هل معركة الموز في مواجهة الحمضيات؟
لم يختلف هذا العام عما سبقه من أعوام، بالنسبة لمزارعي الحمضيات ومأساتهم، خاصة مع تزامن استيراد الموز وموسم قطاف وتسويق موسمهم، والمنافسة الجائرة التي تجعل من هذا الموسم في مهب الريح.
لقد تم الإعلان رسمياً: أن المؤسسة السورية للتجارة، التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، قد استوردت كميات من الموز من لبنان لتطرحها في الأسواق عبر صالاتها بأسعار منافسة.
المشكلة المزمنة
مشكلة فلاحي الحمضيات الأساسية والمزمنة هي بتسويق الإنتاج، داخلاً وخارجاً، بما يؤمن تغطية تكاليف الإنتاج، مع هامش ربح يؤمن لهؤلاء حياة كريمة تقيهم شرور العوز والحاجة، خاصة وأن موسم الحمضيات بالنسبة لغالبية الفلاحين والمزارعين هو مصدر الرزق الوحيد بالنسبة إليهم.
واقع الحال هو: أن موسم الحمضيات يتلقى الضربة تلو الضربة، عاماً بعد آخر، بسبب عدم التمكن من تسويقه، بالإضافة للاستغلال الجائر من قبل كبار التجار والسماسرة والمصدرين الذين يتحكمون عملياً بهذا التسويق، كماً وسعراً، والذي تكون نتيجته هي: تخفيض قيمة المنتج لأقل من التكلفة على الفلاحين، ما يعني خسائر محققة من حساب الفلاحين والمنتجين، وعلى حساب معيشتهم، الأمر الذي أوصل البعض منهم إلى قطع أشجار الحمضيات، وهجرة الأرض والزراعة، أو استبدالها بزراعات أخرى أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية بالنسبة إليهم، وهو ما تم تسجيله خلال السنوات الماضية.
المشكلة الأخرى التي تواجه الفلاحين في كل موسم، هي: ضخ كميات كبيرة من الموز المستورد في الأسواق الداخلية، بأسعار مخفضة، ما يجعل منها منافسة مع الحمضيات على مستوى الاستهلاك المحلي، والذي يؤدي بدوره إلى تخفيض إضافي على أسعار الحمضيات عبر آليات المنافسة الجائرة، ويستفيد منها التجار غالباً وليس المستهلكون.
تساؤلات حول دور السورية للتجارة
عمليات استيراد الموز وطرحه في الأسواق بالتزامن مع موسم قطاف وتسويق الحمضيات كل عام، كان يقوم بها بعض التجار، وذلك لتحقيق غاية تخفيض سعر الحمضيات والتحكم بالموسم على حساب الفلاحين وجهدهم ومعيشتهم، أما أن تقوم السورية للتجارة بهذه المهمة في هذا الموسم، فهو أمر مستغرب، يطرح العديد من التساؤلات!
هل السورية للتجارة تقوم مقام التجار بمهمة المنافسة الجائرة بين الموز والحمضيات، بموسمها على حساب الفلاحين ومصلحتهم؟
هل ستستمر السورية للتجارة باستيراد الموز في هذا الموسم وسواه، للحدّ من جشع التجار وتحكمهم بهذه المادة في الأسواق، كماً وسعراً ونوعاً، ولمصلحة المستهلكين فعلاً؟
هل عمليات استيراد الموز من قبل السورية للتجارة لطرحه في الأسواق بسعر منافس، سيحد من دور التجار على مستوى التحكم بالمنافسة مع موسم الحمضيات لمصلحة الفلاحين والمستهلكين؟
هل ستقوم السورية للتجارة بدورها كما وعدت بتسويق موسم الحمضيات من الفلاحين بعيداً عن تحكم التجار والسماسرة في هذا الموسم، وبما يحقق مصلحة الفلاحين والمنتجين؟
الأمر المفروغ منه: أن الفلاحين والمنتجين سيبقون في انتظار الإجابات التي سيفرزها الواقع على الأرض بالنتيجة، علماً بأن البوادر السلبية بدأت تفعل فعلها منذ الإعلان عن استيراد الموز، وقبل طرحه فعلاً في الأسواق، كما أن بوادر التأخر بتنفيذ الوعود الرسمية بتسويق الموسم بدأت تفعل فعلها هي الأخرى، خاصة وأن عمليات القطاف بدأت، والأسعار التي يباع بها المحصول مجحفة لا تغطي التكاليف، ما يعني أن موسماً خاسراً آخر في انتظار هؤلاء، مع ما يعنيه من قطع إضافي لأشجار الحمضيات، وهجرة متزايدة للأرض، والنتيجة الحتمية هي: تقويض وإضعاف الإنتاج الزراعي في المحصلة.
حقيقة الصراع
على ما يبدو أن المعركة الحقيقية ليست بين الموز والحمضيات، والذي يتم هو: السعي لإدخال المستهلكين فيها كطرف تحت عناوين المصلحة الزائفة باسمهم، بل بين الفلاحين والمنتجين من طرف، وكبار التجار والسماسرة والمستوردين والمصدرين والفاسدين من طرف آخر، والمنتصر فيها منذ سنوات وحتى الآن هو الطرف الأقوى المتمثل بكبار التجار، ليس بسبب امتلاك هؤلاء لأسباب القوة، أو بسبب ضعف إمكانات وقلة حيلة الطرف الأول، بل بسبب السياسات الحكومية نفسها، التي تحابي مصالح هؤلاء وتدعمهم علناً، في مقابل إضعاف وتقويض الإنتاج والمنتجين، بشكل مباشر وغير مباشر، أما الحديث الرسمي عن دعم الإنتاج والمنتجين، وحماية المستهلكين، وغيرها من العبارات الترويجية عن أداء الحكومة وجهاتها التابعة لها عبر الإعلام، فما هي إلا لذر الرماد في العيون، ولإبعاد الأنظار عن حقيقة المعركة وجوهر الصراع الدائر ومن خلفه.