وعود التعويضات..دمشق.. شهادات متفرقة ومعاناة
مازال الكثير من المواطنين يعيشون على أمل تعويض لو جزء بسيط مما فقدوه في الأزمة، سواءً كانت خسارتهم نتيجة القذائف أو نتيجة المعارك التي دارت في العديد من المناطق بسورية.
والآن وبعد خمس سنوات تقريباً من الحرب، لا يبدو أن كل من تضرر، تعاملت معه الحكومة بإنصاف، إذ حتى في ملف تعويض المتضررين، وجدت الرشوى والفساد مكاناً لهما، بحسب ماقاله البعض، ليبقى مئات إن لم يكن آلاف المتضررين دون تعويض عما أصابهم في منازلهم أو ممتلكاتهم، إذ وفقا لأرقام محافظة دمشق، لا يتجاوز من تم تعويضهم نصف عدد المتقدمين بطلبات.
لدمشق القديمة حكاية أخرى
وكون مدينة دمشق بالمجمل لم تنج من قذائف الهاون، حتى في جزئها التاريخي القديم، ظهرت لدى سكان تلك المنطقة مشكلة أخرى، إضافة لعدم استلام تعويض الأضرار، هي شروط خاصة بالمنطقة، تحدثت لنا عنها ف. د من سكان باب توما، وقالت: «سقطت قذيفة هاون على منزلنا الكائن داخل السور القديم، وتضرر المنزل نتيجة لها، وعند مراجعتنا لمحافظة دمشق لتقديم طلب بالتعويض، وجهونا لمكتب عنبر، الذي تجاهل موضوع التعويض المادي، وحدد لنا فترة 5 أيام لإصلاح ماتضرر».
وأضافت: «بقي المنزل دون إصلاح، كوننا لا نملك المبلغ اللازم للإصلاح، فضلاً عن عدم صرف قيمة التعويض لنا من المحافظة، وحالياً انتهت المدة المحددة للإصلاح ولا نعلم ما هو المتوجب فعله، وبتنا نعاني تراكم المياه في المنزل والتي تدخل من الحائط المهدم».
وعن ذلك قال طارق نحاس مدير مديرية دمشق القديمة: «تحديد مدة 5 أيام لإصلاح الضرر، كانت بمثابة مساعدة ومراعاة لوضع المواطنين المتضررين، لأن أي عملية ترميم أو إصلاح في دمشق القديمة تتطلب رخصة ترميم، والتي تحتاج بدورها لوثائق ووقت حتى تصدر».
وأردف نحاس: «عملنا يقتصر على تقدير الضرر وإرساله للمحافظة المعنية بموضوع الأسعار والتعويض المادي».
ونوه نحاس إلى أن «مدة الـ5 أيام تبدأ من تاريخ استلام الموافقة بالترميم، كما نمنح مدداً إضافية إن لزم ذلك، حيث يقوم المواطنون عادة بالإصلاح على نفقتهم الخاصة، لحين استلام التعويض من المحافظة».
مناطق باتت آمنة..
فماذا تنتظر المحافظة؟
أبو فادي، أحد سكان منطقة الحسينية، والذي تعرض منزله للضرر جراء المعارك في تلك المنطقة، اشتكى لجريدة (قاسيون) بقوله: «بعد أن عدت لمنزلي في منطقة الحسينية، عندما أعلنتها الدولة منطقة آمنة، وجدت منزلي بحالة يرثى لها، لذا اضطررت لاستئجار منزل في جرمانا».
وتابع: «قدمنا طلباً للتعويض عن ضرر المنزل، وحصلنا على وعود كثيرة بتقديم التعويض المناسب، وفقاً لما تقدره لجنة الأضرار، إلا أن أياً من تلك الوعود لم ينفذ، وما زلنا على أمل الوفاء بها».
ومن جانبه، قال سيف، وهو أحد المواطنين الذين نزحوا من منطقة برزة سابقاً، «عدنا إلى برزة لنجد المنزل متضرراً بشدة، وبحاجة للترميم، فتوجهنا إلى محافظة دمشق لتقديم طلب بتعويض الضرر، وفق ما سمعناه عن تقديم تعويض بقيمة 30%، لكن وللأسف لم نستلم أي مبلغ للتعويض حتى الآن».
ونوه إلى رغبته، وعائلته، الشديدة بمعرفة فيما إذا كان هناك تعويض حقيقي، أم أنها مجرد إشاعات، لمعرفة مايتوجب علينا فعله، وما سيترتب علينا دفعه لإصلاح المنزل شبه المهدم.
أما عصام، الذي تضرر من منطقة المليحة في ريف دمشق، فقال «تضررت بمزرعة قيمتها 7مليون ليرة، وبسيارة حديثة بقيمة مليون و200 ألف، حيث لم أنته من تسديد أقساطها حتى الآن».
وأضاف عصام: «بداية قالوا إنهم سيعوضونا، وقدمنا على التعويض وفق الأضرار التي لحقت بنا، فاشترطوا أن تكون المنطقة آمنة ومسيطراً عليها من الدولة، وحالياً باتت المليحة تحت سيطرة الجيش وآمنة، لذا نريد أن نعلم مصير التعويض الموعودين به، هل سيتم أم لا؟».
وبدوره قال ب. م، أحد المتضررين والذين استلموا التعويض بعد تقديم رشوى مالية، «تعرض منزلي لقذيفة هاون، تضررت جراءها غرفتا نوم لأولادي، ولعلمي المسبق بآلية عمل معظم لجان الدولة، وخاصة ما يتعلق منها بالأمور المالية، قدمت مبلغاً لعناصر الشرطة الذين كتبوا ضبط الضرر، بحيث تم رفع قيمة الضرر كي أحصل على نسبة أعلى من التعويض، لأتمكن من إصلاح ما تضرر في المنزل».
بينما اشترطت محافظة دمشق توفر وثائق معينة لتقديم طلب بالتعويض من المتضررين ، وهي وثاق الملكية والتي هي سجل قيود عقارية كاملة، أو سند تمليك، إضافة لإيصال بفاتورة كهرباء وإيصال بفاتورة ماء لتحديد الموقع.
بالأرقام .. تعويض
أقل من نصف المتضررين
ووفق مدير الشؤون المالية في محافظة دمشق محمد عوض، حسب تصريحات إعلامية، «بلغ حجم الطلبات حتى تاريخ اليوم 24.778 طلباً، في حين المنفذ منها 9274 طلباً»، مبرراً وجود طلبات لمناطق مثل جوبر وقسم برزة والقابون والقدم، التي تعتبر مناطق غير آمنة حتى الآن، فلا تصرف طلباتهم بالتعويض حتى لو وافق عليها مجلس الوزراء، لتعذر الكشف عليها.
وعن حجم التعويض بالأرقام، قال عوض «وصل المبلغ المدفوع للتعويض إلى 2 مليار و130 مليون و369 الف و972 ليرة سورية، كما تم تسليم آخر جدولين لوزارة المالية وتمت الموافقة عليها، ليبدأ تسليم الشيكات بعد شهر».
وعن اختلاف تكلفة الإصلاح مع ارتفاعات الأسعار، خلال فترة تقييم الضرر وفترة تسليم المبلغ، كشف عوض عن تشكيل لجنة أعادت النظر بكل الأسعار غير المدروسة سابقاً، أما من تم الموافقة على تعويضه وصدر الشيك له ولم يستلمه فيتحمل المسؤولية».
وتقوم محافظة دمشق بالتعويض وفق شرائح محددة، بحيث من كان ضرره يقدر بـ30- 250 ألف يحصل على تعويض بنسبة 40%، أما من تراوح ضرره بين 250-300 ألف يعطى 100 ألف مقطوعة، فيما من تجاوز ضرره مبلغ 300- 5 مليون يعطى 30% عن أن لا تقل عن 100 ألف.
لا تعويض للصناعيين
في حال سرقة معداتهم!
وفي سياق متصل، تتالت شكاوى الصناعيين في دمشق وريفها جراء عدم تعويضهم نهائياً عن القسم الأكبر من ضررهم الذي يكمن في المعدات، وحتى تعويضهم في المباني الإنشائية، ليس عادلاً في طريقة تقييمه، من وجهة نظر الصناعيين.
وحول هذه النقطة قال عوض: «يتم تعويض الصناعيين عن المباني بغض النظر عن المواد، والتي كانت نقطة خلافية مع الصناعيين، بحيث قد تكون قيمة الموجودات أكبر من قيمة تضرر البناء، علماً أنه لا يتم تعويض السرقة، بينما يحتاج الحرق أن يكون واضحاً حتى يجري تقديره، مع توقيف الموضوع للتريث لحين صدور قرار نهائي حوله».
وإلى ذلك، يبقى الصناعيون وغيرهم من المواطنين بانتظار مهل التريث التي تقرها الحكومة، إذ ورغم تحقق شروط المحافظة بوجوب سيطرة الدولة على المناطق ليتم التعويض فيها، لا تزال العائلات المهجرة غير قادرة على العودة لمنازلها المهدمة والمتضررة، لعدم تأمين المبالغ اللازمة للترميم والإصلاح، ولتستمر معها معاناة النزوح والتهجير، ليس بسبب الحرب والمعارك، بل بسبب وعود أطلقت دون تنفيذ، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالروتين والمحسوبيات والفساد.