أزمة الخبز في محافظة الحسكة..
رغم أن محافظة الحسكة هي المصدر الرئيسي لمادة القمح في سورية، وتعتبر بحق الخزان الأساسي لإنتاجه وزراعته وتسويقه وتزويد خزينة الدولة بالعملة الصعبة حينما يكون هناك فائض إنتاجي وخاصة ما قبل السنوات الخمس الماضية،أي قبل غضب الطبيعة والسماء على السوريين.
إلا أن اللافت أن هذه المحافظة تشهد بين الفترة والأخرى اختناقات كبيرة في مادة الخبز التي تعتبر أساسية وخطاً أحمر، ولا يمكن العبث بها بأي شكل، لأن من يعبث بهذه المادة إنما يعبث بالأمن الوطني وأمن المواطن وخاصة في الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد منذ ما يقارب العامين.
صرّح البعض أن هذه الأزمة لم يُعرف لها مثيل في العقود الأخيرة، تمثلت في الانقطاع التام للخبز عن بعض القرى، وعن المئات من الأسر في المدن، ومن حصل عليه فبشق الأنفس، مما ترك حالة من القلق والترقب، وكاد أن يتسبب باضطرابات لولا تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة.
الكميات لا تلبي الحاجات المتزايدة
ساهم سوء الأحوال الجوية وندرة المواسم في الأعوام الماضية وسياسة ممنهجة لإفراغ القرى من سكانها والأرض من أصحابها في محافظة الحسكة إلى هجرة واسعة خارجية وداخلية وخاصة في المدن الكبرى دمشق وحلب واللاذقية، واستقرت هذه الهجرات في أطراف المدن الرئيسية، وفي مناطق المخالفات والمزارع والمداجن والعمل في ظروف صعبة وعصيبة، إلا أن ظروف البلاد الأخيرة وحالات القصف والقتل وعدم الشعور بالأمان وخاصة في مناطق النزاع في الكثير من المحافظات السورية، ساهمت في أن يفكر هؤلاء المواطنون السوريون المهجرون في شتات المدن السورية إلى العودة إلى محافظة الحسكة، باعتبارها من المحافظات الهادئة، ولا توجد فيها حالات قتل وتشريد وهدم منازل ونزاع مسلح بين قوات النظام والمعارضة المسلحة.
وبالفعل عادت إلى الحسكة وقراها مئات الآلاف من العائلات طلباً للأمن والأمان، وهذا ما شكل تحدياً حقيقياً لأفران الدولة التي لم تكن جاهزة لهذا الأمر، وهذا ما تسبب بتعميق أزمة الخبز في محافظة الحسكة بشكل عام، إذ أن الدقيق لم يكن كافياً لهذا القدر الهائل من البشر مما سبب في حالات اختناق شديدة أمام أبواب الأفران، والتدافش والتدافع، ووصل الأمر إلىحد إشهار السلاح أمام بعض الأفران.
خبز سيئ للغاية
لا يختلف اثنان على أن الخبز المصنوع في عموم أفران الحسكة يتسم بسوء في مواصفات رغيف الخبز في المنطقة وخاصة الموزَّع عن طريق المراكز، ويعلم الجميع أن التلاعب في مواصفات رغيف الخبز أصبح أمراً واضحاً للعيان، فأحياناً تجد رغيف الخبز غير ناضج على نحو جيد وأحياناً أخرى يكون الإنتاج ضمن المواصفات المطلوبة، والسبب في ذلك التلاعب بمقادير إنتاج الخبز.
فمن الصعب والعسير جداً أن يؤكل رغيف الخبز في اليوم نفسه لرداءة تصنيعه، فكيف إذا بقي إلى اليوم التالي؟ كما أن الجميع يعرفون مدى التلاعب بالوزن أثناء شراء الخبز، ويقول العديد من المواطنين كثيراً ما قمت بوزن ربطة الخبز بعد شرائها فلم تكن موحدة الوزن أبداً، فكل يوم نجد حالة من التلاعب من دون أن تقوم الجهات الرقابية بقمع هذه الظاهرة السلبية، رغم الشكاوى الكثيرة ولكن لا حياة لمن تنادي، ويطالب المواطنون بزيادة عدد مراكز الخبز على اعتبار أن المخابز الحكومية أكثر جودة من الأفران الخاصة
متاجرة بالخبز
أينما ذهبت وأمام أي فرن في الحسكة سترى أن هناك كثافة كبيرة في السكان والحصول على ربطة خبز يتطلب الوقوف أكثر من ساعة في الدور وهذا مرهق بالنسبة للنساء والعجائز، ويطالب المواطنون بقمع ظاهرة المتاجرة بالخبز أمام الأفران حيث تباع الربطة بضعفي ثمنها الحقيقي عدا عن إنقاص عدد الأرغفة داخل ربطة الخبز وتكبدهم خسارة كبيرة.
قرارات ولكن
كان محافظ الحسكة خضر الحسين قد وافق مؤخراً على مقترحات فرع الشركة العامة للمخابز في الحسكة بإيجاد البدائل الممكنة لحل ظاهرة أزمة الخبز بزيادة طاقة المطاحن العامة وجلب الطحين من المحافظات الأخرى بأي طريقة كانت واللجوء إلى المطاحن الخاصة الموجودة في المحافظة. وجاءت مقترحات فرع الشركة نتيجة للجوء مديرية الاقتصاد بين الحين والآخر إلى خفض مخصّصات المخابز الخاصة بسبب قلّة الدقيق مما انعكس سلباً على عمل المخابز العامة من حيث اهتلاك الآلات بسرعة لعدم التوقف عن العمل ولعدم إجراء الصيانة الدورية لها واستمرارية العامل بالعمل لأكثر من /12/ ساعة، مما خلق أزمات خانقة على أبواب المخابز العامة.
بدوره أكد مدير عام شركة المطاحن أبو زيد كاتبة أن نسبة الزيادة في كميات الدقيق الإضافية الموردة إلى المخابز وصل خلال الأيام القليلة الماضية إلى 30 بالمئة زيادة عن الكميات التي كانت توزع في الحالات العادية لأن معظم الأفران زاد عدد ساعات عملها لما لا يقل عن 8 ساعات يومياً ما يجعلها بحاجة إلى هذه الزيادة.
وبعد..
تبقى أزمة الخبز في محافظة الحسكة مفتعلة لأن المواطن من حقه أن يصله الخبز تحت أي ظرف، والدولة من واجبها تأمين هذه المادة الحيوية للمواطن، وكان على الدولة أن تعلم أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد ستساهم بهذا الشكل أو بآخر في زيادة في أعداد المواطنين العائدين إلى الحسكة أو غيرها، وبالتالي القيام بالدراسة المعمقة لتلافي فقدان الخبز في الأفران وفي بيوت أهل الحسكة.