حي الزهور في دمشق مهمشون على حواف المدينة

حي الزهور في دمشق مهمشون على حواف المدينة

يقع حي الزهور جنوب شرق دمشق، على المساحة الممتدة من المتحلق الجنوبي شمالاً وحتى الشارع الرئيسي لمنطقة دف الشوك جنوباً، ومن أوتستراد الزاهرة الجديدة غرباً وحتى نهاية حي الشرطة شرقاً. وهو بذلك يعتبر حياً سكنياً من العشوائيات، نشأ وتوسع على هذه المساحة التي تعد إدارياً تابعة لمحافظة مدينة دمشق.

بساتين الأمس ... عشوائيات اليوم

توسع الحي كغيره من الأحياء السكنية العشوائية، التي نشأت وتوسعت على الأراضي الزراعية المحيطة بالمدينة، على مساحات كبيرة من (بساتين الشاغور)، حيث اقتصر العمران حينها على عشرات البيوت المتناثرة والمتباعدة فيما بينها، والمحاطة بالأراضي المزروعة وشجر الزيتون، وسميت المناطق المختلفة فيه على أسماء أصحاب البساتين الكبيرة، ومازالت بعض تلك التسميات متداولة لوقتنا هذا كبستان (زغلولة).

ملاذ محدودي الدخل ومطمع المتعهدين

بدأ التوسع الكبير للمساحة العمرانية في هذه المنطقة أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، بحكم التوسع العام لجهاز الدولة بمؤسساته المختلفة، مما جعلها مقصداً للعاملين فيها فاشتروا قطعاً صغيرة من تلك الملكيات الكبيرة وأنشأوا عليها بيوتهم، التي ما لبثت أن تحولت لأبنية طابقية مع مرور السنين، في حين عمد متعهدو البناء، الذين وقعوا على (منجم ذهب)، لرفع الأبنية بطرق ملتوية ومخالفة وبسرعة قياسية وعرضها للبيع بأسعار مقبولة، مع إمكانية (التقسيط)، فأصبحت المنطقة بأكملها مقصداً لأعداد كبيرة من العاملين في الدولة، وللكثير من شبان المدينة غير القادرين على شراء غرفة واحدة ضمن منطقة سكنهم الأصلية في دمشق، فوجدوا فيها فرصة لامتلاك بيت على كتف المدينة وبسعر مقبول يجعل من قضية زواجهم أمراً ممكناً، فيما توافد عمال البناء للسكن في هذه المنطقة لتوفر العمل الذي استمر لسنين طويلة.

بيوت رطبة وأزقة ضيقة

يضم الحي حالياً ثلاثة مدارس تعليم أساسي، اثنتين حلقة أولى وواحدة حلقة ثانية، ولا يقتصر دوام الطلبة على فترة واحدة بل على فترتين، نظراً للأعداد الكبيرة من الطلاب التي تتوافد للمدرسة، كما يضم مستوصفاً صحياً حكومياً، يحوي اختصاصات عديدة، كالداخلية والنسائية وقسم الأطفال والعيادة السنية، ويقوم بمواكبة حملات اللقاح جميعها، كما يوجد في الحي منفذ بيع للمؤسسة الاستهلاكية، كانت توزع فيه المواد التموينية المدعومة، التي توقف العمل بها منذ فترة ولا يتم الاستفادة منه بشكل آخر.

وتعتبر الحديقة العامة التي تفصل بين مداخل الحي وأتستراد الزاهرة بمثابة المتنفس الأنسب لأهالي الحي الهاربين من رطوبة البيوت وأمراضها، فهي ملاذهم في الشتاء من أجل أشعة الشمس، ومتنفسهم الصيفي حين اشتداد الحر، فنسبة البيوت التي لا تدخلها أشعة الشمس في الحي تتجاوز 70%، فالأبنية متلاصقة طولاً وعرضاً والأزقة بين الصفوف ضيقة جداً، حتى يكاد يسلم الجار على جاره المقابل باليد.

المازوت معدوم والأفران تعج (بالشقيعة)

تم إنشاء خزان مازوت من قبل متعهد، يتسع لعشرة ألاف ليتر، كي يتم تأمين مستلزمات أهل الحي من المازوت، ومعاناة أهالي المنطقة مع هذا المركز مزمنة وخاصة في السنتين الأخيرتين، حيث لم يوزع خلالها سوى مرتين اثنتين بمعدل 20 ليتر للعائلة الواحدة، ولم تنفع الشكاوى الكثيرة بحلحلة هذا الموضوع وكانت الإجابات عن الشكاوى دائماً متعددة، حتى ضاعت الحقيقة وملّ الشاكي من الشكوى، ومن ناحية أخرى يؤمن أهالي الحي حاجتهم من الخبز من الفرنين الخاصين الموجودين في الحي، ويشتكي الأهالي من هذين الفرنين من ناحية الوزن والجودة وسيطرة (الشقيعة) وداعميهم، لكن الغالبية العظمى تشتري حاجتها من الفرن الاحتياطي الموجود في آخر أتستراد الزاهرة، كون الجودة أعلى والوزن أقل تلاعباً به، رغم السيطرة الأشد للمتنفذين.

الخوف من أزمة مياه جديدة

يعاني أهالي المنطقة من عدة أمور على رأسها تدني المستوى التعليمي في المدارس الموجودة في الحي، فالازدحام في الصفوف شديد ولا يوجد انضباط إداري وطلابي، وهنالك أيضا مشكلة النفايات، فبرغم المحاولات السابقة لضبط عملية إزالتها، لكنها لم تنجح، فالأزقة الضيقة ضمن الحي بحاجة لحاويات صغيرة كون السكان لا يلتزمون برمي نفاياتهم في الحاويات الكبيرة، البعيدة نسبياً عن سكنهم، والموجودة على أطراف الحي عند الطرق الواسعة، وأما بالنسبة للمشاكل الأخرى فيخشى الأهالي حالياً مع بداية الصيف أن تعود أزمة مياه الشبكة، التي عانوا منها طوال سنتين والتي انتهت فعلياً أوائل العام الحالي، كما أنهم يطالبون بتعبيد الأزقة المحفورة أو التي أصابها العطب وعوامل الزمن، ويأملون أن تنتهي معاناتهم مع مياه الأمطار التي لا يوجد لها تصريف صحي كافي، حيث تبقى الأزقة الفرعية غارقة بالطين حتى انتهاء فصل الشتاء.

المهجرون في حي الزهور

توافدت أعداد هائلة من العائلات المهجرة إلى الحي منذ بداية الأزمة، واستمرت هذه الأعداد بالتزايد ومن أكثر من محافظة، كأرياف دمشق وحلب ودرعا ودير الزور وحمص، وشهد الحي زيادة مضاعفة بعد حركة النزوح الكبيرة من مخيمي اليرموك وفلسطين، ويمكن ملاحظة أن أغلب البيوت المؤجرة للمهجرين تضم أكثر من عائلة واحدة في البيت، وقد أثر الطلب على البيوت في ارتفاع كبير لأسعار البيوت ولبدل الإيجار، حيث وصلت أجرة غرفة ومنافعها بمساحة 20 متر مربع 20 ألف ليرة بالشهر، هذا في حال وجد الراغب غرفة فارغة، فيما ارتفعت أسعار المحال التجارية وخاصة بشارع النور، الذي يعد السوق الرئيس، وبشارع البرج وسوق الخضرة عند جامع عمر، علماً بأن أسعار المواد الغذائية والألبسة والخضروات في أسواق الحي تعد الأرخص سعراً من باقي أسواق دمشق.

مظاهر التهميش تعم المكان

تنتشر عدة ظواهر اجتماعية ذات دلالات محددة، وأخطرها على الإطلاق ازدياد ظاهرة التهميش بأشكال مختلفة، فبسطات بيع الدخان مثلاً لا يمكن حصرها، وأعدادها تفوق أعداد الأنواع الأخرى كلها، وكذلك نسبة العاطلين عن العمل من الذكور والإناث الذين ينتشرون بين أزقة الحي والحديقة العامة، يضاف إليهم العاملون على بسطات الشاي والقهوة والأراكيل، وكذلك الباعة المتجولون، ناهيك عن نسبة الأطفال المشردين الكبيرة التي تزداد باطراد، كما أن انتشار الأكشاك المصنوعة من الشوادر التي تبيع ألبسة البالة، على أتستراد الزاهرة عند سور الحديقة، قد تحولت لملجأ منامة للمهمشين ليلاً...  

سكن السياسات.. سكن الأمر الواقع

لم تنشأ مجمل العشوائيات وتتوسع حول دمشق من العدم أو من باب المصادفة أو خارج علم الحكومات المتلاحقة، بل كانت نتيجة الكثير من السياسات الخاطئة، فكانت فرصة للفساد الكبير المستوطن داخل مؤسسات الدولة كي يملأ بطنه بالرشاوى الكبيرة، فيما تحولت لاستثمار مناسب لأولئك الفاسدين الصغار الذي وظفوا سرقاتهم، فيما بقيت ملاذ البسطاء والفقراء الذين لم يجدوا ما يشترونه بمدخرات حياتهم سوى بيتاً يأويهم في عشوائيات المدينة، بين جدران الرطوبة وتحت تهديد التنظيم العمراني، الذي لطالما شعروا بالخوف من قدومه يوماً، كما حصل مع أهالي نهر عيشة ودويلعة.