حلب .. شتاء قاس آخر
يأتي الشتاء هذا العام أزمة بحد ذاتها، فانعدام المحروقات والكهرباء جعل الأسر الحلبية مدفونة تحت كم هائل من الأغطية، اتقاء البرد الذي جاء قاسياً قسوة التعامي والتقاعس الذي اجتهد به مسؤولو المدينة الناعمين بالدفء، ضاربين عرض الحائط بأزمات أنهكت المدينة ومواطنيها لتتصدر القائمة بأعداد المهاجرين.
على الوعد يا كمون
منذ بداية الصيف صدرت العديد من التصريحات عن وجود آليات وضوابط وخطط لتوزيع مادة المازوت، مع تهديد ووعيد لكل متقاعس أو متلاعب!، لتستمر الوعود بإتمام العملية قبل حلول الشتاء من قبل المحافظ وغيره من مسؤولي المدينة، إلا أنه كما العام الماضي لم يتحقق شيء على أرض الواقع، سوى أن جميع مسؤوليها استكملوا مستحقاتهم واستعدادهم للشتاء، في حين أنه لم يتم حتى الآن استكمال توزيع مخصصات المدينة من المادة بحجة عدم وصول إرساليات، ما اضطرهم لشرائها بسعر مضاعف بسبب انعدامها، أما من حصل عليها فلم يكن بأحسن حال فهو مضطر إلى التقشف في استخدامها «حسب نصيحة أحد الوزراء» لأغراض الاستحمام فقط، أو المرض الشديد لأحد أفراد الأسرة، بعد أن استشرت الأمراض التنفسية ونزلات البرد، فصار هو الآخر يسجل في الوصفات الطبية، ما جعل بدائل الدفء شر لابد منه رغم ما تنطوي عليه من مخاطر كالحطب ومدافئ الغاز، أما من ضاق به الحال وسدت به الطرق انتظر رحمة السماء، فلربما جاءت حصته في الربيع أو الصيف القادم!، أما زيارات مسؤولي الحكومة وتصريحاتهم لم تتعد إطار الشاشات الصغير، أو ترى لها ترجمة على أرض الواقع سوى زيادة في قذائف الحقد التي حصدت مزيداً من أرواح المواطنين، أو في تسعيرات الولائم التي مدت للزائر الكريم، ما زاد من سخط المواطن وأعبائه أمام مدينة مشلولة بالكامل وإدارة أقل ما يمكن وصفها بالشلل الذي لا شفاء منه، بعد أن استحكم فيها الفساد وصار عضوياً فيها، حيث صارت خيارات الموت فيها، بين الموت برداً أو تحت الركام بفعل القذائف الصاروخية.
لا حياء لمن تنادي
هو لسان حال الشارع الحلبي الذي غدا يائساً وقد بات محروماً من أقل متطلبات معيشته وسط إهمال حكومي على جميع الصعد لعاصمة سورية الاقتصادية، بينما بقيت أزماتها دون حل لشهور أو أعوام، رغم الأعباء والأثمان التي دفعها المواطن الحلبي، وما مورس عليه من عمليات ابتزاز واستغلال لقاء تأمينها، دون أن يكترث له أحد أو يعبأ لهذه الحاجات، حتى حين بلغ ذلك لقمة عيشه، لتبقى معلقة تحت حجج الإرهاب وصعوبات الحل الراهن، لتتخم «كروش» مسؤوليها وتمتلئ جيوب فاسديها مع كل أزمة تنال من المواطن.
فنحن اليوم أمام مدينة تعاني فساداً وإهمالاً بشكل كامل، ومسؤولين للآن لم يستطيعوا امتلاك رؤية استشرافية لمشكلات المدينة منذ بداية الأزمة، والأعظم من ذلك أنهم لم يعودوا قادرين على حل ما تراكم منها بسبب ممارساتهم وما قاموا به من قرارات وإجراءات من جهة، أو تباطئهم في مواكبة الأحداث التي عصفت بها، لتدفع المدينة ضرائب باهظة فاقت ما كلفته الحرب.