التعليم العالي ومشكلاته1/3
في عصرنا الحاضر، وفي إطار العلاقة العضوية بين الجامعة وقضايا مجتمعاتنا الموصوفة بالعالم الثالث، تظهر أهمية مساهمتها الفعلية في عملية التنمية الشاملة، ومن هذه الضرورة الموضوعية يمكن أن نقيّم واقع الجامعة وجدوى فعلها في عملية التطوير، ومدى توافقها مع مفهموم التنمية الشاملة الذي عرفته هيئة الأمم المتحدة على أنه «النمو والتغيّر اللذان تتكامل فيهما جميع أوجه النشاط الإقتصادي والإجتماعي، وتتضمن جميع الإجراءات والوسائل والأساليب التي تتخذ لزيادة الإنتاج من الموارد الإقتصادية المتاحة والكافية لرفع مستوى معيشة الفرد والمجتمع، مع تنظيم عمليات التنمية بشكل يحقق الكفاية والعدل، ويحقق أحسن استخدام للموارد الاقتصادية والبشرية»
فهل تجتهد وتعمل جامعاتنا ضمن هذا المنظور ؟! وهل تحقق مهامها في إعداد القوى البشرية بالمستوى العلمي والفني والمعرفي اللائق لانخراط شبابنا في عملية التنمية؟! وهل تقدم ما يلزم لإنتاج كادر مؤهل ليخوض في المستقبل غمار البحث العلمي الذي أثبتت ضرورات التنمية أهميته الحيوية؟!
تطور كمي وتراجع نوعي!
من حيث الكم، تطورت الجامعات الحكومية وقدرتها الاستيعابية بشكل مترافق مع توسع جغرافي تجاوباً مع سياسة تحقيق المزيد من العدالة العلمية والمعرفية، وبتحول نوعي في منهجية التفكير السياسي استحدثت الجامعات الخاصة في بدايات القرن الواحد والعشرين لتساهم حسب رأي المشرع في استكمال عملية التطور الكمي، ولكن ماذا عن التطور النوعي؟!
في عمليات تصنيف الجامعات في العالم تعتمد المؤسسات المهتمة على عدد من المعايير في عملية التقييم منها: تواجد الجامعة وأعضاء هيئتها التعليمية على صفحات الشبكة العنكبوتية، قيمة المعلومات الواردة في هذه الصفحات ومدى أهميتها التبادلية مع صفحات الجامعات الأخرى، التبادل العلمي الأكاديمي فيما بين أعضائها، القيمة العلمية للأوراق العلمية المنشورة بين عامي 2007 و 2011، تأثير أهم هذه الأوراق العلمية في مجال تخصصها....
ضمن هذا إطار وحسب مؤسسة Ranking web of university(الإسبانية المستقلة)، جاءت جامعة دمشق (الأولى في الترتيب الوطني) في الترتيب 3400، في حين كان ترتيب معهد التكنولوجيا في بومباي الهند 492، جامعة استنبول في تركيا 500، لوس أنديز في فنزويلا 599، جامعة طهران في إيران 645، القاهرة في مصر 796، النجاح الوطنية في فلسطين 1030، هافانا في كوبا 1331، القديس يوسف في لبنان 1813، صنعاء للعلوم والتكنولوجيا اليمن 3706، بغداد في العراق 4341، في حين جاء ترتيب الجامعة العبرية في القدس 213.
تردي المكانة العلمية للجامعات السورية
لعل أهم ما يمكن الانطلاق منه في تفسيرنا لواقع الجامعات السورية مؤشر النسبة بين العدد الإجمالي للطلاب إلى عدد أعضاء الهيئة التدريسية، حيث نجد أنه على المستوى الداخلي تأخذ جامعة دمشق القيمة 37.4، جامعة حلب 57.7، جامعة تشرين 47.4 و 59.3 لجامعة البعث (الحساب مبني على معلومات عن وزارة التعليم العالي).أما على مستوى الدول العربية وبإعتماد مؤشر وسطي عام، تأخذ سورية المعدل 45.5 (بمن فيهم المعارين) في حين أن النسبة 8.9 في العراق، 15.1 في لبنان، 17 في المملكة السعودية، 20.7 في الإمارات، 22 في مصر، 26.8 في المملكة المغربية، 29.1 في المملكة الأردنية، 29.9 في اليمن، 43.4 في فلسطين، ونحو 33.4 في الجزائر، و 57.5 في السودان. (مصدر المعلومات: إتحاد الجامعات العربية لعام 20129
في سياق هذا الإحصاء لا بد من الإشارة إلى:
-1إن وجود عدم دقة في بعض المعطيات المستمدة من مصدر اتحاد الجامعات العربية إنما يدل على عدم جدية التعاون العربي على صعيد العمل المؤسساتي.
-2لم يؤخذ بالإعتبار أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الخاصة السورية لعلمنا أن هذه الجامعات لم تستكمل بعد بناء كادرها التدريسي وما زال أغلب إعتمادها على أعضاء الهيئة التدريسية المعارين من الجامعات السورية الرسمية.
-3لابد هنا من التنويه إلى أن إفتتاح جامعات خاصة عالج جانباً بسيطاً من عملية الاستيعاب الكمي لكنه انعكس سلباً على الجانب النوعي وجودة التعليم الذي سعت السلطات لتطويره في العقود الماضية، وذلك بسبب تسرب أو إعارة عدد كبير من أعضاء الهيئة التدريسية من الجامعات الحكومية إلى الجامعات الخاصة والذي تجاوز نسبة %20 في الكليات العلمية.
أما نسبة أعضاء الهيئة التدريسية لكل مليون مواطن فتدل الإحصاءات على أن المعدل في سورية 322 في حين أخذ هذا المعدل القيمة 124 في المملكة المغربية، 165 في السودان، 251 في الإمارات العربية، 265 في اليمن، 275 في الجزائر، 743 في لبنان، 751 في المملكة السعودية، 896 في العراق، 899 في مصر، 1115 في المملكة الأردنية، 1260 في ليبيا. علماً بأن جامعة دمشق تأسست عام1923 وهي أول جامعة في العالم العربي، يأتي بعدها جامعة القاهرة التي تاسست عام 1925.
فقد الرؤية وضعف في الإنفاق
هذا التردي العلمي للجامعات السورية ما هو إلا محصلة عدم إدراك راسمي السياسات للقوانين الجدلية بين التوظيف الكمي ودوره في التغير النوعي المعتمد كمؤشر في التنمية الشاملة، وهذا ما نجده في معدل الإنفاق لتمويل عملية التعليم العالي، فمعدل الإنفاق الحكومي في سورية كنسبة مؤية من الناتج المحلي الإجمالي لم يتجاوز نسبة %4.9، في مقابل %13.6 في كوبا، %5.7 في المغرب، %5.7 في المملكة السعودية، %5.3 في فييتنام، %5.2 في اليمن، %4.8 في إيران،%4.5 في ماليزيا، %4.3 في الجزائر، %3.8 في مصر، %3.7 في فنزويلا، 3.5 في أندونيسيا، %3.2 في الهند، %2.9 في تركيا، %2 في لبنان، %0.9 في الإمارات، و %6.4 في إسرائيل،. (مؤشرات معهد اليونيسكو للإحصاء عن عام 2008، تقرير 2010)
هذا الضعف في الانفاق العام ما هو إلا ضعف في الرؤية لدى الهيئات التربوية والتعليمية لأهمية العملية التربوية والتعليمية ودورهما المحوري، ولعل أهم مؤشر لنتائج هذا الفقر في الرؤية السياسية مؤشر متوسط عدد سنوات الدراسة، فبناء على إحصائيات سنوات الدراسة في الأعوام العشر الماضية قدر متوسط سنوات الدراسة لعام 2012 بِ 5.7 سنوات (و 4.9 لعام 2010) في سوريا، في حين قدرت في كوبا 9.9، ماليزيا 9.5، الإمارات 9.3، لبنان 7.9، المملكة السعودية 7.8، فنزويلا 7.6، إيران 7.3، الجزائر 7، تركيا 6.5، مصر 6.4، أندونوسيا 5.8، فييتنام 5.5، المملكة المغربية 4.4، الهند 4.4، اليمن 2.5، في حين وصلت في إسرائيل إلى 11.9. (إحصاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2011). ما هو مثير للإهتمام أن معدل الإلتحاق بالمؤسسات التعليمية لجميع المستويات في كوبا لمتوسط الأعوام 2001-2009 جاور متوسط معدلات دول العالم الأول.
هذا الواقع المتردي للتعليم في سورية يفسر لنا أسباب التراجع في عملية التنمية الشاملة، حيث يدل تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2011 والذي تناول قضايا التعليم والتنمية في 187 دولة، أن سورية تأتي في المرتبة 119، الإمارات 30، كوبا 51، المملكة السعودية 56، ماليزيا 61، لبنان 71، فنزويلا 73، إيران 88، تركيا 92، الجزائر96، مصر 113، أندونيسيا 124، فييتنام 128، المغرب 130، الهند 134، اليمن 154، في حين تحتل إسرائيل المرتبة 17 (إحصاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2011)
جزء بسيط من المؤشرات تفتح لنا الباب من أجل تقييم موضوعي لواقع التعليم في الجامعات السورية، نسبة لدول عربية أخرى مثل مصر، لبنان والعراق أو دول تعيش ضمن مناخات سياسية مشابهة مثل إيران كوبا وفنزويلا. فما هي المنصات التي يمكن أن نحدد عبرها العوامل التي تساهم في تردي أوضاع التعليم العالي وعدم القدرة على تحقيق قفزة جدية في مشروع التنمية والنهضة الوطنية، وما هو الذاتي فيها من الموضوعي؟