الجامعات الحكومية.. أسئلة من وحي الواقع
بعد ما كان هدف التعليم في سورية إنشاء جيل علمي التفكير، مرتبط بتاريخه وأرضه ومعتز بتراثه من أجل تحقيق أهداف أمته والإسهام في خدمة الإنسانية وتقدمها (وهذا ما جاء وأكده الدستور السوري في مادته الحادية والعشرين)، أصبح الآن نظام التعليم، وخصوصاً في مرحلته الجامعية، يهدف إلى إنشاء جيل غربي معولم ليبرالي التفكير، بعيد عن العلم كل البعد، وذلك من خلال القرارات الحكومية أحياناً، ومن خلال سياسات تتبعها الجامعات الحكومية نفسها أحياناً أخرى، والتي يقوم بتنفيذها دكاترتها وأساتذتها وتهدف في نهاية المطاف إلى إبعاد الطلاب عن الجامعات الحكومية وجذبهم نحو الجامعات الخاصة- التي أغلبية الشعب لا يستطيع تحمل اقساطها- والتعليم الموازي والمفتوح اللذين يدفع فيهما سنوياً للتسجيل فقط مبلغ وقدره ثلاثون ألف ليرة سورية، هذا عدا ثمن الكتب والحاجات الدراسية (المادة السابعة والثلاثون من الدستور السوري: التعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله وإلزامي في مرحلته الابتدائية وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى).
ومن تلك القرارات والسياسات: إصدار قرار حكومي يتعلق بمدة الرسوب في الجامعة الحكومية وقدرها سنتان وكل طالب يتجاوز تلك السنتين يتم إيقاف تسجيله في الجامعة (وهذا ما يعرف بالاستنفاد)، إلى أن يصدر قرار بإنشاء دورات امتحانية للطلاب المستنفدين وتأتي الجامعات الحكومية لتنفيذ هذا القرار باتباع سياسة مفادها: «ترسيب أكثر قدر ممكن من الطلاب» حيث وفي أحسن الأحوال تكون نسبة النجاح مقدرة بـ/20%/ من الطلاب مع العلم أن أغلبية الطلاب، أي ما يقدر بـ/70%/ منهم، تكون ضامنة للنجاح... ومن هؤلاء الطلاب الضامنين نجاحهم توجد/12%/ منهم ضامنة للتفوق، إلا أنه عند صدور النتائج الامتحانية تكون نسبة النجاح كما هو مرسوم من الجامعة نفسها لتشكل صدمة لجميع الطلاب.
فالطالب المجد والنشيط ينال علامة أدنى مما يستحق، أو يرسب، والكسول يتفاجأ بعلامة النجاح مع أنه لم يكتب شيئاً يستحق الذكر على ورق الامتحان!.
فهل الأوراق الامتحانية تصحح بصدق وضمير؟ أم أن الضمير ذهب مع الريح فاسحاً المجال لقدوم المال والغنى الفاحش على حساب الطلاب؟ مع العلم أن أغلب الطلاب هم من طبقة الفقراء المعدومين ومن الطبقة الوسطى. وهل هذه القرارات وتلك السياسات من شأنها أن تضمن التقدم المستمر للشعب بحيث يصبح أهلاً لمسايرة التطور الدائم لحاجاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية (المادة الثانية والعشرون من الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية: يضمن نظام التعليم التقدم المستمر للشعب ويساير التطور الدائم لحاجاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية)؟!.
وهل هذه القرارات وتلك السياسات هي لمصلحة الطالب الجامعي أم لمصلحة فئة معينة من الناس الأغنياء؟. وهل هكذا يتم الإشراف على التعليم وتوجيهه بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج؟.