سائرون.. من انتظار إلى آخر!

يعيش المواطن السوري حالةً دائمةً من الانتظار.

الموظف: طائراً اسمه «الراتب»، ما أن يحط في جيبه أول كل شهر حتى يحلق مسرعاً، خوفاً من المبيت في جيب مثقوب!.

المستأجر: جدران تأويه وعائلته، سيسميها بيتاً حتى لو كانت أربعة جدران في مناطق المخالفات!.

الطالب: الاستيقاظ من كابوس «البكالوريا».

الجامعي: التخرج باكراً والحصول على وظيفة وراتب شهري لا يكفي.

والسلسلة غير منتهية، هموم ومشاكل كثيرة بانتظار فرج ما. 

هناك انتظار من نوع آخر...

في مواقف السرافيس والنقل الداخلي، يقف المواطن وسطَ الزحام منتظراً، ويأتي الفرج أخيراً، آخذاً شكل باص للنقل الداخلي أو مايسمى ميكرو صغير تحملُ لافتته اسم المكان الذي يقصدَهُ هذا المنتظر.

وأياً كان الوقت، في الصباح الباكر أم بعد الظهر، فـ«الزحمة» التي اعتادها المواطن حتى أًصبحت جزءاً من يومياته، هيَ نفسها لا تتغير.

يتراكض الناس من حولك، رجال أنهكهم الجري وراء لقمة العيش، نساء مثقلات بالهموم، شبان وشابات، طلاب مدارس، موظفون... الكلُ يركضُُ مسرعاً علّه يحظى بركوب..

يتدافعون، يصرخ فيهم السائق الغاضب ليفسحوا المجال للنازلين، النساء يستجدين نخوة الرجال، البعض «يطنش» والبعض الآخر يستجيب لاعناً هذا الزمن العاطل الذي لم يعد فيه أخلاق.. يترحمون على  أيام زمان عندما كان الناس أفضل، غير مدركين للأسباب الحقيقية التي أوصلتهم لهذه الحال..

داخل السرفيس: يجلس الناس متراصين، المحظوظون منهم- الذين أتقنوا النطْوَطة أكثر- تمكنوا من الحصول على كرسي، الباقون يجلسون القرفصاء على أرض السرفيس أو يقفون لاعنين حظهم (في حال كان مصيرهم باصاً للنقل الداخلي)..

يكتملُ المشهد بصوت داعيةٍ ينطلقُ من تحتهم ومن فوقهم- يناسبُ مزاج السائق- داعياً الناس ليتعظوا... ليصبح المجتمع كالبنيان المرصوص!.

مشاهد يومية تتكرر في أغلب مواقف السرافيس ووسائط النقل الجماعي: (البرامكة، الفحامة، جسر الرئيس، شارع الثورة، الكراجات...) خاصةً في ما يسمى وقت الذروة.

دمشق، الغارقة في الزحام.. المدينة المختنقة بكل الأشياء؛ الناس والسيارات والفقر والتعب.. دمشق هي الأخرى تعيش انتظارها الطويل..