نزار عادلة نزار عادلة

مخالفة الوكالات الملاحية للشروط والقوانين والوزارة تتفرج

أبلغت شركة التوكيلات الملاحية وزارة النقل عن ضبط 17 حالة مخالفة للشروط والأنظمة والقوانين النافذة، ولاسيما نص المرسوم رقم 55 لعام 2002، حيث عمدت بعض الجهات إلى توكيل البواخر الحاملة لبضاعة عائدة للقطاع العام إلى وكيل خاص، بدل توكيلها لشركة التوكيلات الملاحية. وأرفقت الشركة الضبوط والثبوتيات ليصار إلى اتخاذ ما يلزم من الجهات الرقابية والوصائية، ولكن لم يتم القيام بأي إجراء قانوني بحق المخالفين.

من المعروف أن شركة التوكيلات الملاحية تعاني من تراجع كبير في إيراداتها بالقياس إلى سنوات ما قبل الوكالات الملاحية الخاصة، ما أدى إلى انخفاض الكتلة النقدية المحوَّلة إلى الخزينة العامة للدولة عن طريق وزارة المالية، بسبب المنافسة غير الشريفة والعلاقات وارتباط المصالح للوكالات الملاحية.

وطالبت الشركة بالإبقاء على العمولات التي تُدفع من الوكيل البحري إليها لقاء الترخيص له بالعمل لضمان موارد للخزينة، وأن تكون هي وكيلاً للسفن في حال كانت البضاعة مباعة من جهات القطاع العام، بغض النظر عن شرط البيع أو شرط الشحن. واقترحت عدم الترخيص للوكيل الملاحي بممارسة عمله ما لم يتقدم بعقد موقع مع شركة ناقلة واحدة على الأقل، حفاظاً على المصلحة العامة.

شركة التوكيلات الملاحية هوية اقتصادية

واحدة من شركات القطاع العام الرائدة في سورية، تتبع وزارة النقل، وهي ذات طابع اقتصادي خدمي، تقوم بدور الوكيل الملاحي للسفن والناقلات التي تؤم المرافئ السورية. تأسست بموجب المرسوم 347 الصادر في 29/12/1969 القاضي بإحداثها، حيث حلت محل وكالة هارون آنذاك المصادرة بالأمر العرفي رقم /30/ وعملت في ظل تعدد الوكالات التي بلغت حينها أكثر من /90/ وكالة. وفي العام 1981 أصبحت الشركة وكيلاً حصرياً لجميع الشركات الملاحية والناقلات التي تسير سفنها وناقلاتها عبر المرافئ السورية. وكان حصر الوكيل البحري بشركة التوكيلات الملاحية أمراً عظيماً، مع أن الحاقدين راهنوا عليه بالفشل الذريع الذي سيلحق بالقطاع العام من جراء توليه هذه المهمة، ولكن الدور الذي لعبته شركة التوكيلات الملاحية والنجاحات التي حققتها في عالم البحار كان موضع تقدير وإعجاب وأثبت قدرة القطاع العام وكوادره على إثبات وجودهم وكفاءاتهم، كواحدة من أقوى الشركات وأفضلها وأكثرها تميزاً في تقديم الخدمات في مختلف الظروف.

وقد حفل أرشيف الشركة على مدى العقود الماضية بالثناءات ولاقى الكثير من الاستحسان من أصحاب البواخر والخطوط الملاحية، واتخذت الشركة سلسلة من الإجراءات على صعيد أتمتة نظام عملها ومفاصلها الأساسية، وأقامت دورات عديدة للحواسيب واللغات، لكافة العاملين فيها، بهدف الارتقاء بمستوى الأداء، ومازالت الشركة تجري دورات تخصصية متقدمة للهدف ذاته.

ومنذ أحداث النافذة الواحدة ضمن الحرم المرفئي عملت الشركة على رفدها بالكادر المطلوب كي تتمكن من إنجاز كافة المعاملات المتعلقة بها، بالتنسيق مع الجهات الأخرى (المرفأ والجمارك) توفيراً للجهد والوقت، وخوَّلت كوادرها التوقيع على كل المعاملات ما جعل واقع عمل المراجعين أكثر يسراً وسهولة.

وواكبت الشركة كل القرارات على مستوى العمل الميداني، وغطت خدماتها على مدار 24 ساعة بعد أن تم تطبيق نظام العمل على ثلاث ورديات. وزودت العاملين لديها بأجهزة حديثة للتواصل مع الربابنة وتقديم مستلزمات العمل.

وفق هذه المعطيات استطاعت شركة التوكيلات الملاحية أن تحقق على مدى العقود الماضية خططها الإنتاجية بشكل كامل، وساهمت في عملية التنمية الشاملة بما وفَّرته من قطع أجنبي، وأمنت الإنفاق على مشاريعها الاستثمارية تمويلاً ذاتياً من فائض الميزانية، وحققت الهدف الاقتصادي ورفدت خزينة الدولة بصافي أرباح بلغت خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت صدور المرسوم /55/ القاضي بعمل الوكالات الخاصة، مبلغاً مقداره /725/ مليون ليرة سورية.

بعد أن أزيلت صفة الوكيل الحصري عن شركة التوكيلات وسمح للقطاع الخاص أن يؤسس وكالات خاصة بلغت /80/ وكالة تعمل بكل الوسائل للحلول محل التوكيلات الملاحية، ونزعت منها القسم الأعظم من الأعمال التي كانت تقوم بها، وبذلك تراجع دورها وخسرت مئات الملايين.

في مرفأ اللاذقية في العام 2001 بلغ حجم البضائع الواردة إلى المرفأ بحدود /5.7/ مليون طن بلغت أرباح التوكيلات منها /157/ مليون ل.س وفي العام 2002 ارتفع الوارد إلى المرفأ إلى /8.473/ مليون طن حققت منها التوكيلات ربحاً قدره /648.6/ مليون ل.س وفي العام 2006 أي بعد أن نشطت كل الوكالات الخاصة بلغ حجم البضائع الواردة إلى مرفأ اللاذقية /12.7/ مليون طن كان ربح التوكيلات منها /197.6/ مليون ل.س فقط، وبهذا يظهر جلياً حجم الخسارة التي حلت بالتوكيلات والكم الهائل من الأرباح التي جنتها الوكالات الخاصة. حيث كانت حصة الشركة العامة للتوكيلات كضريبة دخل على الأرباح المقدرة بحدود مليار ل.س عن عام 2005 مبلغاً قدره /4.882/ مليون ل.س فقط، في حين حولت التوكيلات في العام الذي سبقه كضريبة دخل عن ربح قدره /203.9/ مليون ل.س مبلغاً قدره /69.9/ مليون ل.س، ويُظهِر ذلك الخسارة التي لحقت بخزينة الدولة. أما في العام 2006 فقد دفعت الوكالات الخاصة ضريبة دخل مبلغ /4.43/ مليون ل.س عن كل أعمالها وأرباحها في حين قدمت التوكيلات /69/ مليون ل.س للعام نفسه. إضافة إلى هذا فقد حولت التوكيلات أرباحها إلى صندوق الدين العام بمئات الملايين من الليرات السورية.

الوكالات الخاصة قامت أيضاً بمخالفة المرسوم /55/ الذي ينص على أن تستقدم هذه الوكالات خطوطاً ملاحية جديدة وبواخر جديدة، ولكن هذا لم يحصل بل اقتصرت هذه الوكالات على سحب الخطوط والبواخر التي كانت متعاقدة مع التوكيلات الملاحية فقط، وهكذا خالفت شروط الترخيص التي هدف إليها المشرع وهي استقدام خطوط ملاحية جديدة.

الآن الوكالات الخاصة تحاول إزاحة شركة التوكيلات الملاحية من الطريق من خلال المطالبة الدائمة بتخفيض الرسوم تمهيداً لإلغاء بدل رسم الوكالة التي يدفعونها إليها، وهذا يعني توقف التوكيلات عن العمل وعدم قدرتها على دفع رواتب العاملين لديها. وقد بلغت خسائر شركة التوكيلات في اللاذقية نحو /10/ مليون دولار.

الوكالات الخاصة ترى أن الشركة العامة للتوكيلات الملاحية غير قادرة على التجديد ومراعاة السرعة والمنافسة المفتوحة والتطور العالمي في عمل الوكالات البحرية، بالإضافة إلى البيروقراطية والروتين والترهل الإداري. والأطراف المراقبة ترى أنه لابد من وجود تنسيق بين الطرفين ولابد من إحداث نقلة نوعية في عمل التوكيلات الملاحية «القطاع العام» وتطوير قوانينها ومنحها الحيوية في التحرك عالمياً لاستقدام خطوط جديدة، أما الوكالات الخاصة فالمطلوب منها التقيد بقانون إحداثها الذي ينص على استقدام خطوط جديدة وبواخر جديدة وليس سحب الخطوط الموجودة لدى التوكيلات الملاحية. وزارة النقل تتفرج على هذا السجال منذ العام 2002 بالسماح للوكالات الخاصة بالعمل، لم يجر أي تقويم لعمل هذه الوكالات، ولم تبحث القضية الأبرز وهي انخفاض الإيرادات المالية والأرباح السنوية وحرمان الشركة من الكم الهائل من القطع الأجنبي، وبالتالي حرمان خزينة الدولة منها. ولم تُسأل وزارة الصناعة أو الوزارات الأخرى صاحبة العلاقة عن أسباب توكيل البواخر الحاملة لبضاعة عائدة للقطاع العام إلى وكيل خاص، رغم أن القوانين لا تسمح بذلك.

رئيس اتحاد عمال طرطوس تساءل في مؤتمر الاتحاد العام للعمال عن نتائج إلغاء حصر التوكيلات قائلاً: «عام 2003 حققت التوكيلات دخلاً لخزينة الدولة أكثر من /730/ مليون ل.س وفي عام 2005 الذي طبق فيه قرار الإلغاء حققت التوكيلات دخلاً قدره /200/ مليون ل.س فقط. فمن الذي استفاد؟ هل الدولة أم أصحاب النفوذ؟!!

الغريب هنا التصريحات الدائمة للنائب الاقتصادي ولوزير النقل التي تؤكد أن منح الوكالات الخاصة هدفه السرعة في العمل وتجاوز الروتين واستقدام خطوط ملاحية جديدة، وهذا لم يحدث.

ولم يذكر النائب الاقتصادي ووزير النقل الفساد الذي استشرى في المرافئ، وخسارة الدولة عشرات الملايين تشجيعاً للاستثمار!