عن عمر أميرلاي
خليل صويلح خليل صويلح

عن عمر أميرلاي

على سفح جبل قاسيون، يرقد جثمان عمر أميرلاي، كأنه اختار مكاناً يتيح له تثبيت العدسة على منظر بانورامي لدمشق كي لا يفوته المشهد كاملاً. هل يدير حواراً الآن مع الشيخ محيي الدين بن عربي الذي يرقد على بعد أمتار منه حول معنى التصوف، أم أنه يضع اللمسات الأخيرة على الجزء الثاني من «الطوفان»؟

ليلة رحيله، كان مطر خفيف يبلل الشوارع، فيما كانت الصورة مثبّتة على «ميدان التحرير» في القاهرة، وبدا أن زمناً عربياً آخر يعلن مخاضاً مختلفاً. جلطة دماغية مباغتة، ألغت مشاريعه المؤجلة في توقيت سيئ. غيابه الباهظ فاتورة لا تعوّض، في لحظة سورية غائمة، فنحن أحوج ما نكون إلى حكمته الجليلة لمعرفة جهة البوصلة الصحيحة، وإدارة الخطة بدقة وبأخطاء أقل.

كارثة حقيقية أن يغيب سينمائي من مقام عمر أميرلاي، لحظة تراكم مواد خام نادرة لصناعة شريط استثنائي لا يمكن أن يصنعه أحد سواه بالخرائط نفسها ووضوح دقة العدسة. وكي نقلل من حجم الخسائر سنقول في عزاء أنفسنا «ألم يطلق الشرارة الأولى للنفير؟»، ذلك أن الأرشيف الذي يحمل توقيعه لا يضاهى، فهو واحد من قلائل ممن وضعوا الفيلم التسجيلي السوري والعربي في مكانة رفيعة. أشرطة لا تساوم ولم تذهب يوماً إلى النبرة الفلكلورية والسياحية التي نجدها في مقترحات الآخرين.

شخصياً، سأعود على الدوام، إلى شريطه «الحياة اليومية في قرية سورية» (1974)، وأنا أتتبع الوجوه البائسة والكالحة لبشر يعيشون في قرية بعيدة، تحت وطأة الإهمال، والعسف العشائري والحكومي. قرية «مويلح» عند حدود دير الزور والحسكة، لا تبعد عن قريتي أكثر من كيلومترات، لكنها صورة طبق الأصل عن ذلك البؤس. إثر مشاهدتي الأولى للشريط، قلتُ لنفسي «أنا واحد من هؤلاء التلاميذ الحفاة الذين نشؤوا في العراء»، لكن الخطأ الذي ارتكبته، هو أنني غادرت إلى دمشق لأحقق مشروعي هناك، فيما صفعني عمر أميرلاي بصورة صاعقة، ستكون درساً بليغاً لي، فقد قطعت مسافة ألف كيلو متر كي أكتب نصي الخاص، وإذا بي أكتشف بأنني تركت نصي ورائي. هل كان عليّ أن أوقّع هذا الشريط بنفسي؟ ولكن من يجاري عمر أميرلاي في فضح الخزي؟

تحية تتجدد في ذكرى غيابه الأولى.