الصدأ يفتك بموسم الحنطة.. ووزارة الزراعة تتفرج!
بعد أن داخ الفلاحون جيئة وذهاباً مرة إلى هذه الصيدلية الزراعية وأخرى إلى تلك، مرة مع إرشاد زراعي يقذفهم إلى استخدام طريقة الري بالرذاذ، وأخرى بالطريقة التقليدية لإنقاذ محاصيلهم العطشى والمصابة بعدد من الأمراض المهلكة، استيقظت وزارة الزراعة من غفوتها على وقع صراخ الفلاحين وأنين الوطن المفجوع بحنطته التي خلعت ثوبها الأخضر مرتدية الأسمال الصدئة تستنجد ولا مغيث.. فقط دعها وشأنها تصارع الجائحة في سوق التنافس المناخي.. بهذه الوصفة وضعت وزارة الزراعة حداً لآمال الفلاحين في إنقاذ محاصيلهم.
وزارة الزراعة، وبعد تردد في أخذ القرار الصائب لمواجهة الآفات التي أصابت القمح والشعير في مختلف مناطق زراعتها وعلى مستوى سورية، دعت الفلاحين إلى القبول بالأمر الواقع.. وأكدت أنه لا داعي لاتخاذ أي إجراء يحد من أضرار تلك الأمراض الفطرية!! آفات جائحة أودت بما نجا من زرع استطاع الإفلات من جور الإجراءات الاقتصادية التي أهلكت الزرع والضرع ومن بعدها أبناء الوطن من الفلاحين ومربي الثروة الحيوانية، ولا داعي لفعل شيء!!؟ وقد جاء ذلك بعدما فرغت مستودعات تجار الأدوية من مضادات الفطريات لتزداد خسائر الفلاحين وتتراكم الديون على رؤوسهم. إذاً الوزارة أخلت مسؤوليتها محملة الظروف الجوية وعوامل المناخ مسؤولية الجائحة، وكأننا لم نتجاوز بعد العصور الوسطى، وليس لدينا مراكز أبحاث زراعية تستطيع استنباط أصناف مقاومة لتلك الآفات المرضية .
والغريب أن مديريات الزراعة راحت تزيد الخسائر وتراكمها بالاجتماعات المتكررة والجولات وصرف المهمات والبنزين على الحقول.. تلك الاجتماعات التي لا تفيد في الأمر شيئاً سوى مراقبة تطور الإصابة وإحصاء الخسائر، فهل أصبحت مهمة الحكومة المراقبة والإحصاء فقط دون تقديم أرقام صحيحة وهو أضعف الإيمان؟!.
لقد تجاوزت نسبة الإصابة بمرضي الصدأ والتبقع السبتوري حد 90%، وتلك تقديرات قام بها بعض المختصين التابعين للوزارة والمنتشرين في مديرياتها، ولكن الأرقام المعلنة يجري تخفيضها بمعدل 50% لأسباب تخص واضعي النسب النهائية.
إن الوزارة بتعميمها المتضمن عدم جدوى مكافحة تلك الأمراض، ألغت جهود مراكز الأبحاث العلمية منذ تأسيسها وحتى هذه اللحظة، ولم يعد هناك من داع بنظر الوزارة إلى تلك المراكز التي تقوم بالبحوث العلمية على المحاصيل الزراعية واستنباط أصناف مقاومة لتلك الأمراض والعمل على إيجاد الحلول الملائمة ومكافحة الآفات التي تصيب تلك الأصناف.
الفريق الاقتصادي يتحمل المسؤولية
على الفريق الاقتصادي وحده تقع مسؤولية الكارثة التي أصابت محصولي القمح والشعير.. هذا ما تؤكده نشرات وكتب الإرشاد الزراعي الصادرة عن وزارة الزراعة، ومنها دليل زراعة القمح 2009 رقم النشرة 483، فبما يخص آفات القمح ومنها الأمراض الفطرية، جاء التعريف بأمراض الأصداء على أنها تعتبر من الأمراض الفطرية واسعة الانتشار، والتي تلحق ضرراً كبيراً بمحاصيل الحبوب ومنها القمح والشعير.. ولمقاومة هذا المرض يجب الاعتماد على زراعة الأصناف المقاومة، كما يمكن مكافحتها باستخدام المبيدات الفطرية الحديثة وإتباع الدورة الزراعية، ولكل منطقة وصفتها العلمية من حيث الصنف المناسب للزراعة في تلك المنطقة وما إذا كانت مروية أو بعلية.. فبعد ارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي وبخاصة رفع الدعم عن المازوت ومع الوقوف عن تطوير البنية التحتية من إنشاء سدود تخزن المياه المهدورة، أصبح من غير الممكن إتباع أساليب الزراعة الحديثة لانتفاء مقومات تلك الطرق يضاف إلى ذلك مقياس حساب هامش ربح المحصول المعمول به حالياً، والذي لا يأخذ بالاعتبار أن الأرض تزرع بشكل دائم، حيث لم يلحظ فترة راحة الأرض أو تبويرها أو زراعتها بمحاصيل لا تحقق الجدوى الاقتصادية ومنفعة الفلاح كي يستطيع الاستمرار في زراعة أرضه، فقد خرج القطن والشوندر السكري من الخطة الزراعية عند الكثير من الفلاحين بسبب عدم الجدوى الاقتصادية بعد ارتفاع أسعار المازوت والأسمدة وأجور الفلاحة واليد العاملة، ليبقى الاعتماد على زراعة القمح والشعير بعيداً عن الدورة الزراعية.
هذا التكرار في الزراعة يحمل في ثناياه مخاطر كبيرة، منها ضعف مقاومة المحصول (القمح – الشعير) للأمراض الكامنة في التربة، وإجهاد التربة الزراعية مع عدم حصولها على الأسمدة اللازمة، إضافة إلى ذلك تناقص عدد الفلاحات بسبب ارتفاع الأجور. ومع التخلي الإجباري عن الدورة الزراعية التي تحفظ توازن التربة وتوفر إنتاج جيد مع عدم تناسب سعر (المحصول القمح أو الشعير) بما يوازي التكلفة الحقيقية مع هامش ربح يأخذ بالاعتبار تبوير الأرض وراحتها، كان لابد من التعرض لمثل هذه الجائحة التي أصابت محصول القمح والشعير، والتي تصل بعض التقديرات الأولية إلى أن إنتاج الدونم الواحد في محافظة حماة لهذا العام بعد الإصابة التي حلت به، سيتراوح بين 50 – 400 كغ بعدما كان الإنتاج في العام الماضي يتراوح بين 400 إلى 800 كغ للدونم الواحد، أي أننا سنخسر نصف الإنتاج المتوقع لهذا العام بعدما استبشرنا خيراً مع هطل المطر المناسب هذا الموسم.
إذاً هذه هي إحدى نتائج أو كوارث النهج الاقتصادي المتبع والمطبق على قطاع الإنتاج الزراعي، ويبقى أن نسأل: ما العلاقة بين تعقيم البذار بالمطهرات الفطرية وأمراض الصدأ والتبقع السبتوري الذي أصاب محصول القمح والشعير في هذا الموسم، وما إذا كانت تلك البذور قد عقمت بشكل كاف قبل بيعها إلى الفلاحين؟؟ وإلى متى تستطيع الحكومة التهرب من مسؤوليتها تجاه الوطن والمواطنين بترحيل نتائج تقصيرها في أداء واجبها بإلقاء المسؤولية على الظروف المناخية؟ .
■ يامن طوبر