الرقة تحت حكم الإرهاب
منذ أن فرض ما يسمى تنظيم داعش سطوته عليها، شهدت مدينة الرقة نزوحاً كبيراً من أهاليها، وخاصة فئة الشباب، هروباً من بطش التنظيم وإرهابه، وذلك لاتباع التنظيم النموذج الإرهابي الأمني التعسفي، «بعيداً عن كل العناوين المرتبطة بالدين التي يدعي التمسك بها»، في سبيل إحكام سيطرته على المدينة وأهلها، حيث يعتبر ذاك التنظيم كل المدنيين مرتدين ومتهمين بالعمالة، إلى أن يثبتوا العكس، حسب مفهومه وما يظنه معتقداً.
الشباب مشروع للتجنيد وإلا..!!؟؟
وفي سبيل إحصاء الأهالي، وإخضاعهم لمشيئته، وخاصة الفئة الشبابية، قام التنظيم، بإلزام المصلين بالتوقيع على جداول يومية أثناء تأديتهم للصلاة، في كل فرض منها، لتقصي غير الملتزمين من هؤلاء، ومتابعتهم من أجل فرض الطاعة والولاء، أو اتخاذ اجراءات الحسبة بحقهم.
وفي سبيل التعويض عن خسائره البشرية، من المقاتلين المنضوين تحت رايته، قام بمطالبة كل من تجاوز عمره 14 عاماً لتسجيل اسمه وبياناته الشخصية لدى مقرات «الشرطة الاسلامية» التابعة له، في مساع لتجنيد هؤلاء فيما بعد، مهدداً ومتوعداً المتخلفين عن تسجيل أسمائهم بالمحاسبة الشرعية.
طفولة ومدارس
لم يتوقف الأمر على ذلك؛ بل بدأ التنظيم (عبر المكتب الأمني الخاص)، بعملية تجنيد الأطفال، ترغيباً وترهيباً، كمخبرين تابعين له بشكل مباشر، مستخدماً إياهم في عمليات التجسس على الأهالي، بما في ذلك ذوي هؤلاء الأطفال، مع تسميم عقولهم، عبر إخضاعهم لدروس «شرعية وفقهية» تجهيلية، لإعدادهم كمشاريع مجندين للخدمة بصفوفه وأعماله الإرهابية لاحقاً.
حيث قام التنظيم ومنذ سيطرته على المدينة بإيقاف العملية التعليمية فيها، تمهيداً لاحتكار نشر فكره وعقيدته وثقافته العنفية والإرهابية لدى أوساط الجيل الناشئ، من الأطفال واليافعين خاصة، مع إخضاع المعلمين لدورات شرعية، بعد الاستتابة، كونهم بحكم المرتدين، تتماشى مع المناهج التي أصدرها، ملزماً إياهم التعليم من خلالها، مع المغريات بالأجور الشهرية المرتفعة، كما فرض رسوماً على الطلاب بالدولار الأمريكي، 10 دولار عن كل طالب، مع الفصل طبعاً بين الذكور والاناث، طلاباً ومعلمين.
وبالفعل قام التنظيم بافتتاح بعض المدارس، بعد فرض إغلاقه لكافة المدارس في المدينة سابقاً، فارضاً مناهجه المعتمدة، التي أصدرها حديثاً، وملزماً الأهالي على إرسال أبنائهم اليها، عبر جهاز الحسبة التابع له، الذي يقوم بدوريات على الأحياء والمحال التجارية لهذه الغاية، وتحت طائلة المسؤولية والمحاسبة.
الأهالي، في المقابل، قابلوا عملية افتتاح المدارس بالمناهج الجديدة، المفروضة من قبل داعش، بالسخرية والاستهزاء، وعدم الرضا عن مجمل ما يمكن أن يسمى عملية تعليمية عبر «مؤسسات داعشية»، متخوفين من إرسائها وتعزيزها، مع مفاعيلها المحتملة في تجنيد أبنائهم لحساب التنظيم عبرها، إضافة لتخوفهم من إرسال أبنائهم إلى تلك المدارس، التي باتت مؤسسات داعشية، وبالتالي باتت عرضة للاستهداف، كغيرها من المقار الداعشية في المدينة، ويكون أبناؤهم ضحايا بالمحصلة.
حتى الكادر الطبي مجند
الواقع الصحي والطبي بالمدينة سيئ، حيث غادر الكثير من الأهالي المدينة هرباً من بطش داعش، بما في ذلك الأطباء والكادر الطبي بالمدينة، وبعد أن منع التنظيم مزاولة الطب النسائي على الأطباء الذكور، مصدراً حكمه بالقتل على كل من يخالف ذلك، إضافة إلى إغلاقه لمراكز الهلال الأحمر ومصادرة معداته وتجهيزاته، وإيقاف عمل جميع المنظمات الإنسانية في مناطق نفوذه، أصبحت المدينة فقيرة بكادرها الطبي، مما دعا التنظيم لأن يصدر قراراً بمنع الأطباء من مغادرة المدينة أو المناطق الخاضعة لسيطرته، ومن أي اختصاص كان، دون أذن مباشر منه، مهدداً ومتوعداً من يخالف ذلك بمصادرة ممتلكاته، والويل والثبور وعظائم الأمور، إضافة للتضييق على المتبقين منهم وإجبارهم على العمل في المشافي التابعة للتنظيم، المخصصة من أجل معالجة ارهابييهم وجرحاهم فقط.
مزيد من الضغط
أضف لذلك تلك القرارات التي ألزم من خلالها بمنع مغادرة النساء أراضي نفوذه، أو السفر ضمنها، إلا وفقاً لشروط، أن تكون فوق الخمسين من العمر، وبوجود محرم، وإلى تركيا حصراً، بحال كانت خارج نفوذه، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الحالات الخاصة من الناحية الصحية بعد سماح مكتبه الطبي بذلك، مع بعض القرارات والشروط الضاغطة الخاصة بالسائقين والشاحنات، وغيرها من القرارات والشروط التي تحكم الحياة المعاشية اليومية بالإرهاب، مما شكل ضغطاَ إضافياً على الأهالي وحياتهم اليومية، خاصة وأن كل تلك القرارات مرتبطة بعقوبات طابعها العام ارهابي.
التفاوت الطبقي غاية
إضافة إلى نموذجه الأمني في فرض وجوده والولاء له، يقوم التنظيم عبر مسميات مختلفة، زكاة، جزية، ضريبة، ..، بجباية أكبر قدر ممكن من الأموال من الأهالي لاستنزافهم، مع تحكمه بالواقع الاقتصادي المعاشي اليومي من مواد وأسعار، وأخيراً منعه لتداول بعض فئات العملة السورية، الصادرة حديثاً، في مناطق نفوذه، بغاية زيادة إفقارهم وعوزهم، ولتطويع إراداتهم وإخضاعهم لمشيئته، تحت ضغط الحاجة، علماً أن التنظيم يقوم بتغذية خزانته عبر نهبه لعائدات النفط بشكل رئيسي، مسرفاً على عناصره والموالين والتابعين، مما عزز التفاوت الطبقي في مناطق نفوذه، بين عناصره والأتباع من جهة وبقية الأهالي من جهة أخرى.
غيض من فيض
إذا كنا نسم «داعش» بالتنظيم الارهابي، لممارساته العنفية وتفننه بعمليات القتل والترويع واحتلاله الأراضي بسكانها، فقط؛ فإنا بذلك نكون مخطئين، حيث أن ممارساته، على مستوى الحياة المعاشية اليومية المفروضة على الأهالي، فيها من الإرهاب ما يفوق كل وصف، وكل ما سبق ذكره ما هو إلا غيض من فيض، مما يعانيه الأهالي، تحت وصاية تلك العصابة الإرهابية.