توقعات وشعوذة يمكن أن تشتري سيارة أو بيتاً للبعض، أحد مدراء المعاهد يجمع على دفعات أكثر من 750 طالباً في هذه الليلة المشؤومة.
الحل الذي اقترحه الأساتذة الذين حاولنا سؤالهم ربما لا يرضي أطراف الصراع، على الصعيد المالي يمكن تجاوز الضرر المادي من خلال إعادة تنظيم الرأسمال في مدارس خاصة، لماذا لا يجتمع أكثر من معهد خاص لتشكيل رأسمال (طابو)، أي مدرسة خاصة.
يجمع الأساتذة أنفسهم أن هذا مدعاة لحوار بين المعاهد الخاصة والمدارس الخاصة والتربية لأن الحالة التربوية تتطلب قبولاً اجتماعياً.
ملاحظة: نظراً لأن الأساتذة جميعهم رفضوا ذكر أسمائهم اضطررنا تحت سطوة الوعد الذي أطلقناه، وسطوة عدم الوقوف على الحياد في موضوع هام كهذا أن نلبي رغبتهم، والأستاذ هنا هو مجموع ما التقيناهم.
تعديل المادتين 58-61 من المرسوم 55
بناء على أحكام المادتين /58-61/ من المرسوم التشريعي رقم /55/ تاريخ 2/9/2004م وتعديلاته الناظم للمؤسسات التعليمية الخاصة للتعليم ما قبل الجامعي. وعلى قرار مجلس الوزراء المتخذ بجلسته المنعقدة بتاريخ 23/2/2010م القاضي بحصر عمل المخابر اللغوية بتدريس اللغة الأجنبية فقط وتعديل التعليمات التنفيذية بما ينسجم مع ذلك .
وعلى مقتضيات مصلحة النظام التربوي.
مادة:1 - يعدل تعريف المخبر اللغوي الوارد في المادة الأولى من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي المشار إليه ليصبح كالآتي:
المخبر اللغوي :المؤسسة التعليمية الخاصة التي تقيم دورات للغات الأجنبية /غير المحلية/ لا تتجاوز مدة كل منها ستة أشهر وفق كتب أو سلاسل موافق عليها من وزارة التربية أصولا.
مادة: 2- يضاف إلى الفقرة الرابعة من المادة /101/ المتضمنة المخالفات التي تستوجب الإغلاق الإداري وإلغاء الترخيص البند التالي:
8 - في حال قيام المخبر اللغوي بتجاوز الترخيص أو تدريس أو إقامة دورات للمواد الدراسية المعتمدة لدى المدارس الرسمية أو الخاصة.
مادة: 3- يضاف إلى المادة /118/ من التعليمات التنفيذية الفقرة/12/ الآتية:
تقوم كافة المخابر اللغوية المرخصة أصولا بتسوية أوضاعها وفق أحكام المادة الأولى والبند/8/ من الفقرة الرابعة من المادة/101/ من التعليمات التنفيذية خلال فترة أقصاها بدء العام الدراسي 2010-2011م وتعد كافة الموافقات الممنوحة سابقاً لتدريس المواد الدراسية ملغاة حتماً مع بدء العام الدراسي المشار إليه .
يبلغ أصحاب المخابر اللغوية المرخصة أصولا بمضمونه أصولا وتعلن هذه التعليمات عبر وسائل الإعلام،كما يبلغ المتقدمون بطلبات ترخيص مخابر لغوية سواء من حصل منهم على موافقة مبدئية أم لم يحصل بعد من قبل دوائر التعليم الخاص بمديريات التربية ويثبت ذلك بوثيقة تضاف إلى ملف الطلب المقدم تبين قبوله بهذه التعليمات وقبول التقدم بالترخيص على أساسها وإلا يعاد الطلب لصاحبه مع عدم الموافقة.