جدل حول «ثغرات» قد تهددمكانة التعليم العالي في سورية
بعد 4 سنوات ونيّف من الحرب على سورية، لم يخل قطاع من قطاعات الحياة إلا وطالته أزمة معينة تفاقمت باستمرار الحرب، سواء كان ذلك ناجماً عن قيود فرضتها دول أوروبية كـ»عقوبات»، أو عن تصرفات «غير مسؤولة» من جهات حكومية زادت من الطين بلة.
قطاع التعليم، لم يكن بعيداً عن مساوئ مفرزات الحرب، وعدا عن الشكاوى التي كانت تطاله سابقاً في «عصر الرخاء» إن صح التعبير، طفت على السطح مؤخراً مشاكل جديدة جاءت نتيجة بعض القرارات التي اتخذتها وزارة التعليم العالي، والتي وصفها بعض المراقبين أنها ثغرات قد تتذرع بها بعض الجهات الدولية ومنها اليونسكو، كي تهدد بسحب الاعتراف بالجامعات السورية، وبالتالي ضياع قيمة الشهادات الجامعية.
الدكتورعامر قوشجي رئيس الجمعية الوطنية للشباب والتنمية، ومدير الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، أكد لـ«قاسيون» أنه إن لم تتدارك وزارة التعليم العالي تلك الثغرات وعملت على سدها، قد يؤول الوضع إلى ما لا تُحمد عقباه، مطالباً باتخاذ التدابير اللازمة للحؤول دون وصول اليونسكو إلى سحب الاعتراف بالجامعات السورية.
خصخصة التعليم وقرارات مريبة
ومن أكثر الأمور خطورة على وزارة التعليم العالي وفقاً لقوشجي، هو «التوجه نحو خصخصة التعليم»، قائلاً «التوجه نحو زيادة عدد الجامعات الخاصة، وعدم زيادة المقاعد بالجامعات الحكومية، سيؤدي إلى توجه الطلاب إلى التعليم الخاص، وأشار إلى قرار تتم دراسته حالياً لجمع شواغر الاستيعاب لثلاث كليات علمية وهي الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة بكتلة واحدة عبر 800 مقعد فقط، وهذا ما سيؤدي إلى رفع المعدلات، ودفع الطلاب نحو التعليم الخاص أيضاً، وبالتالي ستظهر مجدداً مشكلة الفحص الوطني وتعديل الشهادات».
وحذر من عدة مشاكل قد تنتج عن مثل هكذا قرار كـ»التأثير على استيعاب كل كلية من تلك الكليات على حده، فضلاً عن أنه لكل كلية عمادة ومخابر المفروض أن تكون مستقلة».
معضلة!
ونوّه قوشجي إلى مشكلة وصفها بـ»الكبيرة» تواجه الطلاب الذين درسوا بعض سنوات الجامعة في بعض البلدان العربية أو الغربية، وجاؤوا إلى سورية لإتمام تعليمهم، وهي عدم حصولهم على الشهادات الجامعية نتيجة «إهمال إدارة الجامعة» بالتحقق من صحة الوثائق المقدمة لها عبر التواصل مع الجامعات التي كانوا فيها سابقاً، في حينها، علماً أن هذه العملية مهمة الجامعة والوزارة، وفقاً لحديثه.
وذكر قوشجي حادثة لأحد الطلاب الذين دروسوا سنة في ليبيا، وجاء ليكمل في سورية، وبعد إنهائه سنواته الجامعية، لم يحصل على شهادة نتيجة عدم القدرة على التواصل مع جامعته الآن التي تدمرت إثر الحرب هناك، وكان من المفترض أن يتم مراسله الجامعة فور وصوله إلى سورية، إلا أن ذلك لم يتم، طيلة هذه السنوات.
تعديل الشهادة السورية في سورية!
وحول تلك القرارات التي وصفها بأنها «ثغرات سلبية»، توقف قوشجي عند الفحص الوطني الذي يخضع له طلاب الكليات الطبية العامة والخاصة منذ عام 2010 والذي سيطبق على كليات أخرى قريباً، وقال: «اشتراط النجاح في الفحص الوطني المعياري لخريجي الجامعات السورية الخاصة، والعامة من كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، ليدخل الخريجون سوق العمل والانتساب لنقاباتهم، يقلل من الثقة بشهادة الجامعات العامة السورية، ومؤشر لعدم اعتراف الوزارة بشهادات جامعاتها».
ومن وجهة نظر قوشجي، ليس من الضروري أن ينجح الطالب في هذا الفحص، كي يدخل سوق العمل، ويكفي التقدم إليه دون شرط النجاح «كما كان سابقاً، فهذا غير مطبق بأي دولة غير سورية، أن تعادل شهادات الجامعات الحكومية لدى وزارة التعليم في البلد نفسه «فالمعايير الدولية لا تشترط ذلك، إلا أن وزارة التعليم العالي أصدرت هذا القرار وكأنها غير واثقة بالشهادة الجامعية التي تصدرها الجامعات السورية التابعة لها، وهذا قد يكون مأخذاً عليها».
الوزارة تدافع
وزارة التعليم العالي، وبشكل طبيعي، قامت بالدفاع عن نفسها، وقالت ميسون دشاش مدير عام مركز التقويم والقياس في الوزارة، إنه «هناك قرارات من الوزارة بناءً على معايير موضوعة من منظمة اليونيسكو ومنظمة الصحة العالمية لجودة التعليم العالي، حيث وضعت منظمة الصحة العالمية عام 2013 معايير للمحافظة على الاعتراف بشهادات الكليات الطبية في منطقة شرق البحر المتوسط، ووضعت امتحان وطني موحد تخضع له الجامعات الطبية الخاصة والعامة كلها، ليتم بناء عليه الاعتراف بشهادات الخريجين، إضافة لوضع معايير أكاديمية مرجعية تحدد مهارات ومعايير كل خريج قبل دخول سوق العمل والمشافي والاختصاصات المتقدمة، ووفقاً لذلك وضعت الوزارة قرارات لقياس مخرجات التعليم العالي».
ووفقاً لدشاش «تم إجراء 57 امتحان وطني خلال الأزمة، عشرة منها لكلية الطب البشري وكان النجاح بالامتحان شرط للتخرج، وبلغت نسبة النجاح في الامتحانات 90% في جامعة دمشق، و86% في جامعة تشرين وباقي الجامعات، ما يعكس جودة التعليم ومستوى البرنامج والخريج والجامعة”.
حديث دشاش في هذه النقطة، كان منفياً من قبل رئيس الجمعية الوطنية للشباب والتنمية التي تضم فيها عدداً كبيراً من طلاب الجامعات وخريجيها، حيث قال «هناك مشكلة حقيقية بهذا الامتحان وخاصة إن تم النظر إلى نسب النجاح المتدنية به، مايدل على وجود مشكلة بالامتحان وليس بالطلاب».
رغم التحذير الوزارة تكمل وتعمم
ونوهت دشاش إلى أن «وزارة التعليم بدأت بتطبيق الامتحان الوطني في الكليات الطبية، انتقالاً للكليات الهندسية، وصولاً لكافة الفروع العلمية، ليكون فيها امتحان وطني معياري لأنه مطلوب قياس مخرجات التعليم العالي، وهناك اهتمام بكلية الهندسة المعمارية لدورها الهام بمرحلة إعادة الإعمار، وشكلنا بوردات عمارة للتأكد من قدرة الخريج على تلبية الاحتياجات القادمة، حيثت تم إجراء امتحان كفاءة للعمارة عام 2010 ، وطبقنا أربع امتحانات وطنية، أما العام الماضي أجري امتحان كفاءة، وكان شرطاً للتقدم إلى الدراسات العليا، وهذا العام سيصبح شرطاً للتخرج».
اليونسكو تؤكد فقط!
وفي نقطة أثارت بعض الجدل في حديث دشاش، أشارت الأخيرة إلى أنه «سيتم توقيع اتفاقية اعتراف متبادل بالشهادات بين سورية واليونيسكو»، وهنا يتبادر للذهن وكأن اليونسكو كانت تشكك فعلاً بجدوى هذه الجامعات، ولذلك طلبت بعض الشروط «الصارمة» من وزارة التعليم العالي كما قال مصدر في الوزارة لـ»قاسيون».
لكن دشاش تداركت ذلك، وقالت إن «توقيع هذه الاتفاقية يتم كتحديث دوري للاتفاقيات السابقة»، مشيرةً إلى أنه «قبل الأزمة كانت أربع جامعات سورية فقط داخلة بالتصنيف العالمي لأفضل عشرين ألف جامعة، الآن هناك 18 جامعة داخلة بالتصنيف، رغم أنه انخفض الترتيب قليلاً، وخاصة لجامعة حلب وجامعة البعث”.
مصدر في وزارة التعليم العالي، نفى لـ»قاسيون» وجود تهديد صريح من قبل اليونسكو بخصوص سحب الاعتراف بالشهادات الجامعية السورية، وما جرى كان فقط إعادة التذكير ببعض الشروط التي يجب التقيد بها على حد تعبيره، إلا أن قوشجي وجد أن مجرد «التذكير بالشروط يعتبر نوعاً من التهديد من منظمة اليونيسكو».