طلبة ومدارس...  بين تخفيض الإنفاق والصقيع و(أنانية» بعض الإدارات

طلبة ومدارس... بين تخفيض الإنفاق والصقيع و(أنانية» بعض الإدارات

تركت السياسات الحكومية التقشفية، و تقليص الإنفاق على مجمل العملية التعليمية والقطاع التربوي، كما غيره من القطاعات، أثاراً سلبية على تأمين مستلزمات العملية التربوية التعليمية، في العديد من المجالات، ومنها تخفيض مخصصات مازوت التدفئة للمدارس، ناهيك عن استئثار بعض الإدارات المدرسية بكميات المازوت المجدودة اصلاً، واستخدمها لتدفئة أنفسهم، أدى بالطلبة إلى ابتكار حلول غير مجدية في بعض الاحيان، أو الامتناع عن الدوام في أحيان أخرى، وحتى الهروب من صفوفهم ومدارسهم قبل انتهاء الدوام الرسمي، إلى منازلهم لالتماس الدفء فيها.

طلاب: صفوفنا تتجمد برداً.. وغرف الإدارة تتوهج دفئاً

قال أحد طلاب مدرسة عبد الرحمن الكواكبي في منطقة الميدان بدمشق «إن التدفئة في صفوفنا معدومة، بينما ترى غرف الإداريين دافئة، والطلاب يتجمدون برداً ويمرضون، بسبب هذا الوضع».

وقال طالب بكالوريا في دمشق «كلما ذهبنا للإدارة لنشتكي لها شدة البرد في الصفوف، يكون الجواب أنه لا يوجد مازوت كافٍ، ونحن نرى بأم أعيننا الوهج من غرف الإدارة وأمانة السر، وحتى الآذنة».

وتساءل الطالب» ماذا نفعل ولا نملك قدرة مادية على الدراسة في المنازل وحدنا، أو الاستعانة بأستاذة خصوصيين؟؟».

ولفت الطالب إلى أنهم قاموا بتكسير المقاعد القديمة جداً في المدرسة، ووضعها داخل المدفأة في الصف، والتي هي بالأساس مدفأة مازوت، وقاموا بإشعالها، لكن على حد قوله «لم نستفد كثيراً، حتى أننا اقترحنا احضار مدافئ حطب عوضاً عن مدافئ المازوت كونه غير متوفر، إلا أن الإدارة رفضت، متذرعة بأن رائحة مدافئ الحطب شديدة وضارة».

وأكد أن الطلاب يفكرون بالهروب للمنازل طلباً للدفء، ولا تعمل المدفأة في الصف أكثر من عشر دقائق.

واعترف أنه يهرب من المدرسة منذ عدة أيام، بسبب مرضه الذي اشتد في ظل البرد القارس بالصف، حيث يذهب لحضور العملي، ويهرب بعده مباشرة.

ومن جانبهم، لم يتوان طلاب البكالوريا في مدرسة المعلوماتية بباب الجابية في دمشق، عن الهروب من مدرستهم والتخلي عن الدروس فيها، بسبب عدم تأمين مازوت التدفئة للصفوف.

عدوى تقليص الإنفاق وصل للمدارس الخاصة

ولم تكن أحوال بعض المدارس الخاصة في دمشق أفضل من نظيرتها الحكومية، إذ لم يشفع لطلاب تلك المدارس الأقساط المرتفعة التي يتكبدها آبائهم لإلحاقهم بمدارس خاصة، استناداً على سمعتها أو غير ذلك من مبررات، حيث انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي صوراً لقاعات التدريس في إحدى المدارس الخاصة، يظهر فيها عدد قليل من الطلاب الذين قرروا متابعة الدوام رغم انعدام وسائل التدفئة المفترض تواجدها، بينما استخدموا حرامات جلبوها من منازلهم ليؤمنوا الدفء لأنفسهم، وكأن عدوى التقنين وتقليص الإنفاق والترشيد الحكومي على التدفئة قد وصل إلى المدارس الخاصة أيضاً. 

وبحسب مجموعة من الطلاب في مدرسة بجرمانا في ريف دمشق، فإن حرمانهم من المازوت والتدفئة ليس جديداً هذا العام، فلطالما كانت الصفوف باردة جداً، لدرجة تمنعهم من التركيز في الدروس والمعلومات أثناء الحصص الدراسية، إضافة لمرضهم الدائم في الشتاء بسبب البرد القارس، على حد تعبير الطلاب.

مدرس: مفتشو التربية لا يحاسبون.. والأذنة يتحكمون

ومن جهته قال أحد المدرسين في جرمانا، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن قرار منع المازوت عن غرف المدرسين ليس معمول به على الإطلاق، ولا يتم محاسبة أية مدرسة تستخدم المازوت في الغرف الإدارية، حتى لو جاء المفتشين والموجهين من مديريات التربية، لا يتم التطرق لهذا الموضوع مطلقاً.

وتابع  المدرس، إن بعض المعلمين حتى لا يعرفون بمثل هكذا قرار، لأن المدافئ تؤمن لغرف الإداريين منذ بداية الفصل، عكس الصفوف.

ولفت المدرس إلى أن الطلاب يشتكون فعلاً من برودة الصفوف.

مخصصات الصف .. ليتر واحد يوميا!!

وحول الموضوع، قال مدير تربية ريف دمشق، خالد رحيمة، في حديث إذاعي «هناك مخصصات من مادة المازوت لكل شعبة صفية في كل فصل دراسي، حيث تم تخصيص الشعبة الصفية الواحدة بمئة ليتر، وذلك عن 85 يوم دوام فعلي، وتقرر الإدارة توزيع هذه الكمية واستخدامها بحسب الطقس خلال الفصل، وهذه الكمية مدروسة وكافية تماماً، حيث تكون الشعبة الصفية قادرة على استخدام أكثر من ليتر مازوت يومياً».

وأضاف رحيمة إنه «بحسب تقديراتنا، قد تكون الحاجة لإشعال المدفأة في الصفوف، لا تتجاوز 30 يوماً من الفصل الدراسي كاملاً، وذلك بمعدل ساعة واحدة صباحا لحين شروق الشمس وتحسن الطقس عادة».

وبناء على كلام رحيمة، فإن الطلاب سيكون عليهم تحمل البرد لأكثر من أربعة أخماس الدوام، لأن كمية المازوت تكفي لتشغيل المدفأة لمدة ساعة واحد فقط من أصل ساعات الدوام الخمس.

وبّين رحيمة أنه «يتم تزويد المدارس في محافظة ريف دمشق بمخصصاتها من المازوت على دفعات، حيث كانت أول دفعة بتاريخ 21 تشرين الأول الماضي، ومنذ عدة أيام تم منحهم الدفعة الثالثة».

فقط 150 ليتراً لثلاثة أشهر 

وفيما يخص المدارس في المناطق شديد البرودة، قال رحيمة «بالنسبة لمدارس المناطق الباردة في المحافظة، مثل قطنا ويبرود والنبك والقطيفة، فيتم منحها مخصصات أكثر من بقية المناطق نظراً لبرودة الطقس فيها، وتصل الكميات التي تزود بها في الفصل الواحد إلى 150 ليتر».

وأكد رحيمة وجود نقص في مازوت التدفئة في مدارس جرمانا تحديداً، حيث قال «وبالنسبة لمدارس جرمانا، فقد تلقوا دفعة من المازوت حديثاً، بمتابعة شخصية مني، و حالياً لا يوجد لديهم نقص بالمادة إطلاقاً».

ويدل كلام رحيمة، على أن بعض الكوادر الإدارية في بعض المدارس، تستخدم مادة المازوت في غير مكانها، وتحرم الطلاب منها.

مخصصات المدارس فقط للطلاب 

وكشف رحيمة أنه «بموجب القانون، من غير المسموح وضع مدافئ في الغرف الإدارية، حيث لا يوجد مخصصات من المازوت للمدرسين أو الإداريين، وتجاوزاً تم السماح لغرفة المدير بوضع مدفأة، حيث يمكن لبقية الكادر الإداري الاجتماع فيها في أيام البرد الشديد».

وحول عقوبة ذلك، أكد رحيمة أن «من يخالف القانون هناك عقوبات شديدة بحقه تصل إلى إنهاء التكليف سواء كان المخالف مدرساً أم مديراً».

وبنتيجة سياسات التقشف وضغط الإنفاق الحكومي على القطاع التربوي, وغيره من القطاعات، وتقليص مخصصات المازوت الخاص بالتدفئة للمدارس، فإن حال المدارس لن يتغير، والصفوف ستبقى تئن بأوجاع طلابها وآهات بردهم، كما سيبقى هناك بعض الأنانية لدى بعض الإدارات هنا وهناك.

والحق يقول أنه ليس من الإنصاف أن يتعرض الطلاب كما الكادر التدريسي والإداري للبرد، ولعله من الإنصاف العدول عن سياسات التقنين في اعتمادات التدفئة للمدارس، ومراقبة حسن استخدامها، بدلاً من أن يصل الأمر إلى فقدان الثقة بين الطلاب والإدارة والمدرسين، حفاظاً على حسن سير العملية التربوية والتعليمية وغاياتها، كما وإعادة النظر بكل السياسات التقشفية للحكومة على كل القطاعات، بحجة وذريعة ضغط الانفاق وترشيد الاستهلاك، والبحث عن الأماكن والمطارح الأكثر هدراً وإنفاقاً، وتطبيق الترشيد والتقليص عليها.