جرمانا نموذج للفوضى والاضطراب انعدام التخطيط والتنسيق في تنفيذ المشاريع الخدميةجرمانا نموذج للفوضى والاضطراب انعدام التخطيط والتنسيق في تنفيذ المشاريع الخدمية
ليس فقط تَدَنّي مستوى معيشته، وحصوله على لقمة عيشه اليومية بصعوبة بالغة هو ما يقلق راحة المواطن السوري، ويشعره بالذل والقهر والاضطراب وعدم الاستقرار، بل إن الممارسات الإدارية والحكومية والخدمية وطرق تنفيذها لها دور كبير في خلق الفوضى وإثارة القرف والاشمئزاز الذي يؤثر سلباً على تعاطي المواطن السوري وتفاعله في جوانب حياته اليومية كافة.
إن هذا الكلام قد ينطبق على كل بلدة ومدينة ومحافظة على مساحة سورية مع استثناءات قليلة، ولكن نأخذ مثالاً حياً عنه مدينة جرمانا حيث نجد سلسلة متكاملة من الأخطاء والقرارات غير المدروسة تبدأ منذ القديم، فمعظم الشوارع والطرقات العامة قد تم شقها هكذا «على التجلي وبالقدرة» كما يقولون، وليس للتخطيط والدراسات أي دور في وجودها، ولا يوجد سجلات أو كشوفات أو أية خطط تَذكر عدد السيارات التي تستوعبها هذه الشوارع أو الضغط الثقلي والعددي الذي تتحمله، فجاءت الخطوة التالية في سلسلة خلق الأزمات في هذا العدد الهائل من السيارات التي تم ضخها في الشوارع، دون حساب أيضاً لأي شيء، لا للازدحام ولا الفوضى ولا الحوادث المميتة نتيجة ذلك، ببل إن الهمَّ الوحيدَ هو تسيير مصالح الشركات الكبرى والتجار الذين يستوردون السيارات، والترويج لها بكل أشكال الإغراء، بدءاً من التقسيط المريح، إلى الأساليب الإعلانية التي تخلق روح التباهي والغيرة بين المواطنين، وهنا يأتي دور الحلقة الأخطر التي تُظهِر عمق الأزمة وضخامتها على حقيقتهما، فرغم أن الشوارع ضيقة وغير مدروسة لتستوعب هذا الكم الهائل من السيارات، تقوم شركات تنفيذ المشاريع الخدمية بعملها في هذه الشوارع بشكل عشوائي، أيضاً دون تخطيط أو تنسيق مسبق بين مختلف الجهات، فمرة تقوم مؤسسة مياه الشرب بحفر الشوارع لتمديد شبكة المياه، في كل الطرق والحارات والشوارع الرئيسية دفعة واحدة، ولا تترك مجالاً لإيجاد البديل لمسار السيارات، ولا تضع الإشارات التي ترشد لتغيير الطريق كي لا تعلق السيارات في طريق مسدود. وبعد انتهاء المشروع الذي قد يمتد لأشهرٍ يعاني فيها المواطنون ما يعانون من شعور القهر والقرف والسخط، قد تقوم البلدية بترقيع الزفت، وفي أحسن الحالات تغطي الشوارع بطبقة رقيقة من الزفت (قميص) يعيد للشوارع شكلها، ولكن ليس بالجودة المطلوبة.
بعد ذلك بفترة قليلة قد يخطر ببال شركة الكهرباء فجأة، أن تقوم بتمديد الخطوط الكهربائية الرئيسية تحت الأرض، (كما يحدث هذه الأيام في مدينة جرمانا)، فمن يدخل البلدة من المدخل الرئيسي لها من عند معمل الزيت يبدأ بالمعاناة منذ وصوله إلى منطقة القوس المحفورة من الجهة اليمنى للطريق مروراً بمنطقة حي النهضة، وصولاً إلى ساحة الرئيس، ثم تتجه الحفريات يميناً باتجاه طريق المطار.
هذه الحفريات مستمرة منذ أكثر من أسبوعين، وتتراكم على طول الطريق أكوام الحصى والرمل لتستخدم في ردم الحفريات بعد تمديد (الكابلات)، ما يجعل الأزمة خانقة ومستعصية أكثر، وازدحام السير قد يطول لساعات النهار وأطراف الليل دون انقطاع. ويشارك في تفاقم الأزمة الآلات التي تقوم بالحفر أو الردم وهي تجول بين أرتال السيارات المارة، وقد تسبب الحوادث لكثير منها، وخاصة أثناء فترات الذروة في الازدحام صباحاً وبعد الظهر وطيلة فترة المساء.
وفي كل عام هناك ثلاثة أو أربعة مواسم طويلة من هذه الحفريات، التي تنفذها الشركات المختلفة دون التخطيط أو التنسيق المسبق بين بعضها البعض، وغالباً ما نجد هذه المشاريع توافق عليها البلدية ويتم تنفيذها في موسم الوحل والأمطار، ما يزيد حياة الناس اضطراباً وسخطاً.
الكثير من هذه المشاريع تكون خدمية آنية لحل المشكلة مؤقتاً، ليس لها دراسات فنية أو اقتصادية بعيدة المدى، وليس من المعروف كم من المواطنين يجب أن تُخدِّم، وما هي الفترة اللازمة التي يجب أن يضمنها هذا المشروع، غير آخذين بعين الاعتبار التزايد السكاني وازدياد الطلب على كمية الخدمات، بل إن كل ما يفكر فيه أصحاب القرار من إداريين أو رجال الأعمال الذين ينفذون المشاريع، هو مجرد فتح مشروع جديد، باباً للنهب والفساد، بغض النظر عن جدواه وضرورته، لذلك نرى عند كل موسم وَحْلٍ مشروعاً جديداً وحفراً جديدة.