أطفال سورية جريمة حرب عالمية
في الوقت الذي يمجد إنجازه بيوم الطفل العالمي الذي أقر في 20 تموز 1949 في باريس، وما تم سنه من اتفاقيات لحمايته، يعمي العالم ناظريه عن آلة حربه التي كانت سبباً في موت العديد من الأطفال في أنحاء العالم وتشردهم ومعاناتهم، وخاصة في دول العالم الثالث.
في سورية، خمس سنوات من الحرب أنتجت كماً هائلاً من دمار وعنف، وتدهوراً للحالة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة للظروف السياسية غير المستقرة التي انعكست على المواطنين، ما دفع بالعديد من الأسر السورية للنزوح، أو اللجوء هرباً من الخطر، أو بحثاً عن مصدر رزق، ليبلغ عدد الأطفال اللاجئين أو المشردين داخل سورية 3 مليون طفل، يعيشون أوضاعاً سيئة وخطرة، أثرت على حياتهم، وجعلتهم يمرون بأسوأ ظرف على المستوى الإنساني، وذات امتدادات للواقع الصحي والتعليمي.
وهذا أدى لارتفاع نسبة الوفيات، بسبب الفقر الشديد وتدني الدخل الفردي وتدهور الواقع المعيشي المتفاقم أساساً، إلى جانب ما أضافته ظروف الحرب، من مواجهات ميدانية وأعمال إرهابية، واستخدام الأطفال كدروع بشرية والزج بهم في المعارك أو العمليات الانتحارية، وصولاً إلى إعدام أو ذبح أعداد منهم ميدانياً على يد المتشددين، كما حدث في العديد من القرى السورية، ناهيك عن تعريضهم للتعذيب والعنف الجسدي والنفسي والجنسي وغيرها من الصدمات النفسية الخطيرة.
ويضاف إلى ذلك إصابة أعداد متتالية من أطفال سورية بالعديد من الأمراض السارية مجدداً، كشلل الأطفال والسل والتهاب الكبد الوبائي والكزاز والنكاف والتي كانت قد اختفت بشكل كلي أو شبه كلي في سنوات ما قبل انفجار الأزمة. وتتركز أغلب تلك الإصابات بين اللاجئين أو القاطنين في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة حيث تنعدم اللقاحات المطلوبة أو تكاد، وحتى بعض ما يستجلب منها يكون فاسداً أحياناً، كما حدث في ريف إدلب.
مستقبل مجهول
آثار الحرب على الواقع التعليمي لأطفال سورية ليست بأقل خطورة، حيث تقدر منظمة اليونسيف عدد الأطفال المتسربين دراسياً داخل سورية وخارجها بما يقارب 2.7 مليون طفل، في حين يضطر 10% من 1.5 مليون طفل من اللاجئين السوريين للعمل في ظروف سيئة وأجور زهيدة وساعات عمل تصل إلى 16 ساعة، ملتجئين للعمل الرخيص وغير الماهر.
ويعاني 4 من 5 أطفال سوريين من الفقر، و1 من 10 أطفال لاجئين في المنطقة يندرج في صفوف عمالة الأطفال، و50% من الأطفال داخل سورية يساهمون في دخل عائلاتهم. أما في دول اللجوء فتوجد نسبة 75% من الأطفال اللاجئين هم المعيل الرئيسي لعائلاتهم، كما في الأردن والعراق. أما في لبنان فتجد أطفالاً عاملين تحت سن الثامنة، و47% من الأسر النازحة تعتمد على دخل طفل. ويعمل الأطفال على فترات متقطعة في وظائف قصيرة الأجل، قد تتغير من يوم إلى آخر، بمقابل حقيقة أن سهولة عثور الأطفال على عمل مقارنة بالكبار، وتداعيات القبض عليهم من قبل الشرطة المحلية في الدول المضيفة يكون أقل سوءاً، بما يرفع من نسب عمالة الأطفال.
طفولة تذبح بصمت
عدم قانونية عمالة الأطفال في كل من الأردن ولبنان لم يمنع من بروز هذه الظاهرة، ما يدفع بالمستفيدين سواء أكانوا مشغلينهم أم عائلاتهم اللاجئة إلى إخفائهم خشية افتضاح أمرهم، ما قد يؤدي في الحالة الثانية إلى تقليص استحقاقاتهم من المساعدات المالية الشحيحة المقدمة من المنظمات الأهلية والدولية، وهو ما يجعل إحصائيات عمالة أطفال سورية في الحرب غير دقيقة وقابلة للزيادة.
أما مجالات عمل هؤلاء الأطفال فغالباً ما تكون في الخدمات وورش الكهرباء والنجارة والسيارات والمحاجر وصالونات الحلاقة والمطاعم ومحلات بيع التجزئة والمتاجر والتشييد والزراعة والتسول والبيع في الشوارع ما يعرضهم لأخطار متنوعة على المستوى الجسدي والنفسي، مثل حالة حازم (15 عاماً) الذي أصيب بإعاقة دائمة، بعدما بترت كفه في ورشة خياطة أثناء عمله بمقص أقمشة كهربائي وخسر عمله دون أن يتقاضى أي تعويض مادي بحسب تعبير والدته التي سبق لها أن اضطرت لرهن أرضها لتأمين تكاليف سفره للخارج بحثاً عن عمل يعيل أسرته، إلا أنه عاد إليها عاجزاً.
أما شاهد الاستغلال الاقتصادي الذي يدفع بالطفل العامل السوري للعمل 16 ساعة يومياً لقاء أجر قد لا يتجاوز 100 يورو شهرياً فهو أمجد (16 عاماً) والذي يعمل في أحد المصانع التركية لقاء وجبته الغذائية ومكان نومه وفي بعض الأحيان يضطر للعمل الإضافي وإلا خسر عمله، فنفقات المعيشة كبيرة والواقع الاقتصادي في الدول المضيفة ليس بأقل سوءاً من سورية بسبب ارتدادات الأزمة، ما يجعل العديد من الأسر ترنو نحو «مزايا اللجوء الأوربي»، وخاصة مع نشاط مافيات التهريب، الأمر الذي يولد دافعاً إضافياً لدى الأسر لدفع أطفالهم للعمل بغية توفير المال الكافي لشراء تذاكر السفر.
هجرة سرية و..!
وهنا تبرز ظاهرة هجرة الأطفال القاصرين غير المصحوبين- بحسب تسمية بعض الجهات الدولية، والذين عرفتهم المفوضية العليا لللاجئين: كل طفل لا يتجاوز 18 سنة يوجد خارج بلده الأصلي ومعزول عن أبويه أو وصيِّه، ليشكل السوريون بالمحصلة أكبر مجموعة مهاجرة في 2015، يليهم الأفغان.
وترتبط هذه الحالة بشكل وثيق بـ«الهجرة السرية»، حيث يتم احتجاز المهاجرين بظروف إنسانية سيئة، ليصار إلى نقلهم إلى مقرات مجهزة لاستقبالهم أو تسليمهم لعهدة طرف ثالث، مما يضعهم في ظروف سيئة من ناحية تعرضهم لما يتعرض له الكبار من مبيت في العراء دون وجود حد أدنى من الخدمات، واحتجازهم لفترات طويلة حتى يتم البت في أوضاعهم، وهو ما يضطرهم للكذب بحقيقة أعمارهم حتى يتمكنوا من العبور وإكمال طريقهم.
فمن حلب باتجاه مدينتي إعزاز وأورم الجوز، بداية الطريق البري نحو أوروبا،. حيث يتم قطع الحدود بطريقة غير شرعية لقاء مبلغ 3000-5000 ل.س، ثم التوجه إلى أزمير وانتظار مركب ما يقلهم إلى إحدى جزر اليونان.
حكمت «14 عاماً» سافر بمفرده راجياً الوصول إلى أوربا عبر تركيا واليونان لمساعدة أهله، إلا أنه تم احتجازه لأنه أخطأ بإخبارهم عن عمره الحقيقي.
وخلال رحلتهم يتعرض الأطفال إلى ضغوط نفسية هائلة لأسباب متعددة ليس أقلها غرق سفينة نقل ما، بما يعرضهم للموت أو لهزات نفسية عنيفة، ناهيك عن وقوعهم ضحية شبكات لديها خبرة قانونية كبيرة، وقدرة على التعاطي مع القوانين الأوربية المتعلقة باللاجئين، ما يجعل تلك الشبكات غير معرضة للملاحقة القانونية في حال وجود أية تجاوزات أو استغلال منها بحق المهاجرين لعدم وجود أدلة على ذلك، ما يدخل هؤلاء الأطفال في عملية مقامرة كبرى.
جيل مهدد
السيدة أمل، مربية ومرشدة اجتماعية، تحدثت لقاسيون عن آثار الأزمة وتداعياتها على الأطفال على المدى القريب، فقالت:
الأزمة خلقت جيلاً كاملاً يعاني من الاضطرابات النفسية المتمثلة بالخوف المستمر، والاضطرابات الانفعالية الحادة، والاكتئابية التي تصل حد الفصام، في الوقت التي تؤثر فيه الحرب على النمو الجسدي للطفل من خلال إصابته بالتوحد والإعاقة الذهنية وسلس البول والصرع، إضافة للكوابيس وازدياد الارتباط بالوالدين والخوف من الانفصال عنهم، كما تظهر صعوبات بالتركيز والتعلم.
أما عن تبعات الأزمة على المدى البعيد، فهي ستتحول لديهم لأمراض اجتماعية ونفسية خطيرة تتمثل في:
أن التسرب من التعليم وعدم وجود بدائل لسد الفجوة، قد يسبب في غرق الأطفال في الأمية، ما سيتسبب في تخلفهم وتمترس الفقر في حياتهم نتيجة هجرهم المدارس والتحاقهم بالعمل باكراً، بحكم الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية المتردية لأسرهم.
الحرمان من التعليم واللعب، يؤدي إلى انخفاض، وربما انعدام التطور المعرفي للطفل، الذي يترك المدرسة ويتوجه للعمل، فتطوره العلمي يتأثر، بما يؤدي الى انخفاض قدراته على القراءة والكتابة إضافة إلى أن إبداعه يقل وهو مؤشر خطير على مدى التخلف العلمي والاجتماعي والثقافي الذي سيلحق بالمجتمع القادم.
الأزمات النفسية والاجتماعية والجسدية التي يتعرض لها الطفل تؤدي إلى انعدام تقدير الذات واحترامها، وكذلك الآخرين، إضافة إلى تلاشي إحساسه بالارتباط بالعائلة، نتيجة انخراطهم بالعمل لوقت طويل، وربما النوم بمكان العمل وتعرضهم للعنف من صاحب العمل أو زملائه.
وهذا ما يؤدي إلى تنامي الروح العدائية لديه، لاسيما أولئك الذين تم تجنيدهم للقتال، مما يؤدي إلى ابتعادهم كلياً عن القيم الأخلاقية والعاطفية وعدم القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب.
الحل السياسي يبني ما قد تهدم
أمام واقع يدفع فيه الطفل السوري ثمناً باهظاً بسبب فشل العالم في إنهاء الأزمة السورية، والدفع نحو حل سياسي ينقذه من براثن هذا الواقع، فوضع الأطفال في سورية كارثي ومأساوي، بكارثية التعامي الدولي أمام تشبث الدول المعنية بالأزمة السورية بمصالحها فقط، دون أن تأخذ بأي اعتبارات أخرى.
ما يفرض ضرورة تفعيل اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الطفل والقوانين، وإلزام الجميع والتذكير بالواجب القيمي والأخلاقي والإنساني لحماية هؤلاء الأطفال على المستوى العالمي، إضافة إلى ضرورة تفعيل دور وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل لحماية هؤلاء الأطفال على المستوى الوطني.