الريف الدمشقي
في كافة أرجاء الريف الدمشقي الخاضع للهدن واجراءات التسوية (قدسيا- التل- المعضمية- وغيرها)، مازال الوضع الإنساني يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، وذلك لتشديد الحصار عليه ومنع الأهالي من إدخال المواد الغذائية والأساسية والأدوية، وبحال توفرها هنا أو هناك فهي متوفرة بأسعار خيالية تفوق إمكانية الحصول عليها، إلا من بعض الأهالي الذين ما زال لديهم جزء من القدرة أو الذين باتوا مثقلين بالديون، وذلك بسبب احتكار تلك المواد والسلع من قبل البعض المتنفذ والمدعوم والمستفيد من الأزمة على حساب الأهالي وواقع معيشتهم اليومي.
تزداد المعاناة نتيجة الأحوال الجوية وتدني درجات الحرارة والبرد بظل الانعدام التام لوسائل التدفئة من محروقات (مازوت أو غاز)، بما في ذلك الحطب نتيجة استفاذ الوسط المشجر والبساتين القابلة للاحتطاب بمحيط تلك الأماكن والمناطق.
ومع سوء واقع التيار الكهربائي وندرة المياه وظروف الحرب اليومية التي يعيشها الأهالي في تلك المناطق ومع تواجد المسلحين وتدخلهم المباشر بالحياة اليومية لهم، فان واقع الحياة اليومية بات كارثياً على المستوى الإنساني العام لهؤلاء الأهالي.
هدن وتسويات غير مثمرة للأهالي
وعلى الرغم من الوعود بانفراجات نتيجة الإجراءات المعلن عنها والمنفذ جزء منها بناءً على التسويات والهدن في تلك المناطق، إلا أن واقع الحال لم يتبدل عند الأهالي، ولم يلمسوا حتى تاريخه أية انفراجات على مستوى حياتهم المعاشية والاجتماعية والاقتصادية اليومية، فما زالت المعاناة مستمرة، كما ما زالت الإجراءات الأمنية على الحواجز كما هي دون أي تغيير يذكر، اعتباراً من واقع التوقيفات التي تجري وتطال بعض الشباب والرجال والشيوخ مروراً بمنع إدخال المواد وليس انتهاءً بالإذلال الذي يتعرض له الأهالي عند بعض تلك الحواجز نتيجة الممارسات التي يقوم بها البعض هنا وهناك.
كما مازال من يتربص بالهدن والتسويات سوءاً ممن أثبت الواقع استفادتهم من استمرار الأزمة ومعاناة الأهالي، ليفتعل مشكلة هنا وحادثاً أمنياً هناك، بغرض استمرار الاستنزاف لإمكانات الأهالي، كما استمرار التدهور الأمني بتلك المناطق بغاية عدم استقرارها.
معضمية الشام
ففي معضمية الشام هناك انعدام تام لأبسط مقومات الحياة، فسعر برميل المياه وصل إلى 1000 ل.س وسعر ليتر المازوت أو البنزين وصل إلى 3000 ل.س على سبيل المثال وقس على ذلك بأسعار المواد الغذائية المنفلتة من أي ضابط باستثناء حالة الجشع لدى المحتكرين، والأهالي على الحواجز نساء وشيوخ يقفون بالطوابير الطويلة من أجل الدخول أو الخروج مع الكثير من إجراءات الإذلال، والأهالي هناك يتمنون أن تنفذ بنود الهدن والتسوية وأن تحل مشاكل واقع حياتهم اليومية بشكل جذري ونهائي، وأن يفتح الطريق ويفسح المجال أمامهم للدخول والخروج منها مع احتياجاتهم ومستلزمات معيشتهم اليومية بعيداً عن المزاجية التي تتحكم بالحواجز، وبعيداً عن أهداف الراغبين باستمرار معاناتهم وأزمتهم، عبر استمرار خلق الأجواء السلبية وافتعال الإشكالات الأمنية والعسكرية، التي يدفع الأهالي المدنيون ثمنها دماً بشكل شبه يومي عبر الحرب الدائرة بأحيائهم والقصف عليها.
قدسيا
واقع حال أهالي قدسيا ليس بعيداً عن واقع حال أهالي المعضمية من حيث المعاناة اليومية والحصار والحواجز والمواد الغذائية ومتطلبات الحياة اليومية، لكنهم مستغربون من استمرار تلك الإجراءات على الرغم من بدء تنفيذ البنود المتعلقة بالتسوية المعلن عنها هناك، حيث ما زال الطريق مغلقاً أمام الأهالي ووسائل النقل ووسائط نقل البضائع، ويتساءلون عن المبررات التي تحول دون استكمال الإجراءات المعلن عنها، كما يدينون ضمناً البعض المستفيد من استمرار معاناتهم من تجار الأزمة وشركائهم هنا وهناك الذين مازالوا يتحكمون بحياتهم اليومية وواقع معيشتهم، حيث بدأ الأهالي ومنذ فترة ليست بالقصيرة ببيع مقتنياتهم وأثاث منازلهم بأسعار متدنية كي يسدوا بمقابلها ثمن غذائيات وأساسيات أخرى لضرورات المعيشة اليومية، والمستفيد طبعاً هم نفسهم تجار أزمتهم وشركائهم من المستفيدين من استمرار هذا الواقع اليومي المزري، حتى بدأ البعض يربط بين فتح الطريق وبين ما تبقى لدى الأهالي من مقتنيات وأثاث وعفش منزلي لم يضطروا لبيعه بعد.
وقد تفاءل الأهالي أخيراً بالإعلان عن فتح طريق وادي بردى أمام الأهالي هناك حسب ما تم إعلانه مؤخراً، بالتناغم والتنسيق مع مؤسسة المياه من أجل إجراء عمليات الصيانة لخط المياه في نبع الفيجة، ولكن لم يجن عليهم هذا التفاؤل أي جديد حتى تاريخه على مستوى الطريق الخاص بقدسيا، علماً بأنها تعتبر ضمن خط السير نفسه.
التل
واقع الحال في التل مطابق تماماً، على الرغم من وجود بعض نشاط للدور الأهلي في ضبط وتنظيم الحياة اليومية على مستوى بعض الخدمات العامة وبعض المساعدات، ولكن على مستوى المعاناة الإنساينة للأهالي فان الواقع مشابه تماماً لواقع أهالي قدسيا والمعضمية، من حيث ندرة المواد الغذائية والأساسية وارتفاع أسعارها والتحكم بها، كما هو واقع الحال بالنسبة للممارسات على الحواجز وخاصة على النساء مؤخراً، المحروقات في المدينة شبه معدومة بسبب احتكارها لدى البعض لبيعها بأسعار مرتفعة جداً، كما هو حال الأدوية، فبالإضافة لواقع الفقر والجوع تزداد المعاناة من واقع المرض بظل غياب الأدوية وحليب الأطفال وبسبب نقص الغذاء بشكل عام، مما ينذر بكارثة حقيقية بسبب العدد الكبير الموجود داخل المدينة من الأهالي والنازحين إليها والخاضعة لإجراءات الحصار المستمر منذ مدة طويلة، علماً أن مدينة التل كانت من المدن الأوائل في الريف الدمشقي التي تمت بها هدنة وإجراءات للتسوية بشكل غير معلن منذ مطلع عام 2013، إلا أن واقع حال الأهالي فيها بات مزرياً وشديد البؤس، كما باتوا يتندرون من تلك الإجراءات التي لم تمس حياتهم اليومية بالشكل الإيجابي الذي كانوا يتوخونه ويرجونه، ويتساءلون أيضاً عن المستفيد من إطالة أمد معاناتهم اليومية كل تلك الفترة.
عملية تخادم
رغم وجود بعض التباينات الطفيفة التي لاتذكر في واقع حال معاناة الأهالي في تلك المناطق على المستويات كافة ، إلا أنه لا فارق أو تباين جدي على مستوى الحصار المفروض على تلك المناطق والإجراءات المتخذة والمتبعة المرافقة له على مستوى الحياة المعيشية اليومية للأهالي، في حين يستفيد من هذا الوضع تجار الأزمة هنا وهناك، عبر استنزاف الأهالي حتى الرمق الأخير، مع توضح عدم رغبة هؤلاء باستمرار أي مسعى أو حل له الطابع السلمي على شكل هدن أو على شكل تسويات تجنب الأهالي المزيد من المعاناة.
ضرورة تهدئة الأوضاع
إن استمرار هؤلاء بعرقلة متابعة الإجراءات المتعلقة بالهدن والتسويات هنا وهناك، يعني أولاً المزيد من استمرار معاناة الأهالي في تلك المناطق، كما يعني احتمال توتر الوضع العام الأمني والعسكري بالمحيط القريب من دمشق، ولعله بات من الضروري الوقوف بجدية وحزم بوجه هؤلاء ومحاسبتهم، كما يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الأهالي المدنيين هم من يدفعون الضرائب المباشرة بالنتيجة، دماً وضحايا ومصابين وبنى تحتية وأملاك، عبر استمرار الحرب وأهوالها عليهم، وعلى الرغم من ذلك مازالوا صامدين بانتظار الانفراجات التي تعني لهم عودة الاستقرار والحياة الطبيعية ولو بشكل جزئي، وعودة النازحين كل إلى مكانه، كي تستعيد تلك المناطق نشاطها الاقتصادي والاجتماعي، ولتقوم بدورها على المستوى الوطني العام.