نجوان عيسى نجوان عيسى

بعد انحلال الزوجية... المرأة السورية ومشكلة الحضانة

كفل قانون الأحوال الشخصية السوري حق المرأة في حضانة أطفالها بعد انحلال الزوجية، إذ يبقى الأطفال في عهدة أمهم ورعايتها حتى يبلغ الولد الثالثة عشرة من عمره، والبنت الخامسة عشرة. إلا أن ثمة قصوراً في الحماية الفعلية لهذا الحق، وأعني هنا الحماية الاقتصادية، بمعنى أن المشرّع السوري، وضع النص الضامن لهذا الحق، وأغفل تأمين الأرضية الاقتصادية الاجتماعية الراسخة، لتطبيق هذا النص بشكل عملي على أرض الواقع. 

عندما تنحل رابطة الزوجية بطريقة أو بأخرى، يكون على المرأة اصطحاب أطفالها معها ومغادرة مسكن الزوجية، حيث يبقون في عهدتها حتى نهاية سن الحضانة، ما لم يقم سبب يحرمها من هذه الحق. ويكون على الأم تأمين مسكن لأطفالها، وتأمين دخل ثابت يوفر لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة، وهذا يضعها في الغالب تحت رحمة ضغوط لا تحتمل، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، وانخفاض مستوى الأجور، والأهم من ذلك، النفقة الهزيلة التي يلزم القانون الزوج بدفعها، والتي لا تفي بتأمين حد الكفاف الأدنى للطفل.

وفضلاً عن ذلك، لم يتكفل القانون السوري بضمان حق الطفل في الحصول على مسكن خلال فترة الحضانة، ولم يلزم الزوج ولا غيره بذلك، وحتى إنه لم يعمل على تأمين البيئة اللازمة لوجود مؤسسات أهلية تقوم بهذه المهمة. وفوق هذا يطالعنا قانون الأحوال الشخصية السوري بنص مفخخ وملتبس في الفقرة الثانية من مادته رقم «139» ونصها «لا يسقط حق الحاضنة بحضانة أولادها بسبب عملها إذا كانت تؤمن رعايتهم والعناية بهم بطريقة مقبولة»، وهو النص الذي حافظ عليه حرفياً، مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي طرح مؤخراً.

فبينما يبدو النص في مطلعه، وكأنه منةٌ للمرأة، وانحياز لحقها في العمل والاستمرار في حضانة أطفالها في نفس الوقت، يعود ليجعل من عملها خارج البيت مبرراً لسحب الحضانة منها، إذا لم تؤمن رعاية الأطفال والعناية بهم «بطريقة مقبولة»، وطبعاً يعود للقاضي تحديد الطريقة المقبولة من غير المقبولة، وهي عبارة فضفاضة لا مجال لتحديدها على الإطلاق.

وهكذا يحاصر القانون المرأة بعد انحلال الزوجية، مرةً من خلال عدم تأمين المسكن اللائق لها ولأطفالها، ومرةً من خلال التضييق على حقها في العمل، ومرةً ثالثة من خلال انخفاض مبلغ النفقة الذي لا يغني ولا يسمن من جوع. وقد رأينا نتائج هذا القصور التشريعي من خلال العديد من الحالات التي تنهار فيها المرأة تحت هذه الضغوط، فتتنازل عن حضانة أطفالها، التي تنتقل بحكم القانون إلى أمها، التي ستعجز عن النهوض بالمهمة الموكلة لها، لتنتقل الحضانة بعدها إلى أم الأب، أي إلى الأب نفسه فعلياً. وكثيراً ما ترجع المرأة مهانةً إلى بيت زوجها السابق، لتبقى قرب أطفالها ولو كزوجة ثانية، هذا إذا قبل الزوج السابق بردّها أصلاً.

ليس هذا إلا واحداً من النماذج الصارخة، على قصور القوانين السورية، وعدم تأمين الأرضية الاقتصادية الاجتماعية اللازمة للتطبيق السليم لها، الأمر الذي يؤدي إلى تجريد الكثير من النصوص القانونية من جزء من مفعولها العملي، بل وإلى تفريغها من مضمونها كاملاً في بعض الحالات، وهو ما يستدعي وقفة جدية من المشرع السوري، ومن السلطة التنفيذية المخولة تطبيق ما يقره هذا المشرع من قوانين، لإعادة النظر في القوانين، وفي الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي تشكل البيئة التي يفترض أن تطبق فيها هذه القوانين.