محمد هاني الحمصي محمد هاني الحمصي

المعاناة اليومية للمواطن تعزز أزمة عدم الثقة

على الرغم من المحاولات التي قامت بها الحكومة لاستعادة هذه الثقة بينها وبين المواطن، إلا أنها لم تحز على تلك الثقة، والمواطن له كل الحق بذلك لأن كل ما يطلق عليه اسم الإصلاح بقي حبراً على ورق، ابتداءً من رفع لحالة الطوارئ وإصدار قوانين الأحزاب والإعلام وصولاً إلى الدستور الجديد وانتخابات مجلس الشعب، ولعل نتائج الانتخابات الأخيرة وشكل إدارتها تدلل على ذلك بوضوح

بل أن الأزمات المستمرة والمتفاقمة أدت إلى زيادة الهوة بين المواطنين والحكومة، وليست الأزمات وليدة «الأزمة الكبرى» التي تمر بها البلاد منذ أكثر من عام، بل هي الأزمات نفسها المتكررة منذ أن بدأت الحكومات المتعاقبة تجنح إلى الابتعاد، جهلاً أو تجاهلاً، عما يصب في خانة المصلحة العامة كمعيار أساسي لنجاحها.. أما الأزمة الوطنية الحالية فقد ساهمت بكشف المزيد من المصائب المختبئة خلف التصريحات الحكومية القديمة والجديدة، وعمّقت الشعور بالتناقض الحاصل بين مصالح القلة والفاسدين المتخمين، ومصالح الكثرة والفقراء المهمشين.
وما زاد الطين بلة هو اللجوء إلى الحلول الأمنية الصرفة دون التعامل مع حاجات الناس الأساسية، سواء الاقتصادية أو السياسية، بطريقة تخفف لهب الاحتقان الاجتماعي المتفجر في كل مكان من البلاد، ورغم كل ذلك ما تزال وعود الإصلاح قائمةً دون لمس حقيقي لهذا الإصلاح المطلوب والمنشود من كل السوريين، شئنا أم أبينا!.

المازوت أزمة مستعصية حتى الآن

أربع أزمات في مجال الطاقة عصفت بسورية، كانت أولى هذه الأزمات أزمة المازوت التي استمرت طوال فترة الشتاء الماضي، وهي مستمرة حتى الآن، فمعظم وسائط النقل وخصوصاً الميكروباصات تعاني بشدة من نقص المازوت من أغلب محطات وقود العاصمة، وفي هذا الصدد يقول (و.س)، وهو سائق ميكروباص على خط قدسيا: نحن سائقي ميكرويات قدسيا نعاني بشكل فظيع من نقص مادة المازوت وقد يضطرنا الأمر إلى الوقوف حتى ساعتين أو ثلاث  بسبب ذلك، وقد نرغم على شراء المازوت من السوق السوداء مقابل 50 ليرة لليتر الواحد في حين أن سعره الرسمي بعد رفعه مؤخراً 20 ليرة فقط.

وكان وزير النفط سفيان علاو قد صرح أن مادة المازوت متوافرة على المستوى الاستراتيجي والكميات المتاحة أكبر من التي كانت في العام الماضي والحالي عن الفترة نفسها من العام الماضي، ولكن لا يمكن تلبية احتياجات الناس في لحظة واحدة مهما كانت الخطط الموضوعة سليمة وموضوعة بإحكام، وخصوصاً مع انتشار التهريب من عصابات التهريب المعروفة بارتباطاتها، ودعا المواطنين إلى أخذ احتياجاتهم من مادة المازوت لا غير.. غير أن مشكلة المازوت كانت ولا تزال مشكلة معقدة وإن عملت الحكومة على إنكارها وتفاقمت إلى ظهور المتاجرين بها حيث وصل سعر الليتر مؤخراً إلى 45 ليرة و50 ليرة وهنا أصبح المواطن وخصوصاً سائقي الميكروباصات العاملين في أكثر القطاعات حيوية للبلاد، والذين باتوا مرغمين على الشراء بأسعار السوق السوداء جراء التقصير الحكومي في تأمين هذه الماده.

 
البنزين لا يختلف حالاً

رفعت الحكوم سعر البنزين في كانون الأول الماضي بزيادة 5 ليرات على كل ليتر، فأصبح سعر الليتر العادي 50 ليرة والممتاز 55 ليرة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار تسعيرة سيارات الأجرة، وأحدث خللاً أمام الكثير من محطات البنزين، حيث شوهدت السيارات في بعض الفترات وكأنها طوابير وقد امتدت في شوراع العاصمة الرئيسية، مسببة أزمة مرورية رهيبة لم تشهد دمشق لها مثيلاً من قبل، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل تعدى ذلك إلى القلق الذي وصل إلى نفوس أصحاب المحلات التجارية والأهالي من خوفهم من عدم توفير كميات كافية من البنزين المطلوب لتشغيل مولدات الكهرباء التي تستهلك كمية كبيرة من البنزين، فاصطفوا بدورهم حاملين الغالونات.

يتساءل عماد، وهو مواطن عادي: لماذا لا يسمح لنا بتعبئة العبوات والبدونات الصغيرة؟ نحن مقتنعين تماماً أن هنالك مشكلة بالكهرباء ولم نجادل في الأمر، فلماذا يصعب علينا نحن الحصول على مادة البنزين؟..

غير أن وزير النفط سفيان علاو من خلال تصريح سابق له نفى وجود أي أزمة للبنزين مشيراً إلى أن كمية البنزين الموجودة تزيد عن حاجة دمشق والمنطقة الجنوبية برمتها، ومنوهاً بأن الحديث عن نقص في مادة البنزين خضع للإشاعات والتضخيم من  أصحاب المحطات على وجه الخصوص، وذلك على الرغم من أن محطة وقود واحدة لم تتوقف عن العمل والتزويد.. ويقول أبو محمود، وهو صاحب تكسي، للأسف ما يزال المسؤولون يعيشون في عالم آخر وهو عالم الإصلاح الوردي!.
 

الغاز أزمة.. قد تحل!

أزمة الغاز التي تعرض لها المواطنون خلال الشهور القليلة الماضية كانت مرهقة فعلاً، حيث ارتفع سعر جرة الغاز خلالها إلى 450 ليرة، وها هي الأزمة تتجدد اليوم بزخم جديد وقد تصل بسعر الجرة إلى 900 ليرة..

من الطبيعي القول إن أزمة الغاز أنتجت آثاراً سلبية حقيقية على جميع النواحي الاقتصادية للسوريين، لا سيما أصحاب المطاعم الذين بدؤوا بتكديس ما تيسر لهم من أسطوانات الغاز بأسعار فلكية قبل أن تفقد من السوق بشكل نهائي، وهو ما أدى إلى رفع أسعار بعض أنواع السندويش مثلاً، مثل الفلافل والهمبرغر والشاورما.. وحتى أسعار الفروج المشوي والبروستد طالها الارتفاع.

وما يزيد الطين بلة بالنسبة لهذا الموضوع فقدان الرقابة، فالرقابة الحقيقية معدومة كلياً فعندما يعود الغاز لا تنخفض الأسعار ويبقى المواطن في جحيم المعاناة، ولا يعرف بعد إذا كانت الأزمة عابرة أم متكررة وسوف تعود، لكن المعروف هو أن أسطوانة الغاز إن وجدت فإما أن تكون بسعر مرتفع حيث وصل سعرها في بعض مناطق دمشق قبل أيام  الى 1500 ليرة أو يكون نصفها فارغاً بسبب الغش والتلاعب بأسطوانات الغاز من أوسع الأبواب.

 
المواد الغذائية والاستهلاكية بأسعار جنونية

تشهد الأسواق السورية منذ أسابيع طويلة حتى الآن ارتفاعاً جنونياً في أسعار المواد الغذائية الضرورية والكمالية على حد سواء، وبرغم تصريحات المسؤولين ووعودهم بضبط الأسعار وبالإصلاح ومراقبة الفساد غير أن العجز الحكومي واضح والارتفاع مستمر دون مبرر، والذريعة دائماً هي ارتفاع سعر الدولار، والأسعار لم تعد تناسب ذوي الدخل المتوسط فكيف بأصحاب الدخل المحدود؟ والغلاء متواصل وجميع السلع أصبح سعرها غير معقول، فهل يعقل أن يصل سعر كيلو الرز إلى 80 ليرة وكيلو السكر إلى75 ليرة؟ أما الفواكه فحدث ولا حرج، لقد باتت أسعارها غير مقبولة أبداً، وتقول بشرى، وهي ربة منزل: إن الأسعار كاوية وترهق كامل المواطنين وتخضع لمزاجية الباعة فهي بعيدة كل البعد عن الرقابة وتختلف من بائع إلى أخر.. بينما تقول نيرمين: أصبحت الأسعار نارية لا تحتمل وكل السلع ارتفعت دون مبرر لتكون نسبة الزيادة في أقل من سنة بما يفوق المائة بالمائة، والسبب الأساسي في ذلك هو فشل الحكومة في السيطرة على السوق كما أعتقد.

في ختام الحديث

في ظل هذه الأزمات الصعبة التي مرت وتمر بها البلاد ما الحل؟ ما السبيل؟ وكيف الطريق إلى الإصلاح مالم يكن عبر حل المشكلات الأساسية للمواطنين؟ أما آن للحكومة أن ترى الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي للمواطن وتدرك الحقيقة المرّة.. أم أنها تعيش وحدها في عالم آخر وليس في وطن اسمه سورية؟!.