الخبز ما زال خطاً أحمر اللون
لم تنتهِ تداعيات قرار تخفيض مخصصات الطحين للمخابز الاحتياطية، وخاصة على مستوى المستهلكين، حتى الآن، كما من الواضح أنها لن تنتهي قريباً، بظل عدم وضوح الرؤية عند مصدري القرار والمسؤولين عن تنفيذه ومتابعته، وبسبب المتضررين المباشرين منه، وعلى رأسهم المتاجرين بقوت المواطن اليومي.
مخبز صحنايا الاحتياطي كان مثالاً حياً عن القرار وتداعياته، التي بدأت ولما تنتهي بعد، على الرغم من استثنائه لاحقاً من القرار المذكور، عبر تعديل الكمية المخصصة للفرن لتصبح 13 طناً، وكان ذلك بسبب الازدحام الشديد الذي شهده الفرن خلال الأيام المنصرمة، اعتباراُ من تاريخ صدور قرار تخفيض الكمية المخصصة للفرن من 15 طن إلى 10 طن، ولورديتي عمل يومياً.
مشاجرات على لقمة العيش
الازدحام الشديد الذي شهده الفرن سبب مشاحنات ومشاجرات، أدت لتدخل العديد من الجهات المعنية بالمنطقة، من شرطة وأمن ولجان وغيرها، بالإضافة إلى حالة الاستياء العام لدى المواطنين جراء اضطرارهم للوقوف لعدة ساعات يومياً من أجل الحصول على الخبز، وبعضهم أتى وذهب لعدة مرات في اليوم على أمل انفراج الازدحام، ولكن دون جدوى، ليعود في اليوم التالي ليرى الحال كما هو عليه دون تغيير، وهكذا.
الازدحام والمشاجرات التي حدثت دعت المحافظ ووزير التموين للاهتمام بواقع المخبز المذكور، حيث شكلت لجنة لدراسة الواقع والاحتياجات، والتي أدت بنتيجتها إلى إعادة النظر بالقرار المذكور، على مستوى مخبز صحنايا فقط، وذلك بأن تمت زيادة مخصصاته إلى 13 طناً من الدقيق يومياً، استثناءً من القرار الصادر.
وعلى الرغم من ذلك ما زال الازدحام هو السائد على الفرن المذكور، ومازالت المشاحنات تجري على قدم وساق أمامه.
صحنايا تستهجن
وفي جولة لمراسل قاسيون بتاريخ 13/5/2016 على مخبز صحنايا الاحتياطي كانت اللقاءات التالية:
موظف في مقتبل العمر قال: «الزحمة اليوم متل مالك شايف، مبارح هيك كانت، مبارح جيت من الساعة 6.45 وحتى الساعة 10.30 بالليل ودون ما أحصل ع رغيف خبز، اللجان عوض ما يحافظوا ع الدور هني عم يعملوا مشاكل، بيجي واحد لابس عسكري بياخد بـ 300 ليرة بدون دور، والمدني بيبقى واقف، في تبداية ناس ع حساب ناس»... «لقمة العيش أهم شي، ما ضل إلا لقمة العيش.. بدها حل».
رجل مسن من أهالي صحنايا قال: «الازدحام من خمس أيام تقريباً، آلوا أنو رجعوا المخصصات... مبارح وقفت خمس ساعات وما أخدت خبز.. وهلأ صرلي ساعتين واقف عم استنى!».
رجل آخر قال: «أنا عمري 65 سنة وببيتي قريب، أجيت 3 مرات وما قدرت آخذ خبز، مبارح اشتريت ربطة من فرن سياحي بـ 300 ليرة وما كفت البيت، كنت اشتري بـ 75 ليرة من هون وكانت تكفينا بالبيت، الازدحام شديد ولا نعرف السبب بهاليومين بس، مبارح واليوم، ليش ما منعرف؟.. أرجو إيجاد حل مناسب لهذه الظاهرة التي لم نألفها في صحنايا سابقاً، كان الخبز متوفر، أجي بالليل 12 أو 1 آخذ خبز وأمشي»
سيدة من أهالي صحنايا تحمل بيدها طفلاً قالت: «من الصبح واقفة هون، وشايلة هالولد، أول مرة الفرن هيك، عندي 8 أولاد ما بقدر أشتري خبز من برا، لازم يأمنوا الخبز ويرخصوا المواد».
سيدة أخرى قالت: «إلي شي 4 ساعات واقفة وعم استنى دوري».
وفي المشاهدات: فقد كان الازدحام شديداً، وهناك دور للرجال ودور للنساء يعادل ضعف دور الرجال تقريباً ويزيد، الأصوات مرتفعة في المكان من كثرة الازدحام والفوضى، ولم يخلو الأمر من مشادات كلامية بين الحين والآخر، أو بعض الكلام والتلطيشات الناعمة على من يتجاوز الدور ممن يرتدي لباساً عسكرياً، أو ممن يجب أن يحافظ على الدور من بعض الجهات الموجودة في المكان، علامات السخط والاستياء ظاهرة على وجوه الناس، كما هي علامات التعب والاجهاد، وخاصة على كبار السن من الرجال والسيدات.
انكار وتنكر
يشار أنه في يوم 13/5/2016 عقد اجتماع في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مع مشرفي المخابز الاحتياطية في دمشق وريفها وبحضور معاوني الوزير، وذلك من أجل بحث موضوع حسن تنفيذ القرار ومحاسبة المقصرين بناءً على المتابعات التي ستتم من قبل لجنة مشكلة لهذه الغاية.
منذ أن صدر القرار كان من الواضح وجود بعض التنصل من مسؤولياته وتبعاته، وقد ظهر ذلك على لسان مسؤولي الوزارة عبر وسائل الإعلام عند صدور القرار، فمنهم من أنكر معرفته بهذا القرار، ومنهم من تنصل من مسؤوليته عنه، ومنهم من قال بأنه تجربة وسيتم دراسة نتائجها، وهكذا..
لاحقاً وبعد أن تم تنفيذه على أرض الواقع في المخابز، كان المنعكس المباشر الذي شاهدناه في الازدحام الذي جرى على منافذ بيع الخبز، بالإضافة إلى المشاجرات التي حدثت هنا وهناك جراء محاولات المناورة من قبل البعض ممن يحسب نفسه متنفذاً وذو سلطة لتخطي دور المواطنين، ليس ذلك فقط بل أن يأخذ كمية من الخبز تزيد عما يتم بيعه للمواطنين، ناهيك عن الطفيليين الذين يسعون للحصول على أكبر كمية من أجل الاتجار بها على حساب المواطن واستغلالاً لظرفه وحاجته.
الفاسدون والمنتفعون معيقون
والحال كذلك فقد كان من الأجدى بالوزارة العتيدة، بحال كانت قد قامت بدراسات تبين من خلالها أنه من الواجب تخفيض المخصصات منعاً للهدر والاتجار غير المشروع بالمادة كمنتج نهائي، أو بموادها الأولية الداخلة بعملية الإنتاج، أن تعمل منذ البداية وقبل إصدار القرار على وضع الآليات الكفيلة بحسن تنفيذه منعاً لأي إشكال يمكن أن يعترض حسن التنفيذ، على الأخص أن الخبز هو القوت الأساسي للمواطنين، ولعلم الوزارة المسبق أن هناك بعض المستفيدين من الاتجار بالدقيق التمويني أو المنتفعين من الخبز التالف أو التجارة السوداء بالخبز وبالعلن أمام المخابز من قبل البعض، ناهيك عن الاستفادة من بقية المواد الأولية الأخرى مثل المازوت والخميرة وغيرها، وهؤلاء الفاسدين والمنتفعين كلهم سيكونون عقبة أمام حسن تنفيذ مثل هذا القرار وسيخلقون أزمة من أجل عدم تنفيذه، ناهيك عن المتربصين الساعين إلى تسعير أي إشكال ليغدو مشكلة وليصير من بعدها أزمة، قد تبدأ ولا تحمد عقباها ونتائجها، ولعل ما جرى خلال الأيام المنصرمة دليل واضح على ما سبق.
رغيف الخبز خط دفاع
فيا أيتها الوزارة العتيدة، لقد فقد المواطن ثقته بدورك على المستويات كافة التي من الواجب أن تكوني بها، ولم يبق إلا رغيف الخبز المبرر الوحيد لوجود جيوش من العاملين والموظفين تحت اسم وزارة حماية المستهلك، وهذا الرغيف هو خط الدفاع الأخير أمام المواطن، بعد وطأة الحاجة والاستغلال، وسياسات الإفقار الحكومي المتعاقبة، كما هو المؤشر الأكبر على أهمية دور الدولة وثباته كما ثباتها، فما بالك تتعاملين مع هذا الأمر بهذا التخبط والارتجال!.