حديث النوايا

حديث النوايا

لا أعرف بالضبط ماذا تعني (نوايافي العمل الحكومي، ولكنني أعرف أن الحكومات لا تعمل وفق نظرية النوايا سواء أكانت حسنة أم سيئة، فهي تملك الرؤية المستقبلية والمستشارين، والفريق الاقتصادي، والاستراتيجيات بعيدة المدى، وحكوماتنا على الأخص تضعالخطط الخمسية وتنفذها بحذافيرها، والدليل في الحال التي وصل إليها اقتصادنا المفتوح من إفقار للمواطن، وغلاء غير موصوف، وأزمات متلاحقة.

لا نية لدى الحكومة لزيادة أسعار الدواء، هذا ما يؤكده وزير الصحة، ويذهب إلى أبعد من ذلك في الحديث عن تشديد الرقابة على الصيدليات من قبل وزارته، ونقابة الصيادلة للمحافظة على سعر الدواء، ويخص الوزير المرحلة الحالية كوننا كما يقول (في هذه الظروفلأننا بحاجة إلى تكاتف الجميع).

لا اشك في نوايا وزارة الصحة ووزيرها في أنها لا تريد رفع أسعار الدواء، ولا أشك في نواياها بتشديد الرقابة على الصيدليات، ولا أشك أيضاً في إدراكها لأهمية المرحلة التي تمر بها البلاد.. ولكنني وليسمح لي السيد الوزير أن أشك في كل إجراءات وخطط وبرامجوآليات عمل وزارته على الأرض.

الدواء أسعاره في ارتفاع، ولا أحد يشدد الرقابة على عمل الصيدليات التي يديرها خريجو اللغة الانكليزية، ومستثمرو القطاع الصيدلاني وتحويله إلى دكاكين لبيع المكياجات والألعاب، ولا ينقص من ذلك سوى أن تقوم هذه الصيدليات ببيع (وحداتسيريتل وmtn.

كما أنني وبذاكرتي التي هي ما بقي مني بعد عقود الخراب التي عشتها لم أسمع عن صيدلية في منطقتي على الأقل أغلقت بسبب بيعها للدواء المهرب، أو تسبب منة يديرها بموت طفل نتيجة خطأ في صرف الوصفة الدوائية.

في مناطق العشوائيات تزدهر تجارة بيع الحبوب المخدرة والفياغرا، وبعض الصيادلة أثروا من بيع مراهم إطالة النشوة والأعضاء التناسلية، وهذه البضائع يأتي بها تجار الدواء بأسعار بخسة ويبيعونها كوصفات سحرية بمبالغ طائلة.

مظهر آخر من فساد العاملين في مهنة الصيدلة هو الاتفاق مع أطباء على تقديم وصفات لشركات أدوية بعينها، فأغلبهم يعمل كمندوبي مبيعات لهذه الشركات، أو وكلاء لها.

في مناطق السكن العشوائي وحواري الفقر من السهل أن تجد من يقدم حبوب مرضى الفصام والهلوسة وبعض المهدئات المحظورة (الروكسيمول مثلاًلشباب عاطل عن العمل، وبالتالي تقديمه بجدارة كمجرم جديد إلى المجتمع.

في الصيدليات التي تشدد عليها الرقابة يقدم لك الصيدلاني خيارات عدة للدواء الموصوف، و ستسمع منه عبارات موظفي العلاقات العامة والتسويق في أي شركة إعلانية عن فعالية هذا الدواء، والأعراض الجانبية لذاك الدواء، ومن الممكن أن يهمس لك بخبث هذا المعمللا يضع نسبة حقيقية من المادة الفعالة، وعندما يحدثك عن دواء أردني أو أجنبي يردد عبارات الهجاء للدواء السوري الذي تحتاج إلى جرعة إضافة للشفاء بسبب رداءته، وأما ثمن هذا المديح فهو البيع بفاتورة مستحيلة.

بعض الصيادلة في أيامنا الصعبة بدل أن يعيد للمريض ما تبقى من ثمن الدواء يضع له في الكيس قليلاً من اللصاقات الطبية الصينية، أو عدة حبات (سيتامول)، أو بعض الشامبو كعينات دعائية.

أما آخر صرعات هؤلاء فهو التعامل مع المريض (الزبونكطفل يمكن مداعبته ببعض السكاكر، وفيما صيدلاني شاب يضع واقيات ذكرية لزبائنه من الشباب، وحبوب مقوية لمن تجاوزوا الستين.

الحالات السابقة التي ذكرتها هي من حكايات الناس أو ما شاهدته بعيني في هذه الدكاكين التي تشدد عليها الرقابة، وتختص ببيع ما يشفي القلوب والجروح.. أما النوايا الحكومية فصالحة فقط للتداول الإعلامي، وليست لأكثر من خطب جاهزة لجولات الوزراء.