تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
(سيّاح) غرباء على أرضهم..

(سيّاح) غرباء على أرضهم..

عشرات العائلات تفترش العشب والظل بالحديقة المجاورة لمجمع يلبغا، غير المكتمل، وسط العاصمة دمشق، عائلات سورية كانت تحلم بزيارة دمشق، لكنها اليوم تمر بها فلا تعرف من ملامحها أكثر من كراجات الانطلاق، والمطاعم والفنادق دون التصنيف، أو ذات النجمة ونصف، ومبنى الهجرة والجوازات.

من بلد إلى بلد

عاطف من ريف الرقة يقول: وصلت دمشق قبل عشرة أيام، لم نجد حجز غرفة في أي من الفنادق المحيطة بساحة المرجة أو البرامكة، لذلك قررت وعائلتي أن نفترش أرض هذه الحديقة، على أمل أن نحصل على حجز قريب، بعد أن دفعت ألفي ليرة رشوة لأحد الحمالين في فندق قريب.
يتابع عاطف: كنت أعد زوجتي بزيارة إلى مدينة دمشق، نزور فيها الجامع الأموي وسوق الحميدية، والأماكن الجميلة في الشام جميعها، اليوم نحن نجوب هذه الأماكن طيلة النهار لكننا فقدنا ذاك الشغف، فنحن اليوم مجرد مهجرين يجوبون هذه الشوارع دون هدى، على أمل أن يمضي الوقت سريعاً، دون أن يطالبني أبنائي بالعودة إلى منزلنا، حيث ضاقت بنا هذه الأرض الرحبة، حتى أننا نمنا أكثر من مرة في بعض المساجد.
ويضيف: نحن لم نستحم منذ أكثر من عشرة أيام، وكل ما نريده هو استخراج جوزات سفر لي ولأفراد عائلتي، كي نتمكن من السفر إلى لبنان، ومن ثم أوربا.
تمتلئ حدائق دمشق كل يوم بوافدين جدد، هؤلاء ليسوا الزوار العادين ولا العاشقين الصغار، هؤلاء عابرو سبيل تقطعت بهم الطرق، لم يجدوا قريباً يباتون عنده، أو سكناً محترماً ورخيصاً يؤويهم، لذلك تراهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يقصدون صباحاَ الدوائر الحكومية، على أمل أن تنتهي معاملتهم وينتقلوا إلى محطتهم التالية.


جواز سفر

الإنتظار على أبواب الأوتيلات الرخيصة بات محنة لدى السوريين،  العابرين للعاصمة من باقي أصقاع سورية، وخاصة محدودي الدخل، الذين يريدون ورقة العبور، مفتاح الحياة لدى الكثيرين، جواز السفر، الذي أوجد مهناً جديدةً لعدد من العاطلين عن العمل.
كنان. ق، شاب في بداية عقده الثاني، ستجده يداوم في المقاهي القريبة من مبنى الهجرة والجوازات، يصطاد زبائنه بخفة ومهارة، حيث يقوم بجلب الزبائن إلى فنادق معينة، ثم حملهم على الحجز بواسطة شركات نقل خاصة، بعد أن يقنعهم بأن الحجز هنا أرخص وأكثر أماناً.
 يقول كنان: أنا خريج معهد فندقي، وكنت أعمل في مجال السياحة إلى جانب دراستي للترجمة، لكن هذا الأمر توقف بسبب الحرب الدائرة، واختفت الكروبات السياحية من ساحات وفنادق دمشق، وكوني لا أتقن سوى هذه المهنة، لجأت للعمل مع القادمين من باقي المحافظات، حتى أني استطيع استخراج جوازات سفر بفترة زمنية قصيرة.
ويتابع كنان: كان طموحي أن أكون دليلاً سياحياً يرافق المجموعات السياحية، لكن بسبب الحرب لم يعد هناك سياح حقيقيون، لذلك غيرت طبيعة عملي كي أتمكن من العيش بشكل كريم.


الوجبات الجوالة

ينتشر في عدد من الأحياء مطاعم تقدم وجبات محلية، بأسعار رخيصة، لكن الظروف المادية الصعبة، وعدم حب المخاطرة من قبل المستثمرين، أدى إلى عدم انتشار هذه المطاعم على نطاق واسع، للمحافظة على الأكلات السورية الشعبية  الأكثر رواجاً.
أبو عبدو، صاحب مطعم يقدم الفول والفتات، في شارع ساروجا وسط دمشق، يقول: نحن لم نرفع أسعارنا بشكل كبير، حيث بقيت ضمن المعقول، فأنت بإمكانك أن تتناول وجبة كاملة ب250 ليرة، مكونة من صحن فول أو تسقية مع رغيف خبز وبعض أنواع المخلل، إضافة إلى كأس من الشاي.
يتابع أبو عبدو: كنا نستقبل زواراً أجانب، لكن الحرب أبعدت الزوار عن دمشق، واليوم معظم زورانا هم أبناء المحافظات السورية، الذين يقصدون العاصمة بهدف إنهاء معاملاتهم، إضافة إلى طلاب الجامعات.
محمود، شاب من محافظة دير الزور، يقول: نحن عائلة مؤلفة من سبعة عشر شخص، ثلاث أخوة مع عائلاتهم، نقيم في فندق في منطقة البرامكة،  نحن نحتاج يومياً إلى أكثر من ستة آلاف ليرة ثمن طعام في اليوم الواحد، وهذا أمر كان ليكلفنا أكثر لولا وجود المطاعم الشعبية، التي وفرت الكثير من المصاريف علينا.
يتراوح سعر وجبة طعام لشخص واحد، مؤلفة من قطعة دجاج وصحن أرز وصحن مقبلات، في المطاعم الشعبية، بين التسع مائة إلى ألف وثلاثمئة ليرة سورية، فيما وصل سعر الفروج المشوي إلى ألف وأربعمائة ليرة، وكذلك الفروج البروستد، فيما تراوحت أسعار قطعة المعجنات(فطاير) بين خمسة وعشرين ليرة والثمانين ليرة للقطعة الواحدة، أما سندويشة الفلافل، وهي أكثر الأكلات الشعبية رواجاً، فقد تراوح سعر السندويشة الواحدة بين الخمسة وسبعين ليرة والمائة وخمسين ليرة، هذه الأسعار هي للمطاعم الشعبية، حيث يتوجب عليك أن تضاعف السعر عدة مرات في المناطق الراقية من أحياء مدينة دمشق.


على بابك ناطر

قد تضطر للنوم على باب شركات الطيران السورية، كي تحجز مقعداً على متن إحدى الطائرات العائدة إلى مطار دمشق.
تقول أسماء: أتلقى علاجاً كيماوياً في مشفى البيروني، ويتوجب عليّ السفر إلى دمشق في غضون أسبوع، لم أجد حجزاً قبل عشرين يوم، بعد أن وقفت مدة سبع ساعات أمام مكتب المؤسسة السورية للطيران.
وتتابع أسماء: كنت أحجز لي ولوالدتي التي ترافقني عبر شركات الطيران الخاصة، لكن هذا الأمر مكلف، حيث تبلغ تكلفة الرحلة للذهاب فقط مبلغ  أكثر من أربعة عشر ألف ليرة، وللإياب مثلها للشخص الواحد.
صراخ وسباب يتطاير في الجو أمام مكتب الحجز للسورية، لم يتمكن أحد من الدخول للحجز على الرحلات الخارجية، لكن أدهم تمكن من التحايل على الحارس، وأكد له أنه ينوي الحجز إلى دبي، فانفتحت له الأبواب، وتم استضافته في غرفة مكيفة، بعد أن وقف أربع ساعات تحت أشعة الشمس.
عندما تضع ألفي ليرة في يدي أحد السماسرة، فإن المقعد سيكون جاهزاً، والحجز بعد أيام معدودة، حال اشتكى منه أهالي الحسكة واللاذقية وتم وعدهم بحل هذه المشكلة لكن دون جدوى.

السفر براً

السفر براً، والتخفيف من عبء سعر تذكرة الطائرة، هو حل قد يلجأ إليه السوريون في حال أجبرتهم الظروف على ذلك، لكن عامل الأمان عبر الطرقات البرية قد انخفض كثيراً، حيث تتغير حالة الطرق، وعلى السائقين التعامل مع كل حاجز حسب تبعيته.
جاسم عبد اللطيف، سائق بولمان ينقل الناس من الرقة إلى دمشق، يقول: تعودنا في السنتين الماضيتين على اتباع طرق نلتف فيها حول المناطق والبلدات الساخنة، كي نصل بر الأمان، الرحلة لا تخلو من تعرضنا للقنص، مضيفاً: هناك أثمان علينا أن نقوم بدفعها للحواجز، على اختلافها، سواء كانت للمسلحين أو للدولة، فبعض الحواجز قد يكتفي عناصرها بمبلغ ألفي ليرة وكروز دخان، فيما يوجد حواجز لا ترضى أقل من خمسة آلاف ليرة، عن كل سفرة نقوم بها.
تسجل العين السورية مشاهد لدمار حل بتلك البلاد الجميلة، قصص لمدن كانت موجودة يوماً ما، لم يعد يوجد منها سوى ذكريات، أو على شكل صور لتشجيع السياحة.
لم نعد نحمل من هذه البلاد سوى ذكريات أليمة، وبعض الصور القديمة، بتنا عابري سبيل لا يملكون سوى قلم رصاص، يكتبون به ذكرى مرورهم بالقرب من هذه الجدران، أو على تلك المقاعد الباردة الصماء.