اغتصاب أرصفة العاصمة.. مشكلة سداسية الأبعاد!

إذا كانت الأرصفة في بلدنا ملجأ للمشاة يحميهم من الأذى، فمما لا شك فيه أيضاً إنها فريسة مغرية لأصحاب المحال التجارية وغاية مطلقة لوضع اللوحات الإعلانية، وربما أفضل موقف إستراتيجي صالح لأن يكون مرآباً بـ«بلاش» لأصحاب السيارات الفارهة، كما قد لا تختلف وظيفتها تماماً عن حاويات القمامة في كثير من المناطق داخل دمشق.

فغياب التخطيط الشامل والإقليمي لمدينة دمشق كأقدم عاصمة مأهولة جعل الغالب عليها العشوائية والازدحام السكاني وتخلف القوانين والأنظمة، أو قلة الثقافة في التعامل مع هذه القوانين لدى المسؤولين، وكثرة عمليات الشفط والتجميل التي يتلذذون بها عبر ممارستهم للعبة الشطارة التي أثبتوا بأنهم الأجدر بها، ناهيك عن ازدياد المشكلة بحلها بأنصاف الحلول..

تخصص ملايين الليرات سنوياً لتحسين أرصفة دمشق، ولكن هذه الملايين تفتح شهية الكثير من مسؤولي المحافظة ورؤساء الإدارات المحلية، فيلقون مخططاتهم في خزن تفتح عند تبديلهم بأجدد منهم أو (أكثر نصباً وفساداً)، أما الأرصفة فتتكسر قبل مرور سنة، أو أنها تهمل كلياً رغم انتهاء صلاحيتها للمرور وخاصة في الشتاء، مثل ذلك الرصيف الممتد من الطريق الدولي (أوتستراد العدوي) مقابل مسبح تروبيكانا إلى كراجات العباسيين والذي تم صيانة أوله فقط.

ومن الاعتداءات الشهيرة على أرصفة العاصمة أنها تصبح أحياناً مواقف للسيارات الحكومية والخاصة، أما إنشاء المواقف الطبقية المأجورة فلا يزال حلماً بعيداً. ثم هنالك رصيف احتله مواطن (معروف) لا يمكنك أن تقف عليه، أو تركن سيارتك بقربه أو حتى لا يسمح لك بالمشي عليه، وهناك رصيف آخر ملك مجموعة من أصحاب المحلات يتجمعون عليه يحتسون الشاي ويدخنون الأركيلة، ويتدخلون في شؤون العباد ولا تستطيع أن تطلب منهم حتى الإذن بالمرور. وثمة أرصفة تحولت إلى ستاندات عرض وإضافات للمحال التجارية، أو اندمجت في الأبنية المقامة عليها، فزالت عنها الملكية العامة وذهبت لخواص خلق الله يفعلون بها ما يريدون وفقاً لمصالحهم بغطاءٍ من حكومتنا (المحروسة) عبر مؤسساتها المختلفة والتي تنازلت عن حقوقها، وحقوقنا التي من المفترض أنها مدافعة عنها وممثلة لها. ويبرز أيضاً قيام أصحاب المحال التجارية بعرض جزءٍ كبيرٍ من بضائعهم على الأرصفة ووضع لوحات إعلانية عن تنزيلاتهم ووضع حواجز من أشجار زينة بعد (دفع براني) للمعنيين «الأوادم»، وهذه حال بعض المطاعم وخصوصاً على طريق المزة باتجاه السومرية.. هذا عدا عن الأكشاك الملاصقة لبعضها على أرصفة نهاية الطريق مما يعيق حركة المارة والأطفال عند الخروج من المدارس.

أما الطامة الكبرى فتكمن في سوء التخطيط، فعند الانتهاء من استبدال رصيف أو تزفيت شارع تتشابك أعمال الجهات العامة من شركات الكهرباء والماء والهاتف لتنفيذ مشاريعها، فتتحول الأرصفة إلى حفر!.

فأين يسير المواطن والحفريات والاعتداءات على (رصيفه) تطارده؟ ولعل جل ما يراه من المسؤولين لإثبات فاعليتهم وحرصهم على الأرصفة، هو حرمان فقير من بسطة صغيرة على الرصيف فتصادر بضاعته وترمي في السيارات والذنب الوحيد الذي اقترفه أنه فقير والأكشاك الممتدة على الكثير من الأرصفة والتي تزداد امتداداً تترك بوجه الحق لأنه دفع ليرضي الكثير من المسؤولين وربما كلف بهذه المهمة من قبلهم؟.

وللطرافة إذا رأيت الأرصفة منكوتة والورشات تعمل بها فاعلم أن المحافظ قد طار وحل محله آخر..

دمشق مدينة الحفريات الخالدة/ قدرها أن تعاني التشويه في شوارعها وأزقتها وحتى أرصفتها التي زادت على متنها مشكلة الاختناق..