زواج القاصرات... دمى تنتهك طفولتها
في 11 تشرين الأول، سيحتفل العالم للسنة الرابعة ، بيوم الطفلة العالمي، متجاهلاً تماماً، فشله في حمايتها.
فالعديد من القاصرات في منطقة الشرق الأوسط يرزحن تحت الظلم والاضطهاد والانتهاكات لحقوقهن كأطفال، حسب منظمة اليونيسيف، بسبب الأوضاع الأمنية المشتعلة في دولهن، بفعل آلة الحرب الممولة غربياً، وأدواتها الفاشية التي أنهكت المجتمع وأحدثت فيه تشوهات، تحتاج سنوات من العمل الحثيث لمداواتها، ناهيك عن نتائجها على المدى الطويل، نتيجة للظروف الراهنة على المستوى الأمني.
زواج للسترة.. أم بيع
الوضع الراهن في سوريا، دفع المواطنين إلى النزوح أو اللجوء ، وارتداداته على المستوى (الاقتصادي– الاجتماعي)، من فقر وسوء الظرف المعيشي، كما أدى لعودة ظاهرة «زواج القاصرات» وبقوة، بعد أن تراجعت نسبياً في العقد الماضي، لتعود للانفجار كغيرها من الملفات بفعل الأزمة الراهنة، وما أحدثته من فوضى.
الزواج للسترة، ملف له جذور موروثة، ويرده الأخصائيون الاجتماعيون لأسباب عديدة منها الخوف من العنوسة والعار، نتيجة الخلط بين مفهوم الزواج المبكر، وبين زواج القاصرات العائد للجهل الاجتماعي، ولكن السبب الاقتصادي يظل الأقوى حضوراً، وخاصة في الآونة الأخيرة، فعجز الأب المادي وعدم قدرته على إعالة أسرته، وأحياناً كثيرة الهرب من مسؤولياته بفعل ضغوطات أكبر يتعرض لها، استدعى رمي القاصرات للزواج، تحت حجة «السترة» وفي وقت مبكر جداً.
سمر، فتاة في الثالثة عشر، نزحت مع ذويها من إحدى قرى الرقة، وقطنت في أحد مراكز النزوح، حيث فقد والدها كل ما يملك وسدت به السبل لإعالة أسرته، فأقدم على تزويجها وقبض مهرها، واشترى عربة لبيع الخضراوات لإعالة إخوتها، فازدياد معدلات الفقر بين السوريين، ووصوله إلى مستويات مأساوية في بعض المناطق، رمت بسمر والعديد ممن في عمرها إلى هذا المصير، وإن اختلفت تفاصيل قصصهن، ما يهددهن نفسياً وجسدياً، فالفتاة القاصر تكون في فترة تكوين فيزيولوجي ونفسي، لا يسمح بخوضها غمار زواج وإنجاب، وخاصة أن هذه الزيجات لا تشترط توافقاً في العمر، فأغلب المتقدمين يتجاوزون 35 من العمر، وهو ما يوضع تحت بند اغتصاب الأطفال، والذي يعد أمراً يجرم مرتكبه بحسب القوانين الدولية، لكنه يتم في منطقتنا تحت غطاء شرعي وعلى أيدي بعض «حماة الشريعة».
وعود وردية
أما في مخيمات اللجوء، فقد ظهرت قصص، عن حالات لفتيات تم تزويجهن «بيعهن»، عن طريق سماسرة، ليبلغ الأمر خطورة أشد، حيث وجدت قوائم أسعار لا تختلف من ناحية الاستغلال والشناعة عن قوائم بيع النساء التي أصدرها تنظيم داعش الإرهابي، ويتم استغلال اضطراب الفتيات القاصرات النفسي، الناجم عن آثار الحرب من جهة، وكونهن في عمر لا يستطيعن معه التمييز، أمام سيل الوعود الوردية، من أموال وحياة كريمة سيعشنها، مما يسهل على الفتاة القبول، لتعود بعد مدة أقصاها شهر منبوذة لا تعي ما فُعل بها، وأي مستقبل سينتظرها وقد انهار كل شيء.
طفولة موؤودة
أما في بعض مناطق سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، فقد سجلت العديد من حالات الزواج لبعض الفتيات من «المجاهدين»، عنوةً وبعد مقتل أزواجهن عدن طفلات يحملن أطفالاً، حيث أجبرن على الزواج رغماً عنهن وعن أوليائهن، ما دفع الأهل لتدبير زيجات لبناتهم من العائلة أو المعارف، وربما لفتيان من عمرهن أحياناً، للتخلص من هذا الكابوس.
رقية، فتاة في الرابعة عشر من عمرها، قاطنة في إحدى قرى مسكنة، أقدمت جدتها على تزويجها من رجل يكبرها بعشرين عاماً، وتقول والدتها: «منذ سنوات لقيت المصير نفسه حين زوجني والدي بمثل عمرها، يومها لم أجد من يدافع عني، لكن لم تكن الظروف بهذه القسوة، اليوم أعيش هذا الألم مرتين لأنني فشلت في الدفاع عن ابنتي»، أما عن أسباب ذلك فتقول: «تنظيم داعش بقوانينه المقيدة لتنقل النساء، أجبر العديد من الأسر على تزويج بناتهم بعمر صغير، خشية تعرضهم للابتزاز، أو تعرض بناتهم للاغتصاب.
وجوب ايجاد الحلول بالتوازي
إن زواج القاصرات، ليس مجرد ظاهرة انسانية، بل أحد الملفات الشائكة والمتشابكة التي أفرزتها وعمقتها الأزمه السورية، وأحد أوجه المعاناة التي تستنزف أحلام الشعب السوري ومستقبله، والتي برزت من جديد كأحد أدوات تعميق وإعادة إنتاج النفايات الفكرية، لتجهيل المجتمع وضرب محاولات نهوضه، من خلال تعقيم ووأد براعم غده، ما يستلزم اليوم حلا حقيقياً وشاملاً، يضع نصب عينيه أن الأزمة في سورية أزمة مترابطة، واجبة الحل وبشكل متوازي على كافة المستويات (الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية).