كهرباء طرطوس.. من يتحمل مسؤولية الفاقد والأخطاء في الفواتير
من أين يأتي الفاقد
من المعروف فنياً أن الفاقد الكهربائي يعبر عنه بنسبة الفرق بين كمية الكهرباء المستهلكة، وضمن خدمات مؤسسة الكهرباء لهذه المحافظة أو تلك من جهة، والأموال التي تمت جبايتها كثمن لهذه الكمية المستهلكة ضمن سعر رسمي للكيلو واط والشرائح الأخرى من جهة أخرى،ومن المعيب والخطير فنياً وأخلاقيا في آن واحد، أن يقترب الفاقد من هذه النسبة الكبيرة (40%) التي يقدر ثمنها بالمليارات، مع العلم إن هذا الفاقد كان في ظل الظروف الطبيعية لسورية، وليس ضمن الواقع الحالي للأزمة, ولو كان لدينا القرار السياسي والإمكانية المعرفية لكيفية استرجاع الأموال المهدورة والمنهوبة بفعل عاملي الجهل والفساد، لخرجت سنوياً شريحة كبيرة من المجتمع السوري من تحت خط الفقر، ولتغير الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البلاد، وكانت تمتنت العلاقات بين فئات وشرائح المجتمع مع بعضهم البعض، وبين الدولة الحاضنة والراعية لهذا المجتمع بكل تكويناته.
وأحد الأسباب الرئيسية لهذا الفاقد الفني، هو اهتراء وتقادم قسم من أسلاك الشبكة الناقلة, أما الأسباب الأخلاقية، فهي التي تتوزع بين التعديات على الشبكة (وهذه التعديات منها خارج إمكانية المراقبة، ومنها مغطى من المراقبين)، وهذه سرقة موصوفة, ومنها عدم جباية كامل قيمة الكهرباء المستهلكة، وتتم هذه العملية إما بالاتفاق بين صاحب العلاقة ومراقب الشبكة وفني مختص من المؤسسة إذا كانت على مستوى صغير, أو تكون بين المراقب أو دونه مع الفني، لكن الشركاء هنا كثر، وترتقي إلى مواقع لا نعرف إن كان لها نهاية ما قبل رأس الهرم الإداري أم لا ! .
اعتراضات
بلغ مجمل الاعتراضات في عام 2012 نحو 8100 طلب, سواءً على إعادة الاشتراك، أو اعتراض على شبكة أو عمود، أو طلبات المتعهدين المتعاقدين مع الشركة بالكامل، أو براءة الذمة00 الخ، أما الاعتراضات التي تتعلق بالاحتجاج على قيمة الفاتورة فكانت 4600 طلب, المستفيد منهم 2140 طلباً، أما بقية الطلبات فكانت مستحقة الدفع، وهذا يعني أن نسبة الخطأ في قيمة الفواتير بلغت 45 %، وهذا الرقم يشكك في رواية المؤسسة بمدى صحة توجهها الجديد والفعال.
أحد المواطنين المعترضين، أجر بيته في طرطوس، فكانت الفاتورة في دورة واحدة بحدود 22 ألف ليرة، والدورة التي تلتها 28 ألف ليرة، مع العلم ان فاتورة الدورة ذاتها في العام الماضي لم تتجاوز 1500 ليرة، علماً أن مكونات البيت لم تتغير.
مواطن ثان صرح لـ»قاسيون»، بأن بيته في الريف، ولا تعمل المراوح في منزله إلا ما ندر, ولا يذهب إليه إلا في العطلة الأسبوعية, ومع ذلك كانت قيمة فاتورته لدورة واحدة نحو 11 ألف ليرة, وقد قدم اعتراضاً، ومنذ شهرين لم يردوا عليه أو يتصلوا به حتى الآن.
مواطن ثالث روى قصة أخرى, حيث أشار إلى أن قيمة فاتورته كانت عن الدورة السادسة من عام 2011 نحو 12 ألف ليرة, وفي الدورة الأولى من عام 2012 بلغت 19 ألف ليرة, علماً أنه دفع قيمة فاتورة الدورة الثالثة خمسة آلاف ليرة، ولم يعترض, وقال: عندما سألناهم إن كانت القيمة صحيحة أم لا؟! فأجابوا: لا نقول لكم ذلك لأنكم قد تلعبون بالعداد, فمن الجهة الأقدر على فعل ذلك؟! هل هي المواطن أم فنيو المؤسسة أنفسهم؟ وبعد دراسة العداد، كان القرار، بأن الكمية مصروفة، والمساعدة الوحيدة المستطاع تقديمها هي تقسيط المبلغ, ويسأل المواطن: كيف أستهلك هذه الكمية مع العلم كنت أراقب العداد حسب توصياتهم؟! وكان مصروفي اليومي لا يتجاوز 14 كيلو! فكيف أصبح 40 كيلو؟! ويقول بأنه عندما دفع قيمة هذه الدورات لم تكن هناك مشكلة في تأمين الغاز بعد، ولم يستعمل الكهرباء أكثر من أي وقت مضى، وكان تقنين الكهرباء يصل إلى تسع ساعات يومياً, لذلك يبدو أن البعض يستقدم عاملاً فنياً من المؤسسة لتخفيض قيمة فواتيره, أنما نحن فلا نفعل ذلك.
رأي مؤسسة الكهرباء
اعترفت مؤسسة الكهرباء بأن الفاقد الكهربائي كان كبيرا, لكنها أكدت من خلال سياسة اتبعتها الإدارة الجديدة على تخفيض هذه النسبة من 28% - 25% تقريباً, من خلال خطة اعتمدت على نقطتين، الأولى: اختيار كادر نظيف, الثانية: تتبع أماكن الاستهلاك العالي (كالمقاصف، والحمولات الكبيرة للمصانع، وغيرهما..)، مشيرة إلى أن نسبة الضبوط سابقا كانت لا تتجاوز ضبطين يومياً، أما حالياً تتجاوز العشرات يومياً, وأنه نتيجة هذا التوجه، وفرت المؤسسة مليارات الليرات..
وعلى صعيد الاعتراضات، أعادت المؤسسة كثرة الاعتراضات من جانب المواطنين إلى القراءة الخاطئة من الموظف المعني، وتقاعس القارئ عن القراءة الأولى، وهذا أحدث التراكمات، وارتفعت الشريحة، بالإضافة لإغلاق بعض المواطنين لبيوتهم خلال الأحداث، واللعب بالعداد من الفني أو من بعض العارفين بآليات التلاعب، كما أن أعطال العدادات تتحمل نسبة 5% أيضاً.
وأشارت المؤسسة إلى أن قسماً كبيراً من المعترضين استفاد من اعتراضه تحت هذه الأسباب، أما المعترضون الذين استحقوا الدفع، فهم مواطنون شعروا بأن الفاتورة الثانية أكبر من الأولى (سوء تقدير)، أو لاعتمادهم على الكهرباء أثناء فقدان الغاز، حيث أصبحت كل متطلبات العمل اليومي على الكهرباء, مما أدى للإسراف في استهلاك الكهرباء نتيجة عدم وعي المواطن..
وأكدت المؤسسة أن قراءة العداد تمر بمراحل متعددة، من القارئ إلى الحاسب، وتدخل على برنامج (الفوترة)، حتى تظهر الفاتورة من خلال برنامج, ودعوا المواطنين لمراقبة استهلاكهم اليومي من خلال العداد، وبالتالي يستطيع أن يضبط ويعرف قيمة فاتورته بدقة.
الأمور بخواتمها
قد تكون الإدارة الجديدة لمؤسسة كهرباء طرطوس قد قامت بخطوات ملموسة في عملية ضبط قسم من الهدر، ونجحت في محاولة تخفيض نسبة الفاقد، وهذا يقع ضمن صلاحياتها وإمكانياتها, ونعرف بان هناك أموراً خارج إمكاناتها بطبيعة الحال، وهو ما يتعلق بسوء إدارة وتخطيط قطاع الكهرباء في سورية, لكن تبقى الأسئلة مشروعة وبحاجة إلى أجوبة بالملموس، وبلغة الأرقام والرياضيات: لماذا لم يتم الحد من الفاقد الكهربائي أكثر من ذلك؟! على الرغم من أن المحافظة صغيرة، وعدد الموظفين كبير جداً؟! ولماذا يحق لموظفي المؤسسة دفع ثلث قيمة الـ 600 كيلو الأولى من فواتيرهم؟! علما أن من يمارس الفساد هو الموظف ضمن هذه المؤسسة، ومنهم من يقوم بتحميل مشتركين آخرين من عائلته على عداده إذا ما كانوا يقطنون في البناء ذاته, وكيف يمكن تبرير العدد الكبير من المعترضين؟! ولما هذه النسبة الكبيرة من الأخطاء في الفواتير؟! وبما يمكن تبرير «الكرم الحاتمي» لهدر الكهرباء في الاحتفالات بالمناسبات السياسية والأماكن الدينية؟! ولماذا لم يتم ضبط الهدر والاستهلاك الكبير في المؤسسات العامة حتى الآن؟!