تحرير النقل الجوي وتجاهل جاهزية القطاع العام
يبرز إلى الضوء مجدداً، موضوع تحرير قطاع النقل الجوي، وما قد يؤدي إليه هذا التوجه من نتائج سلبية على القطاع بالعموم، حيث ما زال الموضوع، قيد الدراسات والنقاشات، رغم قدم طرحه قبل أعوام، وتعدد الدراسات والمباحثات بين الجهات المعنية، لكن الخط العام لعمل الحكومة بسياساتها الاقتصادية، يصر على خصخصة القطاعات كافة، وبسط يد القطاع الخاص، على حساب العام، رغم انعكاساته السلبية على المواطن السوري في نهاية المطاف.
وتطبيقاً لهذا التوجه، تم الترخيص للناقل الجوي الوطني الخاص «كندة» بالاستناد للقرار الوزاري رقم 1301 الخاص بترخيص شركات الطيران، إضافة لمنح ترخيص لشركتين هما «أجنحة الشام» و»فلاي داماس»، في حين تناولت وسائل الإعلام منح تراخيص لست شركات طيران خاصة لم يتوفر المزيد من المعلومات حولها، فضلاً عن وجود دراسة مشروع تحرير النقل الجوي الداخلي بين شركات الطيران المرخص لها حالياً، والتي سيتم الترخيص لها لاحقاً، وفقاً لمدير المؤسسة العامة للطيران المدني محمد إياد زيدان.
يشار إلى أن المرسوم التشريعي رقم 110 لعام ،1962 والقانون رقم 4 لعام 2004، قد حصرا النقل الجوي وخدماته بمؤسسة الطيران السورية.
وقد تم اتخاذ إجراءات الترخيص المذكورة بنتيجة النمو في الطلب على حركة النقل الجوي، وازدياد الحاجة إلى توفر عدد أكبر من الرحلات الجوية اليومية لتأمين التواصل مع مختلف بلدان العالم في أجواء تنافسية، وذلك حسب تصريح سابق لوزير النقل.
الدراسات الرسمية غير مشجعة
ووفقاً لدراسة سابقة لوزارة الاقتصاد، فإن تحرير هذا القطاع يعني انخفاض حجم العمل بالقطاع الحكومي، ونقص أرباح مؤسسة الطيران التي تعاني بالأصل من الخسائر، ما يوجب تمكين عمالتها وموقعها في السوق قبل التحرير، والعمل على زيادة أرباحها وإثبات مرونة فعلية في استجرار عقود لشراء طائرات جديدة، أو تفعيل ملف التشاركية بين القطاعين العام والخاص، مؤكدةً بأنه مالم تؤخذ هذه الأمور بعين الاعتبار فلا داعي لتحرير قطاع النقل الجوي حالياً.
كما أشارت وزارة الاقتصاد إلى عدة معوقات تمنع تفعيل مثل هذا الملف، مثل عدم توافر الخبرات الكافية لدى وزارة النقل لإدارة هذا الملف فنياً نظراً لحداثة التجربة، وذلك باعتراف وزارة النقل نفسها، وعدم وجود الكفاءات والخبرات الكافية في سورية للعمل فيه، كما أن دخول القطاع الخاص إلى هذا المجال يعني إبعاد الطرف الحكومي بشكل شبه كامل.
تعدد مسميات وآليات..
والجوهر واحد تحرير وامتيازات
وبحسب دراسات مقدمة عن الموضوع، سيتم إعادة هيكلة مؤسسة الطيران المدني ودراسة إمكانية تحويلها إلى هيئة تحت مسمى هيئة الطيران المدني، بهدف فصل الجانب التنظيمي عن الجانب الخدمي والتشغيلي، مع الإبقاء على سلامة وأمن الطيران والنقل الجوي والحركة الجوية ضمن الهيئة، في حين تبقى إدارة وتشغيل واستثمار المطار لوزارة النقل.
أما وفقاً للدراسة المقدمة من مؤسسة الطيران العربية السورية، فقد تضمنت اقتراحاً ينص على إمكانية إعادة هيكلة مؤسسة الطيران العربية السورية وتحويلها إما إلى شركة مساهمة مغفلة، وإما إلى شركة حكومية قابضة، وتحديد أدوارها ووظائفها، وخاصة المسائل التي تتميز بطابع اقتصادي، إضافة إلى دورها في مسائل الخدمة والتشغيل وغيرها.
يضاف إلى تلك البنود نقطة أساسية وهامة، هي مسألة إعفاء الشركات الخاصة «من الضريبة والرسوم لمدة عشر سنوات، لتشجيعها على البدء بالتشغيل في أسرع وقت ممكن», وهو ما كشفت عنه وزارة النقل في وقت سابق، حيث إن القواعد التنظيمية التي ستحكم تحرير النقل الجوي الداخلي ستلحظ إعفاء الشركات الخاصة في مجال الطيران من الضريبة والرسوم, إضافة إلى مساواتها مع مؤسسة الطيران السورية في المزايا التفضيلية، ومنحها فرصا متكافئة دون تمييز أثناء ممارسة الحقوق والقواعد، كما أن تلك الشركات - بموجب التحرير - ستقوم بتحديد تعرفتها وفقاً لدراستها للجدوى الاقتصادية الخاصة بها..
التشاركية غطاء للخصخصة
ويبقى التساؤل حول ضرورة مثل هذه الخطوة، وجدواها الاقتصادية والوطنية، علماً أنها تفتح الباب على مصراعيه للمشغل الخاص، ليتحكم في الخدمات والميزات ضمن هذا القطاع، ويفرض رفعاً للأسعار تحت شعار المنافسة، التي يعتبر القطاع العام ممثلاً بالمؤسسة العامة للطيران، ومؤسسة الطيران المدني، غير مؤهلين لها مطلقاً بوضعهما الراهن والمستقبلي، بظل غياب استراتيجيات تحمي هذا القطاع وتخلصه من صعوباته ومعيقاته، وتكريساً لسياسات الحكومة التي تعتمد شعار التشاركية، غطاءً للخصخصة واللبرلة.