مواطنون يطالبون بإعادة مخصصاتهم المدعومة نقص السكر .. عجز الحكومة أم استكمال رفع الدعم
أدى فقدان مادة السكر التمويني من صالات المؤسسات الاستهلاكية في مختلف المحافظات، إلى استياء المواطنين، حيث حرمت العائلة السورية من مخصصاتها من هذه المادة لما يزيد عن ستة أشهر على التوالي، ما فرض عليها التوجه للسوق الحر لتلبية احتياجاتها من المادة المفترض تأمينها من الدولة عبر البونات أو القسائم التموينية..
غياب توزيع مادة السكر، يأتي مكملاً لما عاناه المواطن سابقاً بهذا الخصوص، بعد توقف توزيع مادة الرز لسنة كاملة وأكثر، حيث غاب الحديث عن تأمين المادة نهائياً في كلام المسؤولين، وكأن شيئاً لم يكن، إلى أن اعتاد الناس على عدم السؤال عن الرز في صالات الاستهلاكية، واعتمدوا على ما يتيسر لهم شراؤه من السوق، رغم ارتفاع سعر المادة الشديد، والذي وصل إلى 300 ليرة للكيلو الواحد كحد وسطي.
وعبر المواطنون لجريدة (قاسيون) عن تخوفهم وقلقهم من أن يكون غياب مادة السكر لهذه الفترة مؤشراً على توقف توزيعها عبر القسائم التموينية، ويصبح حالها كحال الرز، في وقت اقترب فيه الدفتر التمويني من الانتهاء، دون أي توضيح عن مصير احتياجات المواطن عند انتهاء القسائم، خاصة وأن الحديث عن طباعة دفاتر بونات جديدة، غائب تماماً عن التصريحات الرسمية..
وحدة حال بين الريف والمدينة
قالت أم نور 55 عاماً، وتعيش في جرمانا بريف دمشق، «لم نحصل على مخصصاتنا من السكر طيلة فصل الصيف، وفي كل مرة نقصد فيها المؤسسة الاستهلاكية، تنفذ فيها كميات السكر التي تصل من الساعات الأولى للصباح، دون أن نعلم متى هو موعد وصول دفعات أخرى؟».
وتابعت أم نور «أضطر لشراء السكر من السوق بسعر مرتفع يصل إلى 200 ليرة سورية للكيلو، لعدم توفره بالسعر المدعوم».
فيما اشتكت أم سالم 48 عاماً، وتسكن في منطقة أسد الدين «آخر مرة استلمنا فيها السكر التمويني كانت منذ حوالي ستة أشهر، بحيث لم توزع المؤسسة أي كميات خلال هذه المدة».
واستاءت أم سالم من غلاء الأسعار بالعموم ورفع الدولة للأسعار باستمرار، بقولها «في كل عام تقوم الدولة برفع الأسعار لمادة أو مادتين بحجة تأمينها لنا، لكنها حتى الآن لم تتمكن من تأمين السكر، رغم توفره بالسوق بأسعار غالية، وبتنا نرى حكومتنا قادرة على اتخاذ وتطبيق القرارات التي تفيدها، ولا تستطيع اتخاذ قرار يصب في مصلحة الشعب».
مواطن: نطالب بإعادة مخصصاتنا المدعومة
من جهته قال أبو إيفان يعمل في مقهى انترنت متزوج وأب حديث، «الدولة تسحب الدعم عن المواطن دون أن يشعر، بحجج ومبررات، واليوم تسعى لسحب الدعم عن السكر».
ويرى أبو إيفان 29 عاماً، أنه «يجب على الحكومة إعادة مخصصاتنا المدعومة بدلاً من هذه الإجراءات التي تعود على خزينتها بالفوائد وعلى جيبتنا بالويلات، فإذا كانت الدولة عاجزة عن تأمين السكر والرز منذ حوالي السنة، كيف ستكون قادرة على تأمين حياة كريمة لمواطنيها؟».
وأضاف «هناك عدة مؤسسات مهمتها استيراد السكر، إضافة إلى الاعتماد على الخط الائتماني الايراني لتذليل بعض الصعوبات، فلماذا لا يتم تأمين السكر، أين المشكلة في هذه العملية، وماذا عن الرز الذي لا يتم الحديث عنه بل وتناسيه وصولاً إلى إلغائه، وأعتقد أن أغلب المؤسسات الحكومية التي لها علاقة بالسوق فقدت جدواها من الوجود، ولم نعد نسمع عن دورها إلا بالشيء الخجول، ولا عن رقابة أو منافسة، والآن لم يعد هناك دعم لأي سلعة، فما هو مبرر هذه الحكومة، التي فقدت الجدوى من مؤسساتها ووزارتها، وبالتالي يجب إعادة النظر بهيكليتها، إذا ليس من المنطقي أن تكون الحكومة عاجزة عن تأمين الأساسيات، في حين التجار قادرون على استيراد الكماليات بمختلف أنواعها».
85% من سكان دمشق لم يحصلوا على السكر
ووفقاً للتقارير، فإن 85% من سكان دمشق لم يحصلوا على مخصصاتهم من السكر التمويني، حيث لم يتم تأمين كميات كافية من المادة، وبالتالي لم تغط عمليات التوزيع الاحتياجات كافة، والتي تبلغ ما بين 15-20 ألف طن شهرياً، في حين وصلت إلى الموانئ السورية 25 الف طن من السكر فقط بداية الشهر الحالي، وفقاً لبعض التقارير.
في حماة لم يوزع إلا نصف الكمية
أما في محافظة حماة، فالمشكلة قائمة منذ القسيمة 77، والتي انتهى مفعولها في نهاية الشهر السادس، حيث لم يحصل كافة المواطنين على مخصصاتهم التي تصل إلى 20 ألف طن، في حين تم توزيع 10500 طن فقط، وذلك في ظل ازدياد عدد سكان المحافظة نتيجة النزوح إليها، ما فتح الباب أمام التجار لاستغلال حاجة الناس، إذ يباع كيلو السكر في حماة بسعر يتراوح 175-185 ليرة سورية.
موظفو الاستهلاكية موضع اتهام!
وتواجه المؤسسة العامة الاستهلاكية العديد من الاتهامات، من حيث تلاعب موظفيها بالكميات الموزعة، وتهريب كميات من مادة السكر وبيعها للسوق بأسعار مرتفعة لصالحتهم الشخصية، فضلاً عن انتشار ظاهرة الاتجار بالقسائم التموينية بهدف الحصول على كميات السكر التمويني وبيعها في السوق بالسعر الحر، إذ تم ضبط كمية تزيد عن نصف طن من السكر المقنن في منطقة الحقلة بدمشق، حصل عليها المخالف عن طريق شراء القسائم وصرفها واستلام الكميات المستحقة لها وتجميعها، وفقا لتموين دمشق، مع الإشارة إلى أن مثل تلك التجاوزات تعتمدها الحكومة حجة لتبرير سياسة «العقلنة»، بدلاً من محاسبة المسؤولين عنها ومتابعتهم، حرصاً على حق المواطن وأموال خزينتها.
التجارة الداخلية
تعترف بنقص الكميات .. وعجزها
ووفق مصادر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك «تم توزيع مادة السكر التمويني في بداية الشهر الحالي وفق القسيمة 79، لكن قلة الكميات حالت دون استلامها من كافة المواطنين».
وكشف المصدر أن «المادة غير متوفرة وهناك صعوبة في نقلها، حيث يجري تأمينها عن طريق الخط الائتماني الإيراني، بعد أن كان استيرادها يتم من مصادر عدة مثل البرازيل وأوروبا عبر عقود، ومن المتوقع أن يتم تمديد فترة صلاحية القسيمة لحين تأمين كميات كافية، وبما يضمن حصول الجميع على المادة، علماً أنه سيتحسن توزيع السكر في الشهر القادم بنسبة 20%».
وحول سبب توفر المادة في صالات محددة، بين المصدر أن هناك عدة جمعيات استهلاكية لم تبادر إلى دفع سلفة مالية عن قيمة الكميات، وبالتالي لم تحصل على المادة، بمعنى وجود ترتيبات مالية بحاجة لمعالجة، فضلاً عن أن اختلاف المخزون بين المحافظات يؤدي لاختلاف نسب التوزيع كذلك.
أما حول وجود سكر حر في المؤسسات، قال المصدر إن «المؤسسات تحصل على السكر الحر عبر شرائه من التجار، وتبيعه على هذا الأساس، إذ لا توجد له ميزانية مرصودة من قبل وزارة المالية، بينما يعد السكر التمويني مادة مدعومة».
وأكد المصدر أن مادة الرز غير متوفرة منذ أكثر من عام، لكن يحتفظ المواطنون بحقهم في الحصول على المادة في حال توافرها، مشيراً إلى إلغاء القرارات المتعلقة بتوزيع البرغل والشاي على القسائم التموينية، والتسعير الإداري للسمنة والزيت.
وتقدر الكميات اللازمة من مادة السكر التمويني لمدينة دمشق شهرياً بحوالي 23 ألف طن، بينما تصل الحاجة إلى 12.500 طن رز.
عجز حكومي .. أم «عقلنة»؟
أمام هذا الواقع يصبح تساؤل المواطن عن «عجز الحكومة عن تأمين الأساسيات، فيما الكثير من الكماليات يسهل تأمينها عبر التجار»، مشروعاً.
ولكن مع سياسات الحكومة المعلنة وتسويقها لمفهوم «عقلنة» الدعم، والمضي قدماً بتطبيقه على حساب لقمة عيش المواطن واحتياجاته، يغدو ذاك التساؤل بريئاً.
فأنياب الحكومة التي تفتك بهذه الاحتياجات ولقمة العيش تنفي عنها صفة العجز، فهي ماضية في قضم حقوق المواطنين من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود عبر سياساتها الليبرالية منذ عقود، في الوقت الذي يجب عليها أن تشد بأزرهم وتزيد من دعمهم، وخاصة بهذه الظروف التي تمر بها البلاد، ووقوف هؤلاء عزلاً بمقارعة كل ما يحاك للبلد، بدلاً من محاباة أصحاب رؤوس الأموال والتجار والفاسدين ومستغلي الأزمة، الذين يزدادون ثراءً على حساب حقوق المواطن ولقمته وجيبه، وهم وحدهم المسرورون والمؤيدون «للعقلنة» الحكومية، مع أعداء البلد.