كيف تتم سرقة المال العام؟!
لجأت نقابة المعلمين بالتعاون مع وزارة الاقتصاد ومديريات التموين لتشكيل الجمعيات التعاونية للمعلمين في المحافظات، على أمل أن تؤمِّن هذه الجمعيات المواد التموينية والاستهلاكية والمنزلية للمشتركين بأسعار معقولة أو تقسيطاً، إلا أن بعض هذه الجمعيات حمَّلت المشتركين فيها على مدى سنوات طويلة أعباء إضافية، وكانت المواد والأدوات التي تباع فيها يزيد سعرها بنسب كبيرة قد تصل إلى 20% زيادةً عن سعرها في السوق المنفلتة.
شكا لنا بعض المعلمين والمعلمات في ريف دمشق هذه الظاهرة، وقالوا لنا إن هناك ظاهرة فساد واستغلال يجب البحث في جذورها. وبناءً على هذه المعلومات توجهت «قاسيون» إلى أحد فروع الجمعية الاستهلاكية للمعلمين بريف دمشق، فقيل لنا إن هناك أسباباً كثيرة، وممارسات سيئة، منها تسلط بعض المتنفذين، والعبث بمقدرات الجمعية لحسابهم الخاص، وحرمانها من رصيد يزيد عن 42 مليون ليرة سورية.
التقينا عضو مجلس إدارة جمعية المعلمين بريف دمشق المعفي من مهماته والذي حلته وزيرة الاقتصاد والتجارة قسراً وقبل أوانه، حسب تصريحه المؤيد بالوثائق، لأن المجلس المحلول عمل على فتح السجلات والجداول القديمة، واستدرك أن هناك مبالغ مهدورة يجب تحصيلها، والذي أبرز صورة لشكوى مقدمة إلى وزيرة الاقتصاد والتجارة رقم 46/ص/2010 تاريخ 3/1/2010 تشرح الكثير من التجاوزات والتغاضي عن أموال يجب تحصيلها، ولمحة حول تفاصيل إدارة الجمعية من رئيس المجلس السابق الذي أُنهي تكليفه بناء على توصيات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالكتاب رقم 8/14/3114/199/10 تاريخ24/5/1997 ولم ينفذ، وكتاب التأكيد اللاحق من مديرية التموين بتاريخ 3/8/1997 لتنفيذ مضمون قرار الوزارة رقم 133/13333 تاريخ 24/7/1997 ولم ينفذ أيضاً.
وأثناء إدارته لمدرسة دوما الثانية للبنين تمت إدانته بالكتاب رقم 633/ل.ص.س تاريخ 17/3/2005 القاضي بسوء إدارته وائتمانه المالي، وشهادة الزور لدى الشرطة، وأنهى تكليفه بناء عليه.
الرئيس السابق استلم من جديد رئاسة إدارة الجمعية عام 2006 وعيَّن عاملاً في فرع حرستا يحمل الشهادة الابتدائية مديراً للجمعية وعندما كثرت الشكاوى عليهما معاً تم تحويل الملف للتفتيش وصدر القرار رقم 8/1252/19/4/ت.ج تاريخ 12/5/2008 بعشرة مقترحات تتضمن التغريم المالي وإعفاءهما من عملهما لمخالفتهما الأنظمة والقوانين، وعدم قبول ترشيحهما للجمعية مرة أخرى، ودعوة الهيئة العمومية لانتخاب البديل، ولم ينفذ المجلس ذلك.
عند انعقاد المجلس العمومي في 5/10/2009 استلم إدارة الجمعية مجلس جديد منتخب أصولاً. وتمَّ رفضُ ترشيح رئيس مجلس الإدارة السابق لأن هذا ممنوع بالقوانين السابقة، وأكد على ذلك المنع قرار وزارة الاقتصاد رقم 1005 تاريخ 29/2/2009 القاضي بإشغال ذمة المجلس بمبلغ اثنين وأربعين مليون وسبعمائة وخمسة عشر ألف ليرة سورية، وتجاوز الديون عن راس المال العامل بنسبة 126%.
رغم استلام المجلس الجديد المنتخَب لإدارة الجمعية بعد انعقاد المجلس العمومي في 5/10/2009، إلا أن المجلس السابق لم يسلم حتى الآن العهدة التي بذمته للمجلس الجديد الذي فتح السجلات والجداول وعرف أين تسربت أموال الجمعية، وكان معظمها في أيدي المقربين والمحظيين من رئيس مجلس الإدارة السابق ومدير الجمعية، ومنها مبلغ 5,636,000 ليرة سورية ديون على فرع الجمعية في النشابية، ومبلغ 3,699,000 ليرة سورية على فرع حرستا الذي استلم إدارته ابن شقيق رئيس مجلس الإدارة، ومبلغ 1,170,000 ليرة سورية على فرع النبك الذي توفي مديره، واستلمت زوجته الإدارة خلفاً له، وطالبت بإعفائها من ديون الفرع المترتبة على ذمة زوجها المتوفى، وتم ذلك شفهياً بدون مستند قانوني، علماً أنه يوجد مشتركون بفرع النبك أبدوا استعدادهم للدفع ولكن ليس هناك من يحصل المبالغ منهم، وهناك أيضاً بعض المشتركين دفعوا لمدير الجمعية دون إدراج المدفوعات في السجلات، كما كان هناك الكثير الكثير من الهدايا، من برادات وغسالات وأجهزة خليوي لمسؤولين في وزارة الاقتصاد ومديرية تموين ريف دمشق لتغاضيهم عن تحصيل الأموال، وتغطيتهم على التقصير بالدفع. ألح المجلس المنتخب على تحصيل المبالغ المترتبة للجمعية من الفروع وأكد على ضرورة الحجز على المديرين المقصرين بالدفع، بالكتاب الموجه إلى وزيرة الاقتصاد والتجارة رقم 82/ص/2010 تاريخ 27/2/2010، والكتاب الوارد إلى وزارة الاقتصاد برقم 2542/د/ تاريخ 2/5/2010 المتضمن كيفية التستر على ممارسات المجلس السابق من موظف في الوزارة، وموظفة في المديرية، اللذين استحصلا على قرار حل المجلس المنتخب.
بناء على هذا الإلحاح تقدم المجلس السابق برشوة علنية وواضحة وعرض على المجلس المنتخب مبلغ مليون ليرة سورية أن غضوا النظر حتى يحين موعد موات هذه المبالغ المترتبة بذمة المجلس السابق، ولكن المجلس المنتخب طالب بتحصيل المبالغ قانوناً تحت إشراف التفتيش ووزارة الاقتصاد، وعليه صدر قرار وزارة الاقتصاد والتجارة رقم /1427/ تاريخ 17/5/2010 القاضي بحل مجلس إدارة الجمعية التعاونية الاستهلاكية للمعلمين بريف دمشق، المنتخب أصولاً في المجلس العمومي، بناء على عدد من أحكام المراسيم والقوانين ولكن دون ذكر السبب الذي تنص عليه هذه المراسيم والقوانين صراحة في قرار الحل. وتكليف مجلس إدارة مؤقت حتى نهاية عام 2010 حيث سيتم دعوة الجمعية العمومية للانعقاد لانتخاب مجلس إدارة جديد. طلب المجلس المهلة القانونية للجرد والاستلام والتسليم مدة 15ـ 30 يوماً، ولكن المجلس المكلف سارع لاحتلال مكاتب إدارة الجمعية وطرد أعضاء مجلس الإدارة المحلول عنوة، أملاً بالتغطية على التجاوزات ولمنع الجرد والتستر على ترتيبات الاستلام. إن أموال الجمعية هي أموال 7500 معلم مشترِك وتعتبر أموال وقف يجب الحفاظ عليها وتسخيرها لخدمة المساهمين والمشتركين وتخفيف الأعباء المعيشية عنهم، لماذا يسمح للفاسدين بالتلاعب بها ونهبها على مرأى من الجميع؟! ومن يقف وراء هؤلاء الفاسدين ويحميهم ويغض الطرف عنهم؟! أسئلة تنتظر الإجابة.