الحمضيات... محصول بعهدة السماسرة وأراضٍ قيد الهجرة
في دمشق وعلى ناصية أحد شوارعها تقف سيارة شحن صغيرة محملة بالبرتقال القادم من المنطقة الساحلية، يصيح صاحب البضاعة بـ 250 ليرة البرتقال «كرمنتينا»، يصطف أمامه العديد من المواطنين المشدوهين من السعر، مستوضحين هل هذا سعر الكيلو غرام، ليجيبهم: (بل الفلينة، وفيها خمسة كيلوغرامات)، علماً أن سعر كيلو الليمون على البسطة المجاورة يباع بـ 200 ليرة، ومصدرها أيضاً من المنطقة الساحلية.
وبمنطقة ليست بعيدة تشاهد سيارة مشابهة أخرى، تقوم بنفس أسلوب البيع وبنفس الأسعار، ولدى السؤال والاستفسار، اتضح وجود العديد من السيارات بدمشق، تسوق جزءاً من محصول البرتقال «الكرمنتينا»، المنتج في المنطقة الساحلية بهذا الشكل.
الفلاح يبيع بخسارة
وبحسبة صغيرة مباشرة يتضح أن الكيلو غرام من «الكرمنتينا» سعره 40 ليرة فقط، باعتبار سعر الفلينة 50 ليرة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أجار الشاحنة من المنطقة الساحلية إلى دمشق، مع أجور القطاف والتحميل والتنزيل والتعبئة، والنفقات الإضافية المترتبة جراء التوقف على الحواجز خلال مسيرة الشاحنة، ومقدار الربح الذي أضافه البائع، يتضح بأن السعر التقريبي الذي باع به المزارع من أرضه يقارب 20 ليرة لكل كيلو غرام فقط، أو أقل، وإذا ما حسمنا منها قيمة المحروقات والأسمدة وعمليات الفلاحة والتقليم وغيرها، فلا بد من أن المزارع قد باع تلك السلعة برأسمالها، هذا إن لم يكن خاسراً لجهده واستثمار أرضه خلال الموسم.
تصريحات في مهب الريح
وهنا نتساءل عن تلك الدعايات والأقاويل والإعلانات والصور التذكارية، التي تحدثت عن دعم المزارعين، وتسويق المنتج وتصدير الفائض بأسعار تشجيعية للمزارعين، وإلا ما الذي يدعو هؤلاء لبيع منتجهم ومحصولهم بهذا الشكل وبهذا السعر، إن كان فعلاً هناك جهة أو جهات قامت بدعمهم وتسويق محصولهم بسعر مقبول.
المحاصيل بعهدة السماسرة
وبالمقابل نقارن مع الليمون الذي يباع بـ 200 ليرة لنقدر هامش الربح من تلك السلعة القادمة من نفس المكان والمقدر بـ 150 ليرة لكل كيلو، ولكن تلك السلعة تتحكم بها شبكة سماسرة ومستفيدين باعتبار محصول الليمون أقل من محصول البرتقال والكرمنتينا من الناحية الكمية، وليبقى فائض الإنتاج لدى المزارع والفلاح من تلك السلعة، البرتقال «الكرمنتينا»، في مهب الريح أو الابتزاز.
أحد المواطنين الموجودين، وعلى الرغم من سروره بالسعر المعروض، وشرائه لفلينتين (10 كغ بـ 500 ليرة)، إلا أنه قام بعملية حسابية مشابهة لما سبق قائلاً: «الله يعين الفلاح، كيف وفت معو!؟».
أحد المزارعين، يقول: وصل سعر كيلو الموز بفصل الصيف إلى 700 ليرة، أما الآن وعند موسم القطاف لمحصولنا فهو يباع بـ 250 ليرة، علماً أننا في بداية موسم الشتاء، وكأن من يتحكم بعمليات الاستيراد وتصريف محصولنا متكاتفون، يبغون لفت انتباه المستهلكين إلى فاكهة منافسة بالسعر، كي يتحكموا بنا أكثر.
ولعل هذا المزارع لم يجاف الحقيقة أبداً، بل أصاب كبدها.
أراض زراعية قيد الهجرة
ونقول لتك الجهات المسؤولة والمصرحة، (الحكومة- وزارة الزراعة- اتحاد الفلاحين- اتحاد المصدرين- وزارة التجارة الداخلية- مؤسسة الخزن والتسويق- محافظي اللاذقية وطرطوس– وغيرها)، أين منكم اجتماعاتكم وتصريحاتكم أمام هذا الواقع!؟، وأين هي عندما يترك المزارعون أراضيهم ويهجرونها في الموسم القادم، باعتبارهم خاسرين بهذا الموسم!؟، وهل هناك من يقف خلف خسارتنا تلك الثروة من المحصول مستقبلاً!؟، والذي من المفترض أنه من المحاصيل الاستراتيجية، التي تغطي زراعتها جزءاً هاماً من أراضي المنطقة الساحلية، ويعمل بها عشرات الآلاف من الفلاحين والمزارعين وأسرهم!.