حكومات الكترونية خارج التغطية وادفع.. تمشي اليوم!!

عبثا تطلب الموظفة في دائرة النفوس في مديرية شؤون النازحين لمحافظة القنيطرة(هذه التسمية موجودة قبل نشوب الحرب الحالية)أن تبعد المراجعين عن طاولتها كي تتمكن من التنفس.حيث قامت محافظة القنيطرة وبسبب الأوضاع الأمنية المضطربة بنقل عدد من دوائرها، إلى بناء قديم ومتهالك في منطقة الحلبوني. 

يقول الحاج خلدون.ع: أنا أقف منذ أكثر من ثلاث ساعات كي أوثق ولادة حفيدي. ولم يعد بمقدوري الخروج أو التقدم في الصف. ويتابع أين احترام المواطن ونحن نسمع السب والشتائم من بعض الموظفين بحجة تنظيم الدور.

تقف سميرة قرابة الساعة في الدور وعندما تصل إلى طاولة الموظف المعني يبتسم الموظف ويقول لها: لا يوجد شبكة انترنت كي نجلب المعلومات.

شكوى واحدة وموحدة في معظم الدوائر الحكومية المعنية بالتعامل المباشر مع المواطنين، وهي انقطاع التيار الكهربائي أو انقطاع اتصال الانترنت، مما يؤدي إلى حالة غضب في صفوف المواطنين الذين قد يمضي واحدهم أكثر من يوم ليستخرج وثيقة واحدة، كانت لا تكلف أكثر من عشر دقائق، لو أن الأمور تجري كما يعد المعنيين وخاصة من يفتخرون بانجاز النافذة الواحدة أو اتمة المعلومات في دوائرهم.

المحافظات النائية 

المحافظات النائية مصطلح موجود ويطلق على محافظات الشمال والشرق السوري كالرقة ودير الزور والحسكة. 

في دمشق أعداد كبيرة من النازحين، منذ مرحلة ما قبل الأزمة، لتزداد الأعداد بشكل كبير في سنوات الأزمة وخصوصاً من محافظات دير الزور والرقة، بإمكان المواطنين الحصول على وثائق رسمية تخصهم من مراكز محددة في العاصمة، ولكن ثمة تعقيدات لامبرر لها، بسبب ضياع بيانات عدد كبير منهم وعند التقدم بأي طلب يتم الطلب منهم العودة إلى مدنهم الأصلية لجلب أوراق بسيطة. كشهادة مختار أو غيره. 

بلغ سعدون.خ سن التقاعد وهو في مدينة دمشق. سعدون من أبناء محافظة دير الزور حيث كان يعمل مدرساً. يقول سعدون: كنت أعتقد أني سأنجز معاملة التقاعد الخاصة بي خلال أيام قليلة كوني أقيم في دمشق، أي لدى الجهة المركزية. لكني تفاجئت بوجود ذاتية لي حتى العام 2008 فقط، وبقية الأعوام فارغة لا يوجد فيها الترفيعات والترقيات التي حصلت عليها، وإذا لم تكن هذه المعلومات موجودة فإن إجراءات عملية التقاعد لن تتم. لذلك طلب مني الموظف المعني السفر إلى دير الزور وإحضار بقية الأوراق المطلوبة. مدينة الزور تخضع لحصار شديد من قبل عناصر ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، كما تم قطع الاتصالات إلا ما ندر وكذلك خدمة الانترنت غير متوفرة والسفر إلى دير الزور يحوي مخاطر عديدة. ويضيف سعدون: هذه المشكلة ليست مشكلة فردية بل هي مشكلة تطال عدداً كبيراً من المتقاعدين الذين لم يعودوا يملكون أي دخل مادي سوى مرتبهم التقاعدي. 

عندما تتجول في شوارع مدينة دمشق ستصادف عدداً من الشبان والكهول التائهين يمسكون ورقة بيضاء صغيرة كتب عليها عدد قليل من الكلمات، غالبا ما تكون هذه الكلمات عنواناً لدائرة حكومية، قد تكون خلف الشخص السائل مباشرة. وكونه غريب سيجد صعوبة في الوصول إلى العنوان الذي كان بمقدور المسؤولين اختصاره بإنشاء دائرة خاصة لتسيير أعمال أبناء المحافظات الشرقية، وبذلك يخففون على المواطن عبء السؤال والوقوع تحت رحمة ابتزاز بعض الموظفين، ودفع الرشاوى هنا وهناك. 

أحكام قضائية معلقة

الاكتظاظ الموجود في الدوائر الحكومية انسحب أيضاً على أروقة القصر العدلي في دمشق، حيث تشهد قاعات المحاكم وخاصة المحاكم الشرعية إقبالاً شديداً، فهي تستقبل قضايا مدينة دمشق وريف دمشق وباقي المحافظات التي تشهد أعمالاً حربية. يقول القاضي مرهف الفصيح  قاضي المحكمة الشرعية في دمشق: شهدنا في السنوات الأخيرة ازدحاماً في المحاكم، وذلك نتيجة تخريب المسلحين لعدد كبير من المحاكم في مختلف المناطق السورية، ويتابع الفصيح نحن بحاجة إلى إعادة ربط شبكة المعلومات بين المحاكم والدوائر الحكومية في مختلف المناطق السورية كي نسرع إجراءاتنا وبالتالي نقدم الخدمة المرجوة للمواطن بأقل وقت وتكاليف. 

تفاجئت عبير بعدم تمكنها من تثبيت عقد قرانها كونها لا تزال على القيود الرسمية متزوجة من رجل أخر. تقول عبير: أنا من محافظة إدلب وقد حصلت على قرار الطلاق من زوجي السابق قبل تسعة أشهر. ولكني تفاجئت اليوم بعدم إنزال القرار على قيودي، وبالتالي لا يحق لي تثبيت زواجي الجديد. وكي يتم تثبيت زواجي الجديد ينبغي علًي السفر إلى ادلب وإحضار القرار باليد، كي أسرع في الإجراءات فزوجي الجديد يريد تثبيت الزواج ومن ثم السفر. 

يواجه القضاة مشاكل عديدة أبرزها: عدم وجود بيانات كافية أو حتى اختفاء بيانات عدد كبير من المواطنين من السجلات، نتيجة عدم وجود شبكة اتصالات وانترنت تربط بين الدوائر المعنية وخاصة دوائر السجل المدني والمحاكم، أو اختفاء البيانات نتيجة تعرضها للتلف، حيث قام المسلحون في بعض تلك المناطق بإحراق وإتلاف عدد كبير من السجلات المدنية، في المناطق التي يسيطرون عليها، والقيام بإنشاء محاكم بديلة مما أدى إلى ضياع حقوق المواطنين. 

مخاتير الأرصفة

يجلس  مختار بلدة سبينة تحت مظلة ويضع أمامه طاولة صغيرة عليها طوابع بريدية ومصنفات، تهجر مختار سبينة من بلدته كما حال أهل المنطقة وفقد منزله ومكتبه الذي خصصته له وزارة الإدارة المحلية، وكذلك حاسوبه الشخصي وباقي سجلاته. ليعود ويجلس على الرصيف المقابل لمديرية شؤون النازحين التابعة لمحافظة القنيطرة في منطقة الحلبوني. يقول المختار: لم نجد مكاناً نجلس فيه لذلك نجلس على الرصيف في البرد والحر، فأنا لا أملك باب رزق سوى هذا العمل، كما أني أفضل الجلوس هنا، كي أسهل عمل المواطنين الذين قد تتوقف معاملتهم على ورقة ممهورة بختم المختار. حيث رفضت مديرة المديرية بقاءنا داخل حرم المديرية بحجة أننا نسبب الازدحام. 

ادفع ...تمشي 

أينما تجد ازدخام ستجد من يأخذ بيدك ويوقفك جانبا هامسا لك. هل تريد اتمام معاملتك بأسرع وقت؟؟ عندما تومئ برأسك موافقاً سيتوجب عليك دس قطعة نقدية ورقية في جيب من يحمل صينية الشاي والقهوة. 

يحاول عبد الكريم استخراج بطاقة شخصية لابنه والعودة الى مدينة الرقة. لكن الموظف المعني يخبره أن هذه العملية ستتطلب منه العودة بعد أشهر للحصول على البطاقة. لا يملك عبد الكريم الوقت للبقاء في دمشق كما لا يدري إذا ما كان يستطيع العودة فيما بعد الى دمشق. همس له أحد المستخدمين بأن البطاقة ستكون بين يديه خلال مدة أقصاها أسبوع لكن سيتوجب عليه دفع مبلغ عشرة آلاف ليرة. في حسبة بسيطة بين تكاليف الإقامة والسفر يجد عبد الكريم أن دفع مبلغ العشرة آلاف ليرة للمستخدم أوفر وأضمن من السفر والعودة مرة ثانية، وبالفعل حصل عبد الكريم على بطاقة ابنه، ويضيف كنت أتمنى أن تجد الحكومة حلاً سريعاً لمشاكلنا وندفع للحكومة النقود بدل أن ندفعها للسماسرة. 

جرى الحديث منذ بداية العام 2000 عن أتمتة عمل الحكومة والمؤسسات ولذلك وضعت اللجان التي اجتمعت وفضت اجتماعاتها لنتفاجئ على أرض الواقع بوقائع بعيدة عن الأتمتة وجمع البيانات حيث يعود الموظفين إلى السجلات الورقية لإنهاء أبسط المعاملات.