حلب... تعددت المعابر والذل واحد
هل جاء الأوان الذي سيترحم به الحلبيون على زمن معابر الذل؟ فما أن تم إغلاقه حتى تم بتر شطري المدينة وتحولت كل تفاصيل حياة المواطن الحلبي إلى معبر يذله بطريقة أو بأخرى، ويستنزفه كياناً إنسانياً وكرامة.
فمن الماء إلى الكهرباء إلى لقمة عيشه وحتى حياته لم تسلم، دون ذكر الأنترنت لأنه غدا الحديث عنها كمالية وبطراً فاقعاً في ظل الأزمة، فضاقت بالحلبيين السبل لتجدهم يقفون في طوابير على أبواب «الهجرة والجوازات» أو «الدائرة القنصلية في وزارة الخارجية» لاستكمال أوراق نجاتهم ببطاقة سفر للمجهول.
«صباح الخير حلب؟»
هاجس رعب يصحو مع المواطن الحلبي منذ لحظات صباحه الأولى، ويهدده من كل جوانب حياته، فيبدو وكأن الحياة تسلب منه بكل الطرق، بالموت عطشاً أو بالموت على طوابير المياه كما حدث بتاريخ 10/8 في حي الميدان حيث قضى عدد من المواطنين الواقفين في انتظار حصتهم من المياه، أو تسمماً لعدم صلاحية هذه المياه للشرب.
ناهيك عن راتبه الموزع مسبقاً بين «الأمبيرات» 5000 ل.س، وإيجار المنزل الذي وصل لـ25000 ل.س والمأكل في حده الأدنى – منسوخاً منه منذ زمن ألوان الفاكهة التي اشتعلت أسعارها ولم يعد يستطع إليها سبيلا، واللحوم- وما تبقى من مصاريف، هذا إن بقي شيء أصلاً في آخر 25 يوماً من الشهر- لباقي المستلزمات، مستثنين الحديث عن تكاليف الدراسة لأطفاله، أما الخريجون من الجامعات فهم إما عاطلون عن العمل أو يعملون في مجالات أقل من كفاءاتهم وفي «الحد الأدنى من طموحاتهم أيضاً».
«بنج جديد»
أما بعض مسؤولي المدينة التي سدت روائح فسادهم أنفاسها كقمامتها، فبقوا غائبين أو مغيبين عن أي دور، ودائماً ما تخرج تصريحاتهم بعيدة عن واقع حال المدينة وما تعانيه، أو ليخرجوا على شاشات التلفاز بعد كل اجتماع ليوهموا المواطن الحلبي بأن كل أزمات المدينة في طريقها للحل ونحن نعمل لأجلكم، حتى بات الشارع الحلبي يتهكم بعد كل تصريح بعبارة «بنج جديد أو بنجونا».
«مدينة تسيرها المصالح»
تحول تجار الأزمة إلى شماعة جاهزة تلقى عليها أزمات المدينة دون حساب فعلي لهم وتقصي مخالفاتهم، هذا الأمر الذي أصبح يثير شكوكاً خطيرة بأن تجار الأزمة من يتحكم بالمدينة!!، فإما أن يكون المسؤولون عن المدينة هم هؤلاء التجار أو شركاء لهم، وإلا فكيف يمكن أن تتفاقم الأزمات في المدينة لدرجة استحالت معها كل إصلاحاتهم «الترقيعية»، وأن حجم الأزمات في المدينة والإجراءات التي مورست لحلها تشي بما غاب عن أنظار المواطن الحلبي.
«هل لحلب حصة من الأمل»
أما الحل السياسي الذي أصبح اليوم مطروحاً عالمياً وبدأ يتبلور في المحافل الدولية فقد غُيّب في مدينة حلب، أمام مفردتي «حسم وإسقاط» والتي أصبحت تتجاذب المواطن الحلبي كلعبة شد حبل مزقته على جميع المستويات، ما أغرقه بتفاصيل يومياته القاتلة فاقداً حسه وتفكيره بفعل الحرب التي حطمت كل منطق لديه بما أنتجته من خراب، وهو ما أبعده عن كل فعالية لكونه القاعدة التي ستشكل مرتكزاً شعبياً للضغط في اتجاه الحل السياسي والتغيير الجذري والشامل.
هذا الإغراق للمواطن بتفاصيل ويوميات أزمته إن كان فيه جانباً قهرياً –لخروج أدوات اللعبة من يده – فهو مفتعل في أجزاء أخرى على المستوى الإعلامي – الداخلي منه أو المرتبط بأطراف الأزمة خارجياً- إن لم يكن لتشويه حقيقة المجريات فهي لحرف رؤيته عن قراءة الوضع، أو البحث عن الطروحات القادرة على تقديمها بجلاء وشفافية له، ما يستدعي تكثيف الجهود السياسية على مستوى القوى الفاعلة جميعها لتقديمها للشارع وإنقاذه من الغرق في تفاصيل الأزمة الشكلية والذهاب به إلى جوهر المشكلة الحقيقي.