حلب تصر على البقاء وتسرّع الحل السياسي
لا يبدوأن أياً من أطراف الصراع يعير اهتماماً لأهالي مدينة حلب وريفها من المدنيين، بل على العكس فهم يتبارون باستثمار هؤلاء الأهالي ومعاناتهم على مذبح الرهانات الخاسرة بتعويم الحلول العسكرية، عبر المزيد من الضحايا والدمار، وكل منهم يحمل الأطراف الأخرى مسؤولية هدر الدماء والدمار.
من الصاخور.. لشارع النيل.. للكلاسة .. للموكامبو.. لبستان القصر .. للأعظمية .. للفردوس.. للحمدانية.. للجميلية.. للحيدرية.. للفرقان.. للشعار .. للزهراء.. للسكري.. للسليمانية.. لسيف الدولة، وغيرها الكثير، لم يسلم أي حي من أحياء المدينة من قذيفة أوصاروخ، كان ضحيتها العشرات من المدنيين في هذه الأحياء، مع التدمير الواسع للبنى التحتية فيها، حيث لم تسلم حتى المشافي من الاستهداف المباشر.
كارثة بالصوت والصورة
يوماً بعد آخر، يتم دفع الأهالي «للكفر» بكل شيء، حيث باتت معاناتهم هي معاناة وجود بظل استمرار تغابي وعماء السلاح وداعميه ومسوقيه والمستفيدين منه، وما يزيد من بؤس الاستهداف والقذائف والصواريخ غياب مقومات بقاء الأهالي، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا مراكز طبية ولا خدمات، ويترافق ذلك مع تدهور مستويات المعيشة، بل وانعدامها بأحيان كثيرة، لتغدوحلب بالنتيجة نموذجاً حياً للكارثة الإنسانية، منقولاً بالصوت والصورة عبر فضائيات التعبئة والغرور والمكابرة، حيث قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها «إن تصاعد العنف في مدينة حلب يدفع من يعيشون تحت نيران القصف والتفجيرات إلى شفا كارثة إنسانية.. وإلى تفاقم محنة عشرات الآلاف من سكان المدينة».. معتبرة مدينة حلب «بأنها واحدة من أكثر المناطق تضرراً من القتال في الصراع منذ أعوام».
شهود وشهادات
الكثير من المعاناة يبثها الأهالي بعبارات مقتضبة وعميقة، ومنها:
عميتصارعوا ع السيطرة، وبالنتيجة حتكون سيطرة ع المقابر موأكتر!.
السيطرة والتحرير صارت قصة متل مسلسل مكسيكي طويل، ع حساب البشر، تتناوب الورديات بين أمراء الجبهات ع دمنا.
الغريب والعجيب أنوفي ناس شمتانين ومبسوطين ومروئين آخر رواء، على الشي اللي عم يصير في أهل حلب!.
كلو عم يستعرض عضلاتوعالمدنيين، وبيعتبر نفسوبطل!.
لك شوذنب المدنيين؟! قسما بالله ماحدا عبياكلا غير المدنيين، ارحمو هالبشر ما ضل حدا عندوذرة إنسانية، مابئى في ذرة عقل! الله لا يسامح كل حدا عبيسفك دم الأبرياء.
اذا بتعتبر نفسك سوري أصيل، رح تعتبر أي مدني بأي منطقة هوأخوك، اعتبر نفسك مكانه وشوف الوضع من عنده، حاول تكون بكل حلب.. وعيش بكل مناطقها.
صد ورد وهكذا يستمر مسلسل الموت.. يعني الواحد بدويمشي صرنا نمشي كل خطوة ع أعصابنا، ما نعرف من أي طريق نمشي أمان أكتر.. صدوورد.. وقتل فينا، كرهنا عمرنا وحياتنا، لك يلعن أبوها العيشة البتئرف.
ليش الفصل بين مناطق حلب، في كتير ناس مع النظام في المناطق الشرقيه، وفي كتير مع المعارضه في الغربية، وفي كتير ناس نزحوا من الشرقيه إلى الغربية، وبعد فترة ما ح يكون في مكان للنزوح.
ما ضل بحلب غير الفقير المعتر، وفوقها هواللي عم ياكل كل هالضرب.
لايمتا هالحالة.. تعبنا، الشعب صار مشرد بكل البلدان، وجوعان وعايش بخوف، بدنا حل للخروج من هالوضع.
معاناة عمرها أعوام
أعوام مضت وأهالي المدينة يعانون الأمرين نزوحاً وتشرداً، داخل المدينة وخارجها، فكثير من الناس نزحوا من الشرقية إلى الغربية، والعكس بالعكس، وإلى الريف القريب منها، حسب تطورات المعارك واشتدادها، كما لجأ الكثيرين منهم خارج الحدود بانتظار الانفراج وعودة الاستقرار والهدوء للمدينة، وعانى الحلبيون الأمرين مع الحواجز التي استخدمت أساليب إبليس في الابتزاز والإذلال، بالإضافة إلى اشتداد المعاناة من واقع الحياة المعيشية والخدمية، مع نقص كبير بالمواد الأساسية من أغذية وأدوية ومحروقات، وارتفاع أسعارها بسبب احتكارها والتحكم بأسعارها لصالح حفنة من التجار والسماسرة والفاسدين في الأطراف المتصارعة كلها، وقد بدأت ملامح الانفراج مع بوادر تطبيق الهدنة، التي استبشر بها الأهالي خيراً، حيث بدأ الكثير منهم يستعيد نشاطه ويستعيد أمله بالمستقبل عبر الحل السياسي المنشود، الذي لم يرق للمتطرفين وداعميهم، كما لم يرق للمستفيدين من الحرب والأزمة، لذلك عمدوا إلى إعادة تأجيج الصراع عبر الخرق المتعمد للهدنة، في استجلاب مباشر لخيارات العسكرة والحرب على حساب الأهالي من المدنيين، وعلى حساب الآمال المعقودة على الحلول السياسية.
واقع الحال
مدينة حلب وريفها يتم استكمال دمارها بشراً وحجراً وحضارة وتاريخاً، على الهواء مباشرة وبالصوت والصورة، مع حملات إعلامية تعبوية متعددة الأطراف، كل منها يظن أنه يسوق ويروج لمشروعه التدميري الفاشل على حساب الأطراف الأخرى، ولكن واقع الحال يقول أن الضحايا والدمار لا يحيق إلا بالناس المدنيين، الذين شاءت أقدارهم أن يكونوا بمرمى نيران التعنت والتطرف، كما بالبنى التحتية كلها وكل المنشآت التاريخية والأثرية، التي تحمل بطياتها نتاج التاريخ الحضاري والبشري والإنساني في المدينة، الذي يعتز به كل السوريون كلهم، كما كل إنسان على وجه البسيطة.
مطالب متمسكة بالآمال
وعلى الرغم من ذلك، وبعيداً عن مهاترات الحملات الإعلامية التضليلية والمشوهة كلها من هنا وهناك، ورغبات أعداء الحلول السياسية كلها على اختلاف مواقعهم واصطفافاتهم، المحلية والإقليمية والدولية، بأدواتهم وأذرعهم ومسمياتهم وراياتهم؛ ما زالت الآمال معقودة على استعادة الهدنة ووقف العمليات القتالية، كما مع خيارات الحل السياسي المنشود عبر بوابة جنيف، باعتباره الخيار الوحيد أمام الشعب السوري، بل وازداد التمسك بهذه الخيارات، وهذا ما يطالب به الأهالي في المدينة والريف، المتمسكين بإرادة الحياة ومتطلباتها، حيث تمثلت لدى غالبيتهم المطالب التالية:
تحييد المدنيين عن دائرة الصراع.
عدم استهداف البنى التحتية، وخاصة المرافق العامة والمشافي.
تأمين متطلبات الصمود والبقاء، اعتباراً من المواد الحياتية الأساسية، وليس انتهاءً بالخدمات العامة، وتأمين ممرات العبور الآمن لهذه المتطلبات.
إعادة الاعتبار للهدنة، وتثبيتها وتوسيعها والدفع باتجاه إخراج حمّلة السلاح، وخاصة من يرفضون الهدنة، إلى خارج الأحياء المأهولة بالسكان.
تسريع المفاوضات الرامية إلى إخراج السوريين من محنتهم، عبر جنيف والحل السياسي الشامل المرتقب، الذي يعني في جانب منه توحيد بنادق السوريين ضد الإرهاب بكل أشكاله.
الحلبيون لم يتزعزع إيمانهم بالوطن
واذا كان البعض قد سارع إلى نعي الحل السياسي، ومؤتمر جنيف على خلفية ما يجري في حلب، فإن حلب التي تصر على البقاء رغم ما يحدث فيها كله، فإنها أيضاً ستسرع في الحل السياسي، وليس كما يتوهم الواهمون، كما كان دأبهم منذ بداية تفجر الأزمة.
وهذا ما قاله أحد الحلبيين، من الصامدين رغم الألم والفجائع:
«سكان حلب اليوم.. على الرغم من أنهم يعيشون تحت القصف المتواصل.. إلا أن إيمانهم بالوطن لم ولن يتزعزع».
وعلى ما يبدولم ولن يرق للكثيرين من أعداء الحياة مثل تلك الآمال التي عقدت على الهدنة والحل السياسي، فعمدوا إلى محاولة مصادرتها، ومصادرة إرادة الحياة، سعياً منهم إلى إعادة عجلة الاحتكام للسلاح والإحتراب والقوة، ظناً من هؤلاء أن بإمكانهم إعادة عجلة التاريخ عبر الترويج مرة أخرى لخيارات الحرب على خيارات السلم وفرضها بالقوة، بما ينسجم مع رغبات المستفيدين من هذا الخيار من الأطراف كلها، وخاصة بعد التقدم الحاصل بجنيف.