الثروة الحيوانية في سورية وخطر الاندثار
تعتبر الزراعة بشقيها النباتي والحيواني في سورية من أهم أعمدة الاقتصاد السوري المأزوم، حيث تعرضت الزراعة والمزارعون معاً إلى مسلسل من النكبات، بالإهمال والتدمير المتعمد في أغلبالأحيان، على مدى سنوات طويلة، وهذا أدى إلى تراجع هائل في الخط البياني للتنمية التي مازالوا (يجعجعون) لها وخاصة في المنطقة الشرقية، إلا أن الثروة الحيوانية لاقت نصيبها المقسوم وقدرهاالمحتوم المسلط على رأسها من الحكومة وفاسديها.
تشكل الثروة الحيوانية في سورية رافداً هاماً وأساسياً في الاقتصاد الزراعي والأمن الغذائي، وامتازت بادية الشام على مر التاريخ بامتلاكها واقتنائها أجود أصناف أغنام العواس والماعز الشامي، والتيتنافس السوق العالمية من حيث جودة اللحوم، وتؤمن حوالي %70 من اللحوم المعدة للاستهلاك اليومي عند المواطن السوري، ولقد تأثرت الثروة الحيوانية وهي الكنز الثمين بعوامل عديدة أهمهاالجفاف الذي تأثرت به المنطقة خلال السنين الماضية، وقلة المراعي في البادية السورية، والذبح الجائر للفطائم، والتصدير المزاجي الهمجي خارج القوانين من قبل التجار الفاسدين، وقلة الأعلاف فيمؤسسة الأعلاف رغم توفرها وغلاء أسعارها في السوق السوداء، وارتفاع أسعار الأدوية الزراعية والبيطرية المهربة دون رقيب أو حسيب.
ما زاد الطين بلة أن وزارة الزراعة قامت عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وعن طريق مديرياتها بالإعلان عن عملية إحصاء مركزي للثروة الحيوانية في سورية، والهدف منها إحصاء عامفقط، لا يفيد ولا علاقة له بكميات العلف الممنوحة للمربين، ولا للتسجيل على آليات زراعية، ما جعل المربين لا يهتمون به ولم يتقدم الكثير منهم للمشاركة به. وقامت الوزارة في شهر تشرين الثاني عام2010 بحملة إحصاء في كامل المناطق السورية، وانتهى خلال خمسة أيام، وكان العدد في محافظة الرقة حوالي مليون وثمانمائة ألف رأس، وهذا الرقم يعتبر صحيحاً (زائد ناقص %5)، ولكن هناكنسبة كبيرة من المربين تخلفوا عن الإحصاء كونهم لا يستفيدون منه على مستوى العلف أو التسجيل على آلات زراعية، وبعد صعود أرقام الإحصاء إلى الوزارة تم اعتمادها كإحصاء حقيقي تدخل فيهالكتلة العلفية للعام 2011 وما بعد، وأعطيت دفعتان من العلف، وهنا ظهرت (لعبة) الوزارة التي كان من نتائجها حصول نقص في الإحصاء الحقيقي في المحافظة، وذهاب المربين إلى مراكز الإحصاءلتدارك تسجيل من لم يجر إحصاء مواشيه، وهنا حصلت مشاكل وضجة هائلة بين مديريات الزراعة والمربين الذين يشكون قلة الأعلاف، فتمت مراسلة الوزارة لفتح الإحصاء من جديد واستدراك ما لميتم إحصاؤه، وقامت الوزارة باستدراك ذلك ولكن بعد شهر حزيران 2011 ولنهاية 2011/9/30. ومع ذلك لم يتم استدراك قسم كبير جداً من الثروة الحيوانية، بسبب الفساد والمحسوبيات، وإيهامالمربين بأن الإحصاء في عام 2010 غير مخصص للعلف.
إلى متى سيبقى الفساد معششاً في المفاصل الهامة من الدولة ويتحكم بالقرار الاقتصادي وكأن مهمته الأساسية هي تدمير اقتصاد البلد؟ يجب إجراء إحصاء جدي ومسؤول خلال 15 يوماً للوقوف علىحقيقة ما يجري، وحصر واقع الثروة الحيوانية، والحفاظ عليها من الدمار والتلاشي.