معضمية الشام.. أعمال قتل واختطاف!
مع اندلاع الأزمة في سورية، وانتشار العنف، وأخذ الأزمة مساراً مسلحاً، أصبح غياب الأمن وانتشار الخطف والقتل من أهم المشاكل التي يعاني منها المواطن، في ظل تراجع دور قوى الأمن، وانشغالها بمهام أخرى، مما أبعدها عن أداء واجبها الأساسي، و تسليح عدد من المجموعات من جانب جهات غير رسمية بموافقة وبغطاء جهات رسمية، والتي باتت تعرف بـ «اللجان الشعبية»، لتأخذ هي دور رجال الأمن في حماية الأحياء والقرى، إلا أن بعض هذه اللجان قد تجاوز الغاية التي أنشئ من أجلها نتيجة غياب الرقابة والمحاسبة الرسمية، مما جعل بعض الفاسدين من عناصر هذه اللجان يقومون بأعمال الخطف، والنهب، وطلب الفدية، والأتاوات من المواطنين، بالإضافة إلى القيام بردود فعل انتقامية في بعض الأحيان من مواطنين محسوبين على مناطق مخالفة لمناطقهم في التوجه السياسي.
اللجان الشعبية
إن معظم أفراد اللجان الشعبية ينتمون إلى فئة المهمّشين العاطلين عن العمل، والذين وجدوا في الالتحاق بهذه اللجان مصدراً للرزق، كما أن عدداً منهم من أصحاب السوابق، إضافة إلى أن معظمهم -بحسب من يعرف بعضهم من فترة طويلة وتعامل معهم يومياً- يؤكد أنهم يعانون من مشاكل اجتماعية، كـ «الإدمان على المشروبات الكحولية، والمخدرات»، وهذا لا ينفي وجود بعض اللجان الشعبية التي تقوم بواجبها في حفظ أمن أحيَائها، لكن هناك شكاوى من أهالي بعض المناطق على أفراد هذه اللجان، وهذا يشير إلى أن البعض يستغل السلاح الموجود بين يديه لغير الهدف الذي وضع من أجله، كما هي الحال في المناطق التي يتشارك فيها المؤيد والمعارض في السكن، أو يتجاورون في الأحياء كـ «معضمية الشام» والتي ورد لـ «قاسيون» شكوى من أهلها الذين لم يجدوا من يستمع لمعاناتهم.
معضمية الشام
يؤكد أهالي منطقة معضمية الشام أنها تشهد فلتاناً أمنياً كبيراً، وأعمال قتل وخطف بين الأحياء التي توصف أنها موالية، و التي توصف أنها معارضه بشكل يومي تقريباً، كما جرى تشكيل لجان شعبية في هذه المنطقة بشكل غير رسمي من أحد رجال الأعمال الكبار في سورية، كما يقول أبناء الحي.
وأوضح أهالي المنطقة، أن ما يحدث في معضمية الشام يعاني منه الأهالي يومياً، فكلما قتل رجل من الحي الشرقي أو الشمالي الذي تسكنه أغلبية مؤيدة ( حسب التصنيفات الدارجة) على يد الجماعات المسلحة، يقوم عدد من أفراد هذين الحيين بمساعدة اللجان الشعبية فيه، بخطف أفراد من الأحياء التي تصنف أنها معارضة، مما يدفع هذه الأحياء، للقيام برد فعل معاكس، وخطف عدد من أفراد الأحياء المؤيدة، وكل طرف يقوم بتعذيب المختطفين الذين بين يده، ثم يقوم الطرفان بعملية مبادلة للمختطفين، لكن المعاناة الأكبر تكمن لدى أولئك الذين فضلوا البقاء على الحياد، فلا هم «مع ولا ضد»، ورغم ذلك لم يسلموا من الخطف أو القتل. كما هي حال أحد الآباء الذين قتل أحد أبنائه بعد خطفه، ولكنه رفض الحديث عن حالته خوفاً من التهديد الذي تلقاه بالقتل فيما لو تكلم، لكن أحد معارفه، روى لـ «قاسيون» القصة كاملةً.
قصة اختطاف
روى «أحد معارف الأب»، أن أبن هذا الرجل تم خطفه، وتبدأ القصة في بداية الشهر، عندما كان عائداً وبحوزته راتبه وراتب أبيه وأمه الموظفين في الدولة، والبالغ مجموعها 64 ألف ليرة، وحيث جرى اختطافه، ونصح البعض والد الشاب المخطوف باللجوء إلى أحد مسؤولي اللجان الشعبية، وعندما عرض الأب مشكلته، أجابه المسؤول: (أننا قد صرفنا على أبنك 3000 ل.س ثمناً لإطعامه خلال فترة وجوده عندنا، وطلب منه إحضار هذا المبلغ قبل إطلاق سراح ابنه)، لم يجد الأب أمامه سوى القبول، وعاد لإحضار المبلغ، لينصحه أحد الأشخاص، بأن يتنازل لهذا المسؤول عن مبلغ 20 ألف ليرة من أجمالي المبلغ الذي كان مع ابنه للمسؤول في اللجان الشعبية لضمان خروج ابنه، وعندما عاد الأب لدفع 3000 ليرة، عرض على مسؤول اللجنة الشعبية ما نصح به، لكن هذا المسؤول الشعبي أخذ 3000 ليرة، طلب من الأب نسيان موضوع ابنه نهائياً، كـتلميح بأن ابنه قتل، وهدده إذا تكلم وتحدث بهذه القصة أمام أحد لكان مصيره القتل هو الآخر، وهذه الواقعة جرى سردها بحسب أحد معارف الأب الذي رفض ذكر اسمه خشية أن يقتل..
كما أن لـ (لأحياء المعارضة) قسطها أيضاً بأعمال الخطف، ليصبح الأمر سجالاً بين أخذ ورد، ومعضمية الشام أحد هذه الأحياء، إضافة إلى انتشار القتل بشكل كبير، وبحسب الأهالي، لا يمر أسبوع إلا وتجد جثة ملقاة في أحد شوارع المعضمية قد تم قتلها ليلاً.
ومن سخرية القدر، هو لجوء أهالي هذه الأحياء إلى مسؤولي اللجان الشعبية، ليعرضوا المشاكل التي يعاني منها الأهالي في هذه الاحياء لحلها، فهم المسؤولون عن المنطقة في ظل غياب دور الدولة، إضافة إلى عدم احترام أفراد اللجان الشعبية لأهالي الحي مهما كانت صفاتهم الرسمية أو الوظيفية، وعدم احترام تاريخ بعض الموظفين الحكوميين، أو العسكريين المتقاعدين مهما كانت المناصب التي تقلدوها قبل التقاعد، أو حتى من هم على رأس عملهم أيضاً.
المضحك المبكي
ومن الحوادث الأخرى في معضمية الشام، هو قيام عدد من أفراد الحي المحسوبة على الموالاة، بإيقاف أحد المكروباصات الموجود في حي معارض، واختطاف أفراده بقوة السلاح، رداً على خطف مجموعات مسلحة لأفراد من الأحياء المصنفة بالموالاة، والذين قاموا بتغطية وجوه المخطوفين «بكنزاتهم» التي يلبسونها، ثم اقتيادهم إلى مكتب مسؤول اللجان الشعبية لديهم، وفي الطريق، كان أحد المخطوفين يحاول الكلام، إلا أنه تعرض للضرب، ومنع من الكلام، وبمجرد الوصول إلى مكتب المسؤول، وهو مكتب عقاري أصلاً، بدؤوا بضرب المخطوفين، قبل أن يصرخ ذلك الشاب عندما سمع صوت المسؤول الشعبي، ويدرك بأنه صوت أخيه الأصغر، ليتحول أفراد اللجان إلى الشجار فيما بينهم بدلاً من ضرب المخطوفين.
قد يعتقد البعض أن ما ذكر من حالات حدثت في منطقة معضمية الشام من نسج الخيال، لكنها ليست كذلك، بل هي معاناة أهالي هذه المنطقة سواءً كانوا «موالين أم معارضين»، وهذا يؤكد أن على الجهات الرسمية أن تعود لدورها في حماية المواطن وفق القانون والدستور، بدلاً من تركه وحيداً في مواجهة مصيره أمام مجموعات الخطف والخطف المضاد أو القتل والقتل المضاد، والتي تستفيد من هذا الواقع الذي يشكل التربة الخصبة لنشوئها ونموها..