«قمل» الأزمة يصل إلى المدارس

«قمل» الأزمة يصل إلى المدارس

تفاجأت نسرين وهي أم لطفلة في الصف الأول الابتدائي، تدرس بإحدى مدارس ركن الدين، أن ترى القمل على خصلات شعر ابنتها في العام الماضي، بعد شهر من دوامها على مقاعد الدراسة، ولم تستطع أن تجيب على سؤال الطفلة ذات الست سنوات، وهي تسأل: شو يعني القمل يا ماما؟ من وين بيجي؟

حسب إحصائيات وزارة التربية السورية، فإن «نحو 4 ملايين طالب وطالبة توجهوا إلى مدارسهم البالغ عددها نحو 15 ألف  مدرسة» فقط، في المحافظات السورية التي لم يتم تحديدها بالتفصيل.

ولو تم تقسيم العدد الكلي، على عدد المدارس، يتبين أنه هناك حوالي 267 طالب في كل مدرسة، ما يعني حوالي 40 إلى 50 طالب في الصف الواحد وسطياً إن كانت المدرسة تضم من 5 إلى 7 شعب صفية فقط، وفقاً لما أعلنته الوزارة، لكن هذه التفاصيل غير واقعية نهائياً وفقاً لمن التقيناهم من طلاب وأساتذة.

وزارة التربية استعرضت الأضرار التي لحقت بالقطاع التربوي خلال الحرب، حيث تضررت /2009/ مدارس في المحافظات جميعها، منها /880/ مدرسة مازالت مستمرة بالعمل التربوي واستقبال الطلاب، كما بلغ عدد المدارس غير المستثمرة/5156/ مدرسة، منها /1129/ تضررت بشكل كلي، و/3549/ مدرسة يصعب الوصول إليها.

100طالب في الصف الواحد!

مدرس لغة فرنسية في إحدى مدارس جرمانا، يصور واقعاً بدا له «أليماً» و«صادماً» حينما التقيناه، قائلاً: «هناك حوالي مئة طالب في الصف الواحد من السابع إلى التاسع. تصور أنه سيكون هناك 4 طلاب في مقعد واحد رغم هذه الحرارة المرتفعة. وسيكون هناك طلاب واقفون على جنبات الغرفة الصفية».

وتابع: «هذا العام، جاءنا عدد كبير من طلاب دير الزور والرقة ووادي بردى، وحالياً ووفقاً للسجلات، سيكون هناك 100 طالب في الصف الواحد من السابع وحتى التاسع».

المدرس الذي فضل عدم ذكر اسمه واسم مدرسته لأسباب تتعلق بحساسية الوضع على حد تعبيره، متخوف من «أزمة كبيرة ستسبب عائقاً أمام سير عملية التعليم بشكل سليم. سيكون هناك أمراض تنتقل بين الطلاب بسبب هذا الازدحام سواء في الصيف أو الشتاء. أضف إلى ذلك مصاعب الفروقات الفردية والطبقية، بالتأكيد سنعاني من صعوبات كبيرة».

قلة في التجهيزات

وأردف: «لن يكون استيعاب الطلاب العلمي كما نريد بالتأكيد»، مشيراً إلى «قلة بالتجهيزات وتوفير المقاعد رغم الأعداد الكبيرة للطلاب»، مطالباً وزارة التربية «بتوفير مقاعد جديدة وإضافية بدلاً من المهترئ والناقص، وتشييد غرف صفية في (الباحات)، لحل جزء من المشكلة».

فروقات

وبدوره، قال مدرس الرياضيات في مدرسة ابتدائية بمنطقة ركن الدين: إن «ستواجهنا عدة مشاكل، فعدا عن وجود حوالي 60 إلى 65 طالب في الصف الواحد، ستكون فروقات البيئات المختلفة للطلاب، سبباً للمشاكل بين الأطفال أنفسهم».

وأردف: «فروقات التدريس والتحصيل العلمي في المدارس السابقة للطلاب النازحين، وظروف الانقطاع  بسبب الأحداث الأمنية، ستكون مشكلة كبيرة أيضاً. سنضطر لوضع الطلاب الذين فقدوا وثائقهم، في مراحل دراسية معينة وفقاً لمواليدهم وبعد سبر معلوماتهم على هذا الأساس، فربما ينجح طالب معين ويلتحق في الصف التاسع، وقد كان منقطعاً في السابع والثامن تبعاً لظروف محافظته السابقة، وهذا يهدد بنيته التعليمية، ويؤدي إلى تدني في مستوى التحصيل العلمي».

أوبئة

مدير الصحة المدرسية في وزارة التربية عبد العزيز النهار، قال العام الدراسي الماضي: إن نسبة انتشار القمل تتراوح بين 20 و30 بالمئة في بعض المدارس، وتتغير النسبة من مدرسة إلى أخرى، ويعتمد ذلك على جدية الإدارات في المراقبة التامة، والحفاظ على النظافة العامة، بينما وصل عدد حالات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي A في السويداء إلى أكثر من 100 حالة، معظمها بين طلاب المدارس العام الماضي أيضاً.

وهنا تقول مدرسة للحلقة الأولى مفضلةً أيضاً عدم ذكر اسمها والتعريف عنها باسم «رهف»: إن «العام الماضي شهد انتشاراً كبيراً للقمل والأمراض التنفسية والنفسية بين الأطفال في المدارس، وذلك يعود بداية للواقع المرير الذي تعيشه بعض الأسر، وعدم قدرتها على توفير مستلزمات النظافة الشخصية في بعض الأحيان، وعدم توفر الخدمات أحياناً، ومستوى الفقر الذي تعاني منه أعدد غير قليلة من الأسر، وكثرة عدد الطلاب في الصف الواحد».

وأردفت: «على مديريات التربية تعيين كوادر مختصة بمتابعة هذا المشكلة الطارئة، وتكوين فريق صحي في كل مدرسة، مهمته مراقبة واقع النظافة يومياً، والتواصل مع الأسرة، والتنسيق اليومي مع الصحة المدرسية، وعدم الاكتفاء بمحاولات التوعية بأساليب الحفاظ على النظافة الشخصية للطلاب، التي لم تؤت نفعاً في غالب الأحيان بسبب الظروف التي فرضت على الكثير من الأسر على خلفية الأزمة، ودور اختلاف البيئات والعادات والتقاليد بين أسر الطلاب».

اقتراحات

واقترحت «رهف»: أن تقوم وزارة الصحة بحملات توعية مكثفة مع بداية العام الدراسي، وتوفير مستلزمات مكافحة الأوبئة والأمراض التي تنتشر بين الأعداد الكبيرة، وتوزيعها مجاناً على الطلاب، مثل الصابون و«شامبو مكافحة القمل».  

ويقف 2.6 مليون طفل على هامش العام الدراسي الحالي، بعد أن حرمتهم الحرب حقهم في التعليم، حسب آخر إحصائيات اليونيسف في نيسان 2015، إذ تحوّلت بعض المدارس السورية إلى مراكز إيواء بينما تهدّم 20% منها في بلاد خسرت 20% من معلميها أيضاً.

حل غير مجدٍ

أحد الحلول التي بدأت وزارة التربية بتطبيقه خلال الأزمة الحالية، ونتيجة ارتفاع أعدد الطلاب الوافدين إلى المدن الآمنة، من المدن المتوترة، هو تقسيم الدوام المدرسي إلى جزأين لاستيعاب كامل الطلاب في المدارس الأقرب إلى سكنهم، وطلبت العام الماضي من كل مجمع تربوي يرى أن عدد الطلاب زاد عن الحدود المقبولة وهو «40 إلى 45» طالب ضمن القاعة الصفية الواحدة، يجب أن يحول الدوام فيها إلى دوامين أو إنشاء شعب  صفية جديدة.

وأغلب المدارس التي التقت «قاسيون» مدرسين فيها أو طلاباً، أكدوا بأن أعداد الطلاب تفوق الـ45 بالتأكيد، رغم تقسيم الدوام إلى فترتين، ما يجعل الحاجة ملحة لافتتاح مدارس حكومية جديدة بعد سنوات الحرب الطويلة، إضافة إلى إحداث شعب صفية جديدة في كل مدرسة.

وأشارت الوزارة إلى أن الكلفة التقديرية الإجمالية لأضرار القطاع التربوي تزيد على /167,139,174/ مليار ليرة سورية، في حين تمثلت الأضرار البشرية بالقتل والخطف، حيث قدمت وزارة التربية /400/ شهيد من الكادر التربوي و/475/ طالباً وطالبة.

خطة طوارىْ..

الباحث الاجتماعي، أ .أحمد يقترح خطة طوارىء تعليمية، تربوية تناسب ظروف الأزمة، وتحدّ من تأثيرها على مستوى العملية التربوية التعليمية، ويرى ضرورة عقد لقاءات بين الوزارة ومعلمي المدارس وإداراتها كلها، وأخذ القرارات مباشرة حسب الواقع الملموس، ومنح الإدارات المرونة الكافية، للتصرف حسب هذا الواقع، بما فيها تجاوز الملاكات، والتوزيع الأمثل للكوادر التعليمية والتربوية، في ظروف الأزمة حيث التنقل والنزوح المتكرر لهذه الكوادر.

التواصل مع الفعاليات الاجتماعية، والقوى المجتمعية، لإعادة الدوام الرسمي، إلى المناطق الخارجه عن سيطرة الدولة قدر الإمكان، واعتبارها مع كوادرها وطلابها مناطق محايدة خارج ساحة الصراع.

تعيين معلمين – حسب الحاجة – لمتابعة أوضاع الطلبة الذين انقطعوا عن متابعة التعليم بسبب ظروف الأزمة، وإعادة تأهيلهم، وعدم الاكتفاء بعملية السبر الجارية الآن.  

آخر تعديل على السبت, 19 أيلول/سبتمبر 2015 23:48