من الذاكرة: المهم.. والأهم

تلقيت خلال الأسبوع الماضي كالعادة عدداً لا بأس به من الاتصالات الهاتفية من رفاق قدامى وشباب وأصدقاء من قراء قاسيون الأعزاء،

تعبر عن انطباعاتهم وملاحظاتهم ومقترحاتهم، وقد أشار أكثرها إلى تنامي دور الصحيفة لدى المتابعين، وبخاصة في الأعداد الأخيرة. لقد أعادتني هذه الاتصالات إلى تذكر «لازمة» كان يرددها على مسامعنا ــ قبل ستين عاماً ــ الرفيق عبد الرحمن الأيوبي «أبو عمار» وهو الذي رشحني للانضمام إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري «الأفعال وحدها هي الحقائق التي تقنع الناس بصحة الأفكار والمبادئ».. ولقد كان ومازال هاماً ومطلوباً أن يعبر الخط السياسي للحزب وبمنتهى الدقة والصواب عن أهداف شعبنا ووطننا المشروعة والعادلة. ونحن نذكر كيف كنا نُقييم سياسة الحزب بقولنا «لقد أثبتت الحياة صحة هذه السياسة» وطبيعي لكي تثبت الحياة صحة سياسة ما لابد من العمل والنضال والسعي الملوس لتتجسد هذه السياسة أفعالاً على أرض الواقع. وفي استعادة بعض الأمثلة من تاريخ نضال حزبنا ما يؤكد صواب هذا الاستنتاج فلقد رفع الحزب قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً شعاره الكبير «الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب» وهو شعار صحيح وصائب وهام جداً، ولكن هل كان العمل لتحقيقه في مستوى أهميته وما يستحق من نضال وتضحية... لقد انصب الاهتمام على الشق الأول من هذا الشعار وجرى تقصير واضح في الاهتمام بالشق الثاني منه، وهذا خطأ فادح كان سبباً واضحاً في ابتعادنا عن الجماهير وابتعادها عنا.. لقد كنا كمن «ينظر بعين واحدة لا بالعينين كلتيهما» وقد أدرك الرفاق فيما بعد خطأ هذا الموقف.. وانتقدوه وبخاصة في الاجتماعات الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.

والآن ونحن نستعيد ثقة الجماهير شيئاً فشيئاً، وقد بدأت تلمس من جديد حقيقة مواقفنا وسياستنا.. والدليل على ذلك هو ما يتوضح من الحقد المسعور الذي أصاب ناهبي الشعب والوطن، على اختلاف مواقعهم داخل النظام وخارجه.. الذين جمعهم خندق واحد في العداء للشعب وقواه الوطنية ومنها حزب الإرادة الشعبية.. ونحن واثقون أن شعبنا الذي يناضل في سبيل التغيير الجذري الشامل بعد أن استنفد النظام السياسي القديم نظام الحزب الواحد دوره التاريخي.. يدرك أنه سيبني نظاماً ديمقراطياً معبراً عن مصالحة الوطنية العامة والمباشرة.

إن الديمقراطية المنشودة والمعبرة عن المصالح الحقيقية الشعب السوري، هي ديمقراطية المكونات السياسية المدنية، ديمقراطية البرامج السياسية، والصراع الحضاري بينها على أساس التعبير عن مطالب الشعب وتأمين حاجاته المادية والروحية واعتماد مبدأ المواطنة بعيداً عن كل أشكال التمييز على أساس الدين أو القومية، ديمقراطية تكون أداة بيد أغلبية الشعب السوري الكادحة ليردع قوى النهب والفساد عن تقاسم الثروة والسلطة، ديمقراطية تحافظ على الدور التاريخي لسورية وغناها الحضاري، وتعبر عن وطنية الشعب السوري في رفض كل أشكال التدخل الخارجي والهيمنة والمشاريع الاستعمارية القديمة والجديدة.