صراعات غير اقتصادية.. وطلاب الاقتصاد مستَبعدون
تتصارع القوى والاتجاهات التي تعنى بوجهة سير الاقتصاد السوري بين من يريد الأخذ به نحو الليبرالية الحرة بشكل مطلق مجندين لذلك التشريعات والشعارات والتنظيرات، وبين من يريد إبقاء الحال على ما هي عليه رغبة بالاستمرار في استنزاف الاقتصاد ونهب ما يمكن نهبه من ثرواته العامة ومقدراته.. أما من يسعى للتأسيس لبناء اقتصاد وطني قوي من قوى ومنظمات شعبية وأكاديميين وطنيين وغيرهم.. فهؤلاء على الغالب لا صوت لهم، أو هم مهمشون عمداً.
إلا أن مضار هذا التخبط و«التجريب»، تنعكس بآثار عميقة وشاملة، لن تنتهي مفاعيلها السلبية بحسم المسألة لمصلحة أحد الأطراف، وهذا أسوأ ما في الأمر.
ويشكل قسم الاقتصاد في جامعة دمشق أحد المواقع التي يتجلى فيها هذا الصراع، والذي يبدو أن الغلبة فيه لمن يحاول تعميم الطابع السطحي على كلية الاقتصاد، بما يتفق مع متطلبات السوق «الحرة»، ويبتعد عن معايير الدراسة العلمية الأكاديمية، حيث يتم تحجيم هذا القسم وإهماله، وتقليص مقرراته وإفراغها من مضمونها، وعزله وإعطاؤه طابعا تقنياً، ما سيؤدي لتخريج كوادر ضعيفة غير قادرة على معاينة جدية للسياسات القائمة، لتزول بذلك آخر المعاقل الأكاديمية التي من الممكن أن تتخصص بالبحث الاقتصادي بأبعاد أكثر عمقاً، بقراءة اقتصادية سياسية اجتماعية، كما تستلزم عملية تأهيل كوادر علمية جدية تكون قادرة على الوقوف أمام المستحقات التي تضع الاقتصاد السوري أمام تحدي صياغة نموذج يحقق النمو والتنمية الشاملة.
لكن يبدو أن هذه المؤهلات غير مطلوبة، ومستبعدة من عملية بناء الاقتصاد السوري.. والحدث الأبرز حالياً، هو استبعاد طلاب قسم الاقتصاد في جامعتي دمشق وتشرين من مسابقة وزارة الخارجية بدون أي تفسير أو جواب لدى الكلية أو رئاسة الجامعة، التي وعدت برفع كتاب إلى الوزارة لتعديل القرار، خصوصاً أنه تم سابقاً استبعاد طلاب قسم الاقتصاد من مسابقة وزارة المالية، وكان التبرير حينها أن ذلك: «حدث سهواً»، لكن حتى الآن لم تتم إجراءات للتعويض..
فما المقصود من استبعاد طلاب القسم من التوظيف في وزارات الدولة، ولماذا تجري عملية إبقائهم خارج نطاق طلب السوق؟ هل المقصود هو إبعاد الطلاب عن الدراسة في القسم كونه لا أمل في التوظيف بعد ريادته، وهو ما يحصل دائماً، حيث لا مقارنة بين أعداد المتخصصين في هذا القسم القلائل، والمتخصصين في الأقسام الأخرى الذين يتزايد عددهم باستمرار؟.
هذا وقد أرسل عدد من خريجي الاقتصاد في جامعتي دمشق وتشرين رسالة إلى عمادة جامعة دمشق، وصلت نسخة منها إلى جريدة قاسيون، تطالب بإيقاف هذه المهزلة المستمرة، والمبادرة إلى توظيف خريجي كلية الاقتصاد في كلتا الجامعتين، خصوصاً وأن البلاد بحاجة ماسة إلى كفاءاتهم..
فهل تبادر الجامعة بحل مشكلة هؤلاء والانتصار لقضيتهم، التي هي قضية عامة أكثر من كونها قضية شريحة من الخريجين، أم أن المعنيين لا يريدون مد المؤسسات العامة الآخذة بالترنح بكوادر قادرة على إعادة الأمل إليها وتخليصها من الفساد والترهل وانعدام البصيرة التي تطبع عملها؟.